لا أحد يعود إلى “سنجار” أرض الإبادة الأيزيدية!

سنجار من موطن التعايش الى أرض الابادة الايزيدية وساحة صراع القوى

فريق نينوى الاستقصائي

يقول خدر علي وهو يحاول منع نفسه من البكاء بينما ينظر باتجاه بقايا المدينة القديمة المدمرة :”بعد 70 حملة ابادة، نجحنا في مقاومتها جميعاً والبقاء هنا، اليوم نحن أقرب من أيّ وقت مضى للانكسار والضياع”.

على مقربة من مدخل مخيم النازحين في(شاريا) بإقليم كردستان العراق، تمكث الإيزيدية إخلاص نايف (38سنة) معظم ساعات النهار تراقب وجوه الداخلين، علها تعثر بينهم على زوجها وولديها الذين اختطفهم مقاتلو تنظيم داعش في مطلع آب/ أغسطس 2014 من منزلهم في سنجار، ونجت حينها هي مع طفلتها الرضيعة بأعجوبة.

طقسٌ اعتادته منذ أكثر من خمس سنوات، رافضةً الإقرار بأنهم قتلوا، ودليلها على هذا الأمل هو عدم العثور على رفاتهم في ثمانين مقبرة جماعية اكتشفت في سنجار خلال السنوات الثلاث الماضية.

تقول اخلاص ونظرها معلق بسماء المخيم الذي يضم آلاف الايزيديين النازحين، بينما كانت الشمس تميل للغروب: “أنا واثقة من أنهم أحياء في مكان ما بسوريا، وسيعودون ذات يوم، أنا أعرف بأن ذلك سيحدث”.

كانت إخلاص تزور منزل شقيقها في مجمع تل قصب عندما حرك تنظيم “داعش” آلة القتل في المنطقة مباغتاً السكان الذين هرعوا الى الجبال والصحراء ومنهم من قتل في الطريق أثناء الهروب.

حدثت التطورات بسرعة فلم تستطع اخلاص أن تنضم لزوجها وولديها الصغار رشو وبشار الذين كانوا في المنزل. فجرفتها موجة الفارين للاحتماء بالجبل وبعدها بأيام تسللت مع شقيقها وأسرته عبر سوريا إلى أقليم كردستان.

تنتظر إخلاص من يومها تحقق نبوءة قلبها وأن يلتحق بها زوجها وولداها لكي يعودوا جميعاً إلى مسكنهم في ناحية خانصور شمال غربي سنجار، “سأبقى بإنتظارهم… ماذا سأفعل هناك وحيدة مع ابنتي لو رجعت الآن؟ … ليس لدينا معيل ومنزلنا مهدم…”

مأساة الأيزيديين

قضاء سنجار أو كما تلفظ بالكردية (شنكَال) يتبع محافظة نينوى من الناحية الإدارية ويقع شمالي غربها، وهو من المناطق المتنازع عليها دستورياً بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية. يقسم سنجار جبل يحمل ذات الاسم إلى قسمين شمالي وجنوبي، وسكانه خليط من الأقلية الإيزيدية يتركز معظمهم في القسم الشمالي، وأيضاً ينتشرون في القسم الجنوبي بقرى ومجمعات تضمّ العرب السنة، فيما ينتشر في مركز المدينة الكرد المسلمون وغالبيتهم من السنة، الى جانب عوائل كردية شيعية وأخرى من المسيحيين والتركمان.

تذكر إحصائيات الأمم المتحدة، أن هجوم “داعش” على سنجار في الثالث من آب أغسطس 2014 تسبب بمقتل 1293 إيزيدياً وخطف 6417 شخصاً أكثر من نصفهم من النساء والأطفال. بينما نزح 360 ألفاً نحو إقليم كردستان.

ارتكبت فظائع بحق الأيزيديين، فقد تعرضت النساء الايزيديات للخطف وتم استعبادهن وبيعهن طوال سنوات في اسواق النخاسة، فيما تمّ الحاق مئات الأطفال بمعسكرات التدريب الخاصة بداعش، وعاش آخرون مع عوائل مقاتلي التنظيم بعد أن تم تغيير أسمائهم وتلقينهم تعاليم الدين الاسلامي.

