هل يستثمر العراق التعاطف الشعبي لتقليم مخالب تركيا؟

هل يستثمر العراق التعاطف الشعبي لتقليم مخالب تركيا؟

محمد وذّاح

الإعتداءات التركية الحالية على الأراضي العراقية وإنتهاك السيادة بحجة مطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني (pkk) المعارض لنظام أنقرة، ليست بجديدة على العراق بل تمتد لسنوات ولعقودٍ مضت، حتى أن النظام التركي لديه اتفاق مبرم مع النظام العراقي السابق بمتلاكه الحق بالتوغل لاعماق الحدود المشتركة بين البلدين لمطاردة عناصر الحزب، ولكن الجديد في الموضوع أن هناك إدانة عراقية شاملة وجامعة هذه المرة؛ على المستوى الشعبي والحكومي ضد الاعتداء الأخيرة، والتي كنا نفتقدها في الاوقات السابقة.

فعلى مرّ سنوات النظام العراقي الجديد، ما بعد لحظة 9 نيسان 2003 حتى ما قبل إنطلاق العملية العسكرية (مخلب النمر) التي اطلقتها القوات التركية مؤخراً لأستهداف عناصر حزب العمال الكردستاني المتحصّنين في جبال كردستان، كانت المواقف العراقية غير موحدة، ما بين إدانة حكومية خجولة وغير جدّية ومجدية وما بين تواطئ سلطات الاقليم مع الاعتداءات التركية، وسكوت وسكون شعبي عراقي بسبب المصائب المتعاقبة والمتلاحقة؛ أمنية وإجتماعية وإقتصادية وآخرها وليس أخيرها لا قدر الله، أزمة فايروس كورونا الصحية، والتي جعلت العراقي يدور على نفسه من هول تلك النوائب.

تدويل القضية

عدم إكتراث الحكومة التركية لموقف بغداد الرافض للاعتداءات وانتهاك سيادته، وكذلك ما أعلنته الجامعة العربية من رفض للهجمات التركية، التي عدتها انتهاك صارح واعتداء واضح على سيادة ارض عربية، دفع وزارة الخارجية الاتحادية الى استدعاء السفير التركي في بغداد، فاتح يلدز، لمرتين بظرف 72 ساعة، وسلمته مُذكّرة احتجاج شديدة اللهجة، داعية إلى الكفّ عن مثل هذه الأفعال الاستفزازيّة والخروقات المرفوضة .

ولم تتوقف بغداد عند هذا الحد، بل هدّدت بالشكوى لمجلس الأمن الدولي لتسوية الامور والخروج من الأجواء المتوترة باقل الخسائر للطرفين، في حال عدم استجابة الطرف التركي لرغبة الحكومة العراقية، فمن الملاحظ ان العراق لا يريد الدخول بحرب جديدة تفتح الباب عليه في ظل ما يعانيه من تدهور داخلي يتمثل في نقص الخدمات وقلة فرص العمل وتدهور الأوضاع الاقتصادية.

رد عسكري

تهديد بغداد بتدويل القضية، لم يثني تركيا أن تخرج ببيان شبه المنتصر وتحقيق النتائج المرجوة، عبر وزير خارجيتها خلوصي أكار، اليوم السبت، بإن عملية “مخلب النمر” حققت قصفت أكثر من 700 هدف لمنظمة “بي كا كا”، منذ انطلاقها شمالي العراق، الأمر الذي دفع قوى عراقية عن استغرابها من صمت رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، تجاه العناد التركي على الإعتداءات.

فحركة النجباء أصدرت بيانا مطولاً أدانت فيه الضربات التركية مطالبة القائد العام للقوات المسلحة اتخاذ إجراءاتٍ رادعةٍ ضدَ قواتِ الاحتلالِ التركي بما يَضمَنُ حفظَ الأرضِ العراقيةِ

إلى ذلك، أكد الامين العام لعصائب اهل الحق، الشيخ قيس الخزعلي، في تغريدة على تويتر، “ندين بشدة الإعتداءات على السيادة العراقية وخصوصاً الإنزال التركي الأخير في كردستان العراق والذي يمثل إستهتار وإستخفافاً بالسيادة العراقية”، مضيفا : “يجب على الحكومة العراقية وحكومة كردستان أن يكون موقفهما متناسباً مع حدث إنتهاك السيادة”.

بالمقابل، اقترح المتحدث بأسم تحالف الفتح ورئيس كتلة السند، أحمد الأسدي، على رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، إدارة ملف المعارضة التركية في شمال العراق من أجل حماية السيادة العراقية من الانتهاك وترتيب العلاقة بين العراق وتركيا، خاصة وإنه كان يرأس جهاز المخابرات العراقية ما يعني لديه ألمام كامل بشأن قضية حزب العمال وانطلاقه لشن عمليات عسكرية تجاه تركيا.

