خليفة حفتر….هل أضاع البوصلة؟

خليفة حفتر….هل أضاع البوصلة؟

ساهر عريبي
[email protected]

كان يوصف وحتى الأمس القريب برجل ليبيا القوي! يحرز الانتصارات العسكرية على الجماعات المسلحة في الشرق الليبي, يتقدم نحو معاقل حكومة الوفاق المعترف بها دوليا, في منطقة الهلال النفطي وفي سرت وفي الجنوب الليبي, لتقف قواته على تخوم العاصمة طرابلس معلنا بدء معركة تحريرها في نيسان من العام الماضي

خيّل للكثير من المراقبين داخل ليبيا وخارجها, أن طرابلس توشك أن تقع في قبضته كما وقعت من قبلها درنه بعد حصار دام لعدة شهور.
نجح في السيطرة على ترهونة وأجزاء من العاصمة, وكانت قاعدة الوطية الجوية في قبضته, لكن الرياح جرت على عكس ما تشتهي سفن حفتر!

فقد تحول بين ليلة وضحاها من قائد عسكري كان قاب قوسين أو أدنى من أن ينصب نفسه حاكما مطلقا لليبيا, وموحدا لها كما فعل بسمارك في ألمانيا, يطمح لأن ينهي انقساما لم تشهد له البلاد مثيلا من قبل, حكومة في الغرب الليبي معترف بها دوليا بقيادة فائز السراج ومقرها طرابلس, وأخرى في الشرق بقيادة عبدالله الثني, مع انقسام في المؤسسة العسكرية والنفطية وحتى في المصرف المركزي, مؤسسات منشطرة نصفين, لكنه تحول إلى قائد مهزوم يبحث في القاهرة عن طوق نجاة من هزيمة قاسية تنتظره في سرت ولربما في الهلال النفطي بل وحتى في معقله الرجمة في الشرق الليبي؟

فمالذي حصل؟ ومالذي قلب الأمور رأسا على عقب في وجه المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي كما يحلو لأنصاره تسميته أو اللواء المتقاعد قائد ميليشيا الكرامة كما يصفه خصومه؟ نسج حفتر شبكة من العلاقات الإقليمية والدولية المتناقضة! أراد ان يجمع النقائض ناسيا بان النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان! أدار المعركة السياسية بعقلية العسكر فأفل نجمه سريعا قبل أن يبزغ في كل سماء ليبيا.

لعب حفتر داخليا على وتر محاربة الجماعات المتطرفة, في وقت أصبحت فيه هذا الجماعات متهمة بالإرهاب عالميا واقليميا, فحاربها وقضى عليها في بنغازي وفي درنه, لكنه وفي ذات الوقت استعانة بجماعة سلفية تدعى المدخلية لتحارب معه ضد جماعات إسلامية أخرى!

محاربة ”الإرهاب“ كانت قاسما مشتركا جمع حفتر بعدد من الدول الإقليمية! وأولها مصر. فمصر التي صنفت جماعة الأخوان المسلمين كجماعة إرهابية منذ الانقلاب الذي قاده الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ضد رئيس مصر المنتخب الراحل محمد مرسي, اعتبرت ان القوى الحاكمة في طرابلس امتدادا لجماعة الأخوان وكذلك القوى التي كانت تسيطر على مدينة درنة القريبة من الحدود المصري.

وجدت القاهرة في معركة حفتر ضد هذه القوى, استمرار لمعركتها لتصفية تنظيم الأخوان, فكانت حليفا وداعما لحفتر وللشرق الليبي. وبعيدا عن ليبيا وعلى ضفاف الخليج, تقود دولة الإمارات حربا شعواء ضروس ضد الأخوان داخل البلاد وخارجها, ففي الداخل اعتقلت ما يعرف بمجموعة 94, وتشمل قائمة المتهمين قضاة وأكاديميين ومحامين وزعماء طلابيين، متهمة بالقرب من جماعة الأخوان.

واما خارجيا فالإمارات حليف للسيسي , بل وصل عداؤها للاخوان إلى حد مد الجسور مع نظام الرئيس بشار الأسد نكاية بالمعارضة السورية التي يمثل الأخوان وتفرعاتهم عمودها الفقري المدعوم من الغريم التركي.