تقول مراكز ثقافية ومدنية ايزيدية، أن أكثر من 120 الف ايزيدي، هاجروا في السنوات الأخيرة، عقب “عمليات الابادة الجماعية” التي تعرضوا لها، الى دول أوروبية أبرزها ألمانيا، أملاً في بدء حياة جديدة في ظل ترسخ قناعتهم باستحالة العودة الى مناطقهم التي تتنازعها عدة قوى محلية ووسط الدمار الذي لحق بها.

تبدو سنجار اليوم، وهي إحدى المدن التاريخية التي كانت محطاً للقوافل التجارية طوال قرون، شبه خالية من البشر، لا تجد أي أثر للحياة في أحياء كاملة، فيما يحيط السكون بالبيوت المغلقة الأبواب، بينما يطل الخراب وركام المنازل المبنية من الحجارة والطين في كل زوايا المدينة القديمة ومحيطها.

بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على تحريرها من قبضة “داعش”، مازال غالبية الايزيديين يرفضون العودة الى ما يعتبرونه أرضهم التاريخية.

انقسام إداري وصراع أمني

يقول نايف سيدو، مدير ناحية الشمال إن نحو 70 ألف نازحٍ من الايزيديين والعرب السنة، عادوا الى سنجار، بينهم 50 ألفاً عادوا إلى ناحية الشمال ومجمعاتها السكنية. ويرفض الباقون العودة الى المنطقة التي ارتبط اسمها بجرائم الابادة الجماعية لـ”داعش” والتي تحولت آلاف من منازلها خلال معارك “تحريرها” وما تلته من أحداث الى ركام، في ظل غياب جهود اعادة البناء.

يورد ايزيديون جملة أسباب تحول دون عودتهم الى منطقتهم، وعلى رأسها غياب الأمن وتداخل القوى والجماعات النافذة بسنجار وحجم الدمار وغياب الاعمار، كما يتفقون على أن أرضهم بمزاراتها الدينية باتت اليوم أكثر من أي وقت مضى مهددة بالضياع.

يقول خدر علي (55 عاماً) وهو يحاول منع نفسه من البكاء بينما ينظر باتجاه بقايا المدينة القديمة المدمرة وخلفها الجبل الذي يمتد غرباً مخترقاً البادية “بعد 70 فرماناً (حملة ابادة) نجحنا في مقاومتها جميعا والبقاء هنا، اليوم نحن اقرب من أي وقت مضى للانكسار والضياع”.

يوافقه الرأي زميله حسن محمد (50 عاما)، “الامر لا يتعلق بالايزيديين وحدهم، بل بكل أبناء سنجار، وبنهاية ذلك التعايش الفريد الذي استمر قروناً بين المسلمين والايزيديين والكرد والعرب، لكنه انهار خلال ساعات على يد مقاتلي التنظيم”، متسائلا “من يأمن اليوم أن لا يقوم جاره بغزوة جديدة”.

يتهم كثر من الايزيديين والكرد، جيرانهم من أبناء القرى العربية المحيطة لسنجار بمهاجمتهم أو بالتواطؤ مع “داعش” ضدهم والتخلي عنهم وعدم حمايتهم. فقبل وخلال اجتياح “داعش” تم الترويج بأن الأيزيدين كفار، ما اعتبر ذريعة لتهجيرهم وقتلهم وسبي نسائهم. شملت المرارة الأيزيدية بعض الأحزاب الكردية التي لم تهب لنجدتهم ووقف اجتياح “داعش” لمناطقهم.

ذيول تلك الانقسامات لا تزال ترخي بظلها الثقيل على واقع الأيزيديين بمحيطهم.

يقول خديدا عيدو، عضو مجلس محافظة نينوى المنحل، إن هاجس تدهور الأمن هو السبب الرئيس وراء عدم عودة إيزيديي سنجار، كون مناطقهم محاذية للحدود السورية ولا توجد سلطة للدولة في المناطق المقابلة (أي السورية)، إضافة الى عدم ثقتهم بالجهات الأمنية المتواجدة بسنجار وبمختلف مسمياتها.

يقول:”لسان حال الايزيديين، من تركنا لداعش مرة سيتركنا مئة مرة”. في اشارة الى الانسحاب السريع والمفاجئ لقوات البيشمركة الكردية، التي كانت تسيطر على قضاء سنجار في آب/أغسطس 2014 وبعد ساعات فقط من القتال المحدود، ليفرض “داعش” بعد ذلك سيطرته على عموم المنطقة ويرتكب عمليات القتل والخطف.

