النظام الرأسمالي في وعكة صحية

النظام الرأسمالي في وعكة صحية

لماذا يحاول الإعلام الامريكي إقحام تهمة “العنصرية” في احداث وفاة جورج فلويد رغم إن كل مطلع على الوضع الامريكي – من الداخل – يعرف إن لا علاقة للأمر بالعنصرية؟

فلا اضطرابات عرقية حدثت، ولا حوادث عنصرية سجلت، ولا ردود فعل انتقامية لوحظت. بل العكس نرى الامريكان من مختلف الالوان بين “مثيري” الشغب، وبين الشرطة على حد سواء.

هذا يعني إن الشارع الأمريكي لم يعتبر حادث اعتقال جورج فلويد ووفاته قد كانت بدوافع عنصرية، وإلا لشاهدنا ردود الافعال على شكل اصطفافات عرقية وليس نهب المحلات.

فيما يخص الحادث، فتكنيك إستخدام الركبة على مؤخرة عنق المتهم هو من ضمن التعليمات والأساليب التي تتدرب عليها الشرطة الامريكية، وهذا “التكنيك” مستخدم بشكل شائع منذ زمن طويل، يلجأ له الشرطي “حسب التعاليم والتدريبات التي تلقاها” في حالة مقاومة المتهم لأوامر الاعتقال.
تسمى هذه الطريقة (Knee-On-Neck) وقد استخدمت في هذه المدينة وحدها حسب التقارير المكتوبة في مراكز الشرطة 237 مرة في السنين الخمس الاخيرة ضد متهمين بيض وسود، وقام بها شرطة بيض وسود كذلك.. وكان من نتائج ذلك ان 16% من المعتقلين بهذه الطريقة يفقدون الوعي وينقلون للمستشفى.

هي إذاً قضية “قوة مفرطة” وليست إعتداءاً عنصرياً.

بالعودة الى جورج فلويد فكل التقارير تؤكد ان المتهم كان تحت تأثير تعاطي جرعة من المخدرات في حينها، بالأضافة الى انه كان مصاباً بفايروس كورونا ويعاني من مشاكل بالجهاز التنفسي بالاساس. وبسبب حالته الصحية لم يتحمل اجراءات الاعتقال المفرطة بالقوة.

لكن الاعلام الأمريكي جعل منها قضية عنصرية، لماذا؟

بعيدا عن ذلك، نحن نعرف إن المؤسسات الاعلامية في امريكا، خصوصا كبرياتها، هي صوت رأس المال، وهي الوسيلة التي تستخدمها طبقة الأثرياء في التأثير على الشارع وتوجيهه بالشكل الذي يخدم مصالح تلك الطبقة..

نعم، من يلحظ الاحداث ما بعد وفاة فلويد لا يلمح أي إشارة لوجود تطرف عنصري في الشارع الأمريكي وانما هو اصطفاف طبقي، “جوع جماهيري” كامن، يخلفه الفارق الطبقي الكبير بين المليارديرات من جهة، وعموم الشعب، من بيض وسود، من جهة اخرى، ويحاول الاعلام الامريكي التغطية عليها ليصور الاحداث وكأنها “شغب عنصري”، وليس ردة فعل طبقية.

“الجوع الجماهيري” ذلك، تمثل في الهجوم على المحال التجارية الكبرى، نهب لبضائع الشركات المعروفة التي تجني مليارات الدولارات من المواطن الامريكي، الابيض والأسود على حد سواء. حتى إن من يدخل الى متجر كبير وينهب براحة ضمير بضاعة ما، يبدو وكأنه يسترد حاجة من حاجياته، مسروقه منه شخصيا وعادت اليه، قد يرميها بالشارع ولا يتركها لهم، تشفياً، وكمثال على ذلك الفيديو الذي انتشر لشاب نهب اموال من احد المصارف ثم صعد على سقف حافلة لينثر الاوراق النقدية بالهواء، فرحاً، ليتلقفها الآخرون وكأن السماء تمطر دولارات.

هذا يعني إن ما يجري في أمريكا اليوم هو ليس “شد عنصري” بين لونين من البشر، وانما “شد طبقي” بين اثرياء يمتلكون حصة الأسد من الثروة، وعموم الشعب، الذي لا يذوق طعمها سوى على صفحات المجلات نصف الخلاعية وبرامج الترفيه المرئية، ويعيش في احلام يعرف انها لن تتحقق.

وهذا “الجوع” النسبي، هو نوع من المشاعر الجماهيرية، تخلقها الهوة الطبقية، المستمرة بالاتساع، بين أثرياء المجتمع من جهة والعامة من جهة ثانية، وهي من أصعب وأهم أعراض أمراض الرأسمالية.
لذلك فما يجري في أمريكا اليوم ليس له علاقة بالعنصرية، كمحرك اساسي لأعمال الشغب، وانما هو حالة مرضية، او فايروس اقتصادي يصيب النظام الرأسمالي، يحاول المريض ان يتلافاه عن طريق عقار إسمه “العنصرية” (وأحياناً التدين) يعالج به بلا جدوى هذه الوعكة الصحية.

حسين القطبي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here