فكان حفتر خيار الإمارات في هذه المعركة في المغرب العربي , فتحت له مصاريع المساعدات المالية والعسكرية التي مكنته من تحقيق انتصارات, ماكان ليهدأ بال محمد بن زايد حاكم الإمارات إلا بتتويجها بسيطرة حفتر على طرابلس ومن بعدها مصراته معقل اسلاميين الذي يمد حكومة الوفاق في طرابلس بالرجال.

ألقت الإمارات ومصر و (السعودية) من طرف خفي بثقلها خلف معركة حفتر للسيطرة على طرابلس, كي تمهد الطريق لإضعاف الأخوان في المغرب العربي بدأ من تونس. كان أحد الأهداف بالإضافة إلى استهداف الأخوان هو تعويض هذا التحالف لخسائره المتتالية في شرق قناة السويس.

فهذا المحور لم ينجح في حسم الحرب في اليمن لصالحه رغم مرور أكثر من خمس سنوات عليها, ولم ينجح في تركيع قطر عبر حصارها , وهي التي قلبت المعادلة عليه بتحالفها مع تركيا وبتقاربها مع إيران وبتجاوزها للحصار. كما خسر هذا التحالف المعركة مع إيران مع إحجام ادارة اميركية عن شن حرب عليها كما كانت السعودية والإمارات تمني النفس. فولى هذا المحور وجهه صوب غربي قناة السويس ممنيا النفس بتعويض خسائره التي مني بها في شرقا. لكن الصراع الإقليمي المتداخل ضمن معادلات دولية قلب الطاولة رأسا على عقب وسأعود لذلك لاحقا.

دوليا وثق حفتر علاقته بفرنسا على حساب روما التي اعتبرها داعمة لغريمه فائز السراج. نجح حفتر في دق إسفين بين إيطاليا وفرنسا! وإلى الحد الذي توترت فيه العلاقات بين باريس وروما, فروما التي تعتبر ليبيا إرثا لها, لا تريد لأحد منافستها في الاستثمار في ثروات البلاد النفطية او في مشاريعها.

لكن فرنسا استغلت حالة الانقسام بين الشرق الليبي وغربه والأزمة الحكومية في إيطاليا , فوقفت خلف الشرق في مواجهة الغرب المدعوم من روما وأعلنت باريس عن مبادرة في خضم الأزمة الحكومية الإيطالية استضافت عبرها الفرقاء الليبيين وبضمنهم حفتر والسراج في العام الماضي. صراع مصالح وقفت الولايات المتحدة متفرجة فيه ولم تتدخل إلا بالقدر المتعلق بمحاربة التنظيمات التي تصفها ادارة ترمب بالإرهابية, لكن هذه إدارة أعلنت وبكل وضوع أن روما هي المخولة في إدارة الملف الليبي.

موقف أملته عدة عوامل اهمها ان ليبيا من مناطق تقاسم النفوذ الأوروبي وليس الأميركي, واما العامل الآخر فهو مكافئة ترمب للجماعات اليمنية الشعبوية التي جلست على سدة الحكم في روما.
وهكذا تمدد حفتر إلى سرت التي حررتها قوات ”أفريكوم“ الأمريكية من قبضة تنظيم الدولة(داعش) بمشاركة قوات تابعة لحكومة الوفاق . لكن حفتر دخلها فاتحا , ملحقا هزيمة بحكومة الوفاق دون أي معارضة من الولايات المتحدة الأميركية التي تعترف بحكومة الوفاق ممثلا شرعيا لليبيا! كان السكوت الأميركي شعرة معاوية التي لم ترد قطعها مع حفتر الذي مكث في الولايات المتحدة ردحا من الزمن حتى نال جنسيتها وسط إدعاءات بقربه من الاستخبارات الأميركية .

واما اللاعب الدولي الأكبر في ليبيا والمستعمر السابق أي روما فلزمت الصمت لإن هاجس الإرهاب كان يقلقها أكثر من حفتر! وسط حديث عن دعم فرنسي عسكري حظي به حفر خلال معاركه التي انتصر فيها.

لكن حفتر لم يكتف بالدعم الإقليمي والفرنسي بل يمم وجه صوب موسكو! أراد إحياء العلاقات التي كانت تربط روسيا بنظام القذافي التي توثقت بعد نزاعه مع الولايات المتحدة. أصبح حفتر مرحبا به في البوارج الحربية الروسية الراسية في البحر المتوسط مستقبلا من مسؤولين روس من بينهم وزير الدفاع, فيما كانت تفرش له السجادة الحمراء في الكرملين.