ويرسم خديدا بنبرة متشائمة صورة للمشهد القائم في سنجار، إذ يصف الجانب الأمني الداخلي بالفوضوي، لتعدد مصادر القرار بوجود قوات تابعة للشرطة والجيش العراقيين، إلى جانب وجود مقاتلي فصائل الحشد الشعبي الشيعي التي تمسك الأرض في مدينة سنجار وجنوبها. في المقابل هناك انتشار مقاتلي حزب العمال الكردستاني (pkk) وقوة إيزيدية يقودها “حيدر ششو” تحسب على اقليم كردستان في جبل سنجار وبعض المناطق القريبة منه، فيما تنتشر البيشمركة الكردية مع مجاميع مسلحة أخرى في شمالي سنجار.

أدى ذلك الواقع الأمني وتعدد مصادر القرار، الى نشوء سلطتين إداريتين، الأولى يرأسها فهد حامد، قائممقام معيّن من قبل الحكومة الاتحادية، ويشمل نفوذه مركز القضاء وجنوبه، وآخر وهو محمد خليل، وهو نائب سابق معينّ من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني، ويرتكز نفوذه على المنطقة الشمالية لسنجار.

وبحسب خديدا، فإن هذا الانقسام والصراع الإداري، يمثلان المشكلة الأكبر التي تواجه مستقبل المنطقة برمتها، “فلا أحد يعرف متى ستنفجر الأوضاع ويحدث صدام عسكري بين المتخاصمين” على حد تعبيره.

الهجرة مجددا

الناشطة الايزيدية نادية مراد والناجية من محنة السبي والاختطاف والحائزة على جائزة نوبل للسلام وسفيرة النوايا الحسنة في الأمم المتحدة، نبهت في أكثر من مرة الى مخاطر هذا النزاع، وعدته السبب الرئيسي في امتناع الايزيديين عن العودة أو حتى عدم رغبة من عاد منهم في البقاء. تكرر مراد في تصريحاتها بأن أبناء جلدتها يدفعون ضريبة التوتر وعدم الاستقرار.

تلك الاشارة الى رغبة من عاد الى سنجار، لتركها مجدداً، تعمقت في الأشهر الثلاثة الأخيرة مع ظهور فايروس “كورونا” وقطع الطرق بين المحافظات العراقية، ما ادى فعلياً الى انقطاع الايزيديين في سنجار عن عوائلهم النازحة لاقليم كردستان وفي ظل ذلك ارتفعت أسعار المواد الغذائية وتصاعدت نسب البطالة.

يقول حسن عمر، وهو ناشط ايزدي، ان العشرات من اقربائه في سنجار الذين عادوا اليها في العام الماضي يخططون للتوجه مجدداً الى اقليم كردستان: “أسعار المواد الغذائية ارتفعت بسبب قطع الطرق، والبطالة ازدادت والمعيشة هناك لم تعد محتملة”.

ويضيف: “الناس هناك فقراء جدا حتى مقارنة بمن يعيشون في مخيمات النزوح بإقليم كردستان، ومن يعودون الى بيوتهم يحرمون من المساعدات الغذائية التي توزع على المخيمات وهذه مشكلة كبيرة”.

ويسوق سلام غريب الباحث في شأن الأقليات أسباباً أخرى وراء إحجام غالبية النازحين الإيزيديين عن العودة، منها البنية التحتية في القضاء والتي دُمرت بالكامل خلال حرب التحرير من “داعش”، وعدم إنجاز الحكومتين المحلية والاتحادية أي مشروعٍ ذي نفع عام.

أما المشاريع الصغيرة، فيقول بأنها نفذت من قبل منظمات دولية بالشراكة مع منظمات محلية مرتبطة بأحزاب تسيرها حسب توجهاتها، لذا استأثرت مناطق دون غيرها بهذه المشاريع.

ويردف: “أما الملكية الخاصة من مساكن ومشاريع خاصة فهي مدمرة بنحو 80% ولم يتم تعويض أيٍ من السكان، بل لم تشكل الحكومة المركزية أية لجنة تعويضات خاصة بقضاء سنجار بسبب الخلاف القائم بينها وبين إقليم كردستان على إدارتها، مع أن هنالك لجان تعويضات في جميع الوحدات الإدارية التابعة لمحافظة نينوى”.