ويرى البعض بأن ضعف الموقف العراقي “الرسمي” أعطى الضوء الأخضر لحكومة انقرة بان تخطوا هذه الخطوة وتشن عمليات عسكرية في شمال البلاد حرصا منها على تصفية حساباتها مع حزب العمال الذي يعد من اهم مصادر القلق لديها.

تظاهرات كردية وإدانة حكومية

ودفعت الاتهامات التي وجهاتها قوى سياسية عراقية الى السلطات في كردستان- خاصة حزب آل البارزاني المسيطر على قرار الاقليم، بالتواطئ مع تركيا في شن هجمات ضد حزب العمال من أجل كسب المعركة لصالحه بفرض سيطرته على قضاء سنجار حيث معقل الكثير من مقاتلي (pkk)- الى إصدار حكومة الاقليم عبر المتحدث بأسمها جوتيار عادل، بيانا تدين فيه تلك الهجمات وتطالب فيه مقاتلي العمال الكردستاني الى مغادرة أراضي الإقليم وأن لا يخلق توترات في المناطق الحدودية.

وطالب المتحدث باسم الحكومة، الجمهورية التركية، بـ”احترام سيادة أراضينا ووطنا”، مبينا أن “حكومة إقليم كردستان تحرص على إقامة علاقات ودية مع الدول المجاورة، فإنها ترفض أن تكون أراضي إقليم كوردستان منطلقاً لمهاجمة أي دولة”.

وعلى مستوى سكان الاقليم، فقد خرجت تظاهرات شعبية في عدد من مدن كردستان العراق، حتجاجاً على القصف التركي والايراني للأراضي العراقية.

ففي مدينة السليمانية، حيث معقل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، خرجت مسيرة انطلقت من شارع سالم وسط مدينة السليمانية، احتجاجاً على قصف المناطق الحدودية في إقليم كردستان العراق، من قبل تركيا وإيران، وردد المحتجون هتافات تندد بالقصف التركي والايراني داخل الأراضي العراقية.

وفي مدينة دهوك، التي تنقسم النفوذ بين الحزبين الكرديين الكبيرين، كان لها النصيب الأكبر من القصف التركي وتسبب بمقتل اربعة مدنيين، حيث خرج المئات من اهالي ناحية “شيلادزي” شمالي محافظة دهوك، اليوم السبت (20 حزيران 20 20) بتظاهرة منددة بالقصف الجوي التركي الذي استهدف الناحية وسقط على اثرها عدد من الضحايا، بالمقابل لم يخرج سكان مدينة اربيل- عاصمة الاقليم ومعقل الحزب الديمقراطي الكردستاني- في أي تظاهر لتنديد بالقصف التركي.

المراقب للمشهد السياسي في اقليم كردستان، يرى بأن هذه تظاهرات لا تأتي منسجمة مع توجهات الاحزاب والقوى الكردية المسيطرة على مقدرات الاقليم وقراره السياسي والذي غالبا ما يكون شبه راضٍ عن الهجمات التي تشنها تركيا على حزب العمال الكردستاني.

ضغط اقتصادي وتدخل عسكري

من الواضح أن الاعتداءات التركية على الاراضي العراقية لن تتوقف، فبعد انطلاق العمليات العسكرية (مخلب النسر الأولى) و(مخلب النمر الثانية) قد تطلق تركيا (صفعة الدب) مستقبلاً، مع استمرار الرد العراقي الخجول والذي لم يكن بحجم الإهانة التي تعرض لها البلد، فالعراق اذا أراد الضغط على الجانب التركي لديه الكثير من الادوات ولعل أهمها وأكثرها نجاحا هو الاستفادة من الجانب الاقتصادي وحجم التبادل التجاري بين البلدين الذي يصل الى اثنى عشر مليار دولار سنويا من خلال استثمار التعاطف الشعبي العراقي بمقطعة ومنع استيراد البضائع التركية.

كما يمكن للحكومة العراقية، إذا ما ارادت منع استخدام اراضيها لشن هجمات على الدول المجاورة والذي يحظره الدستور العراقي، وقطع الطريق على انقرة لاستغلال ملف حزب العمال الكردستاني لانتهاك السيادة العراقية المتكرر، فأن الحل الأنسب لمثل هذه الإشكاليات هو تولي الجيش العراقي ومن خلال التعاون مع قوات البيشمرگة للقيام بضبط الحدود بين البلدين ومنع أي خرق قد يقوم به طرفي النزاع.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here