تحرك أثار الريبة والقلق أوروبيا وأميركيا! جاء في خضم توتر للعلاقات مع موسكو بسبب أزمة أوكرانيا وفي ظل تصاعد الصراع في سوريا التي تدعم موسكو نظامها. فالإتيان بأسطول روسي او إقامة قاعدة عسكرية روسية في ليبيا قبالة السواحل الأوروبية امر مثير للقلق في ظل هذا الأجواء وخاصة بعد الغاء الإدارة الأمير كية لاتفاقية الصواريخ متوسطة المدى ولاتفاقية الجواء المفتوحة مع موسكو.

بقيت القوى الدولية مشلولة في ليبيا سواء فرنسا أو إيطاليا واما اللاعبين الإقليميين بالامارات والسعودية ومصر فهم لن يخرجوا عن الفلك الأميركي الذي يضبط إيقاعهم كلما انحرف مسارهم. فلا المستعمر السابق الداعم لحكومة الوفاق يرغب في الدخول في مواجهة مع حليف مدعوم من فرنسا وروسيا, ولا فرنسا هي الأخرى تريد الدخول في مواجهة مع إيطاليا العضو في الاتحاد الأوروبي التي تسعى باريس للحفاظ عليه, كبرلين التي عقدت مؤتمرا خرج بمقررات ترضي روما وباريس, لكن الأطراف المتصارعة لم تلتزم به واهمها وقف إطلاق النار.

ولكسر الجمود وفي طل الحصار الذي عانته الوفاق, توجه رئيسها نحو أنقره في خطوة مدروسة قلبت المعادلات عندما وقع معها اتفاقا أمنيا وبحريا. اتفاق أتاح لتركيا أن تجد موطن قدم لها في ليبيا وسط صمت اوروبي ودعم خفي من إيطاليا. فتركيا العضو في حلف الناتو مقبولة أوروبيا و من بعض الأطراف الليبية وهي أكثر مقبولية لدى باقي الشعب الليبي قياسا بإيطاليا وفرنسا.

دخل حفتر في لعبة المحاور! فعندما تضع نفسك في محور معادي للإسلاميين فلا تتوقع ان يقف المحور المناصر لهم متفرجا! وعندما تستعين بروسيا فلا تتوقع أن تسكت عنك اوروبا او الولايات المتحدة!
قلبت تركيا المعادية مدفوعة بعوامل أيديولوجية وقومية ومصالح استراتيجية. فكانت الهزيمة المنكرة التي منيت بها قواته في طرابلس بعد مرور أكثر من عام من محاصرتها.

وبعد ان وقع الفأس في الرأس عاد حفتر إلى القاهرة طالبا العون فكان العرض المصري مدروسا! ستبقي في سرت ولكن إنس طرابلس! رد لم يروي ظمأ حفتر فهناك خارطة جديدة ترسم في ليبيا اليوم! فحكومة الوفاق التي كان يسميها حفتر ومناؤوها بحكومة الفرقاطة, لأن مقرها كان في البحر قبل عدة اعوام وبعد اتفاق الصخيرات! ربحت اليوم معركة العاصمة التي يقطنها اغلبية الشعب الليبي وأصبحت رقما صعبا في أي معادلة سياسية, فهي تحاصر مدينة سرت اليوم , و تتمتع بشرعية دولية.

وهكذا فشل حفتر في معركة طرابلس التي كان حسمها لصالحه يشكل بوابة لبسط نفوذه على كل التراب الليبي. قد تكون آخر معركة في حياته العسكرية والسياسية, فالهزيمة لها أب واحد كما يقال, وبات واضحا ان الشرق يحمله إياها وكما ظهر من المواقف الأخيرة لرئيس برلمان طبرق عقيلة صالح.

تاه حفتر في خضم تحالفاته الإقليمية والدولية في عالم يعج بالمتغيرات السياسية التي تستدعي إعادة قراءة المشهد السياسي دوليا وإقليميا باستمرار, موهبة يفتقر لها حفتر الذي يجيد قراءة المتغيرات على أرض المعركة وإلى الحد الذي ينسحب فيه من طرابلس ويترك مواقعه لمناوئيه, لكنه يضيع البوصلة في المعارك السياسية التي أسفرت قرائته الخاطئة لها عن إلحاق هزائم به قد تضع حدا لمشواره العسكري والسياسي!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here