ويضيف سلام إلى ذلك ما أسماه ” تعدد مصادر القرار الايزيدي نفسه”، “أغلبية اﻻيزيديين (الشخصيات الادارية والسياسية) موزعون على أحزاب كردية، ومطالبهم مرتبطة بمصلحة الحزبين الكرديين الرئيسيين الديمقراطي والاتحاد الوطني. ويضعون ذلك فوق مصلحة المكون أو المنطقة”.

يقول (م.خ) وهو ناشط ايزيدي، أن الأمر يتعلق بجهة التمويل، ويوضح :”معظم الايزديين وبحكم سيطرة الحزبين الكرديين على مناطقهم، ارتبطت مصالهمم بالحزبين، وتم تعيين الآلاف منهم في قوات البيشمركة والعشرات في الجهاز الإداري، بعد 2014 ومع فقدان سيطرة القوى الكردية على مركز سنجار وجنوبها ظهر تمويل من الحشد الشعبي والحكومة الاتحادية، فيما آثر البعض الاقتراب من حزب العمال الكردستاني”.

ويضيف:”هذه الجهات المتقاطعة في مصالحها فرضت انقساماً في القرار الايزيدي، وهذا تعمق أكثر مع رحيل الأمير السابق للايزيدية في العراق والعالم تحسين بك، فتم اختيار أمير جديد في اقليم كردستان لم يعترف به جزء من ايزيديي سنجار، الذين اختاروا بدورهم لأنفسهم اميراً، فيما اختارت مجموعة أخرى تقيم في اوربا اميراً ثالثًا”.

باتت أحلامنا كوابيس

“لقد فرقوا بيننا الى الأبد صبيحة الهجوم على سنجار، خلال ساعات حولوا أحلامنا الى كوابيس.. كنا نسمع أصوات الطلقات النارية في طريق فرارنا الى الجبل.. تلك الطلقات قتلت والدي وثلاثة من أشقائي، وعلى وقعها اختطفت شقيقتي الصغرى وزوجة أخي… مازلت أعيش كوابيس ذلك لغاية الآن”.

هكذا يختصر الياس خدر (36 سنة) من أهالي مدينة سنجار ما جرى لأسرته، مستبعداً العودة إلى هناك مجدداً، لأنه ومثله إيزيديون كثر يعتقدون بأن سنجار لم تعد قابلة للعيش. صعوبة العودة ليس مردها الدمار الذي حلّ وانعدام الخدمات وحسب، وإنما لخوف السكان من تكرار تجربة المأساة التي وقعت عليهم، وفقدان ثقتهم بأي جهة تحمل السلاح.

في جبل سنجار، حيث مخيم “زردشت” الذي يضم آلاف الايزيديين والذي يسيطر عليه فعلياً مجموعة موالية لحزب العمال الكردستاني، كانت زوجة “قاسم” منشغلة باعداد الخبز باستخدام تنور الحطب وحولها يلعب ثلاثة من أطفالها بثياب رثة. هناك الكهرباء محدودة جداً كما الوقود والمساعدات شحيحة.

يقول قاسم، إنه وعد نحو عام من النزوح إلى إقليم كردستان مع اثنين من أشقائه وآخرين من أفراد العائلة، رحل والده قبل أن يحقق حلمه بالعودة الى سنجار، “كان ألم خطف احدى شقيقاتنا وأحد اشقائنا مع أبنائه، أكبر من ان يحتمله، لذلك نحن هنا، نتحمل كل شيء لنكون قريبين من أرضنا”.

في جنوب سنجار، حيث يسيطر الحشد الشعبي ويتواجد الجيش الاتحادي، يرفض (ع.ق) وهو كردي مسلم، العودة الى قريته “قابوسي” يقول:”لايمكن أن تعود وتؤسس لحياة جديدة، بعد أن فقدنا كل شيء هناك.. في الاقليم يعمل أحد أبنائي ضمن قوات

البيشمركة وآخرون يعملون في قطاع البناء.. نعم حياتهم صعبة جداً خاصة مع انتشار “كورونا” وانقطاع الرواتب، لكنهم غير مهددين أمنياً”.

ويضيف:”في قرية قابوسي الأمور مستقرة امنياً ايضاً، لكن من يأمن ان لا يجدد تنظيم “داعش” هجومه على القرية التي تحيطها قرى عربية وبلدات كانت تعد طوال سنوات معاقل لداعش.. يقال انهم ينظمون صفوفهم في البادية التي تمتد الى سوريا.. هذا أمر خطير!”.

