الفارس كريم مرزة الأسدي يترجل ويرتحل!

الفارس كريم مرزة الأسدي يترجل ويرتحل!
خالد جواد شبيل
افتقدته على مدى شهرين أو أكثر، فلم تظهر له قصيدة أو مقالة بحثية وهو الذي لا يكاد ينتهي من بحث حتى يبدأ بآخر ولا من قصيدة الا ويردفها بأخرى جديدة أو من خزينه الثر، فعللت النفس أن الرجل يعاني من ضعف في البصر، اعتذر أكثر من مرّة لقرّائه عن أخطأء طباعية كثرت لدية، غلبته بسبب ضعف بصر! وهكذا دخل روعي أن يكون بصره قد كفّ، فحزنت لما ساورني من ظن!
قبل يومين، قرأت في مدونة شقيقه الأستاذ سعيد مرزة نعياً مفاجئاً صادما، فقد غادرنا الشاعر الباحث كريم مرزة الأسدي في مغتربه الأمريكي إثر مرض عضال يوم 13/5..
عرفت الراحل كريم عباس مرزة طالباً سبقني في اعدادية النجف بسنة وارتبطت به برابطة المودة ولا اقول الصداقة، فكان بيننا سلام ووقفة قصيرة يتخللها حديث قصير عن الأحوال وشؤون الدراسة كلما التقينا في النجف في سوقها الكبير أو في شوارعها الهامة لاسيًما في شارع الصادق أو في المحافل الأدبية العامة وما أكثرها في النجف..
كان الراحل كريم مرزة دمث الأخلاق بشوش الوجه شغله الشاغل الدراسة والكتب، كان في الفرع العلمي وأكمل الدراسة الجامعية في البصرة قسم العلوم الطبيعية، ولكنه لا يعدم المنحى الأدبي الذي غرف منه وتشربه ككثير من أبناء المدينة الشاعرة! ثم ابتعثت الى الجزائر وتماما بعد رجوعي منها ابتعث هو الآخر الى الجزائر عام 1974، ثم تفرقنا وأبناء جيلنا أيدي سبأ في بلدان العالم هو في دمشق و الجزائر ثانية والمغرب وأنا أيضا في الجزائر ثانية ثم السويد.. وانتهى به الحال في الولايات المتحدة ولاية جورجيا حيث غادر دنيانا هذه.
وكان حيث يحل تلمس فيه نشاطه الأدبي والشعري، وكان أوج نشاطه في دمشق حيث طبع مؤلفاته وساهم بشكل فعال في المنتديات الأدبية وخاصة في ملتقيات الشعر..الذي برع فيه حيث عرف بمطولاته الشعرية التي تنم عن طول نفس وتمكن من أدوات الشعر وأسراره وشعره يحمل سمات المدرسة النجفية من جزالة وحسن سبك وجمال تصوير ونبرة خطابية تكسب الشعر حرارة وحماسة..وقد نال تكريماً في دمشق وطبع ثلاثة دواوين في مجلدين، وكان الشاعر كريم مرزة الأسدي شديد التأثر بالشاعر محمد مهدي الجواهري وربطته به صداقة وكانت قصيدته في رثائه من أبرز القصائد!
كانت بحوثه اللغوية تنصب على جانبين هامين هما: نشأة النحو ودراسته بشقيه البصري والكوفي مقارناً بين المدرستين وهي دراسات شيقة ميسرة باسلوب شيق سلس.. وكذلك دراساته في علم العروض والقافية، وهي الأخرى اتسمت بالتيسير والتعليل، مع أمثلة مما يسهل الوصول الى أسرار هذا العلم الهام للشعراء وغير الشعراء؛ وفي مجال الشعر ، فإن دراسته الهامة “شعر وشعراء” مطبوعة بثلاث مجلدات، وله أيضا دراسة هامة وشاملة عن شعراء الواحدة وهم الشعراء الذين قالوا قصيدة واحدة أو اشتهروا بقصيدة واحدة دون غيرها ورغم أن هذا الموضوع مطروق إلا أن دراسة الراحل كريم مرزة الأسدي هامة وشاملة..وبحوثه عن الشاعرين العبقريين دعبل الخزاعي وابن الرومي أعتبرهما من أهم الدراسات والمراجع عن الشاعرين..لما فيهما من دقة بحثية أفضت الى أحكام ونتائج متميزة..
وكتابه عن تاريخ نجف الحيرة ” تاريخ الحيرة والكوفة الاطوار المبكرة” اعتبره من أهم الدراسات عن حيرة المناذرة وقصري الخورنق والسدير وتاريخ النجف ومناحيها القديمة !
لقد كان الراحل موسوعي الثقافة ثرّ العطاء تقدميا مستنيراً في كل مجال خاض فيه! فقد كانت له مداخلات هامة وجريئة حتى في مناقشات التواصل كالبالتوك.. وكان لمداخلاته على بعض المقالات ومنها مقالات كاتب السطور أهمية كبيرة وكتاباته ومدوناته تعد مرجعاً معتبراً في كل مجال خاضه وكتب فيه..
لقد كان رحيله المبكر خسارة!
16/06- 2020

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here