وبعد الأشهر والسنوات لا تزال مشاعر الريبة والحذر غالبة، :”ليس الايزيديون وحدهم فقدوا الأمل بالعودة، 90% من المسلمين لم يعودوا الى سنجار. مركز القضاء كان يضم عشرات آلاف المسلمين، لم يعد منهم إلا بضعة عوائل، فالكل يخاف من الكل في ظل غياب مبادرات المصالحة المجتمعية، حين تحررت سنجار قامت مجموعات ايزيدية بحرق بيوت لكرد مسلمين من التي لم تدمر خلال المعارك، رغم انهم كانوا أيضا ضحايا، وحصلت عمليات قتل وانتقام أثارت الرعب”، يقول (ع.ق).

ذلك الواقع هو ما يجعل حلم معظم السنجاريين وخاصة الايزيديين منهم يتمثل بالهجرة إلى خارج البلاد. من هؤلاء الطامحين بالهجرة، سلام، الذي يعمل كسائق سيارة أجرة ويعيش مع جدته وشقيقه الأصغر في مخيم “جم مشكو” بالقرب من مدينة زاخو على الحدود التركية.

سلام يتطلع للسفر إلى أوروبا عبر تركيا عبر نفس رحلات التهريب غير الشرعية والخطرة والتي أدت الى موت عشرات الإيزيديين في السنوات الأخيرة، “لا مستقبل لي ولا لمن بقي من أسرتي، هنا.. لم يبق لنا شيء في بلدتنا لنعود إليه”.

ميسر الأداني عضو مكتب إنقاذ المختطفين، يستعرض أسباباً عديدة وراء عدم رغبة النازحين الإيزيديين بالعودة إلى سنجار: “الشعور سائد بينهم أن الاعتداء مازال قائماً عليهم، بوجود 2800 مختطفاً ومختطفة مجهولة مصائرهم، وفي ظل مدينة مدمرة تعيش تحت وطأة قانون السلاح”.

يضيف الأداني أسباب أخرى حددها بغياب أي دور للمرجعية الإيزيدية في تشجيع النازحين على العودة، وانقسام الساسة الايزيديين في الولاء بين أقليم كردستان وحكومة المركز في بغداد، واندماج النازحين في المجتمع المضيف وتحسن أوضاعهم الاقتصادية نسبياً فيها مقارنة بمن يعيش في سنجار.

مطالبة بتدخل أممي

ويحدد حسو هورمي، رئيس المؤسسة الايزيدية الدولية لمناهضة الابادة الجماعية، مرحلتين لعودة النازحين الايزيدين الى مناطقهم التي هجروا منها. يشترط في الأولى إيجاد استقرار في منطقة سنجار من خلال الإسراع في عقد مصالحة إيزيدية – إيزيدية حقيقية تتعدى مجرد الشكليات، وإنهاء حالة الانقسام في رؤية المجتمع الايزيدي، وتتبعها خطوات أخرى لضمان التعايش مع بقية المكونات في المنطقة خصوصاً العربية والكردية.

ويعتقد هورمي بأن السلام المستدام لن يقوم في منطقة سنجار وسهل نينوى دون عدالة ومصالحة حقيقية ضمن أطر الشرعية الدولية المبنية على انصاف الضحايا واحترام حقوق الإنسان، تمهيداً لعودة أهالي تلك المناطق بضمانات دولية، كإصدار قرارات أممية تلزم الحكومة العراقية بحماية الأيزيديين، اعتبر أن عدم القيام بأي من ذلك، سيجعل الغالبية الساحقة من الإيزيديين متمسكين بخيار البقاء في مخيمات النزوح في اقليم كردستان، وتأجيل عودتهم سنجار إلى أمد غير معلوم. ويشترط هورمي للمرحلة الثانية فيما لو تحققت العودة، تفعيل عمل المؤسسات الحكومية ومنها الحكومة المحلية المنتخبة، ووضع حدّ للتدخلات الخارجية في سنجار متمثلة بوجود قوات حزب العمال الكردستاني pkk والحشد الشعبي، وتفعيل عملية إعادة الإعمار.

ورغم قلة العائدين، لكن هناك من لم يفقد الأمل. فالايزيدي الخمسيني مراد حسو، عاد مع أسرته قبل سنة إلى مدينة سنجار، بخلاف أشقاء وأقرباء له فضلوا البقاء في مخيمات النزوح. هو لم يستعد ثقته القديمة بالمكان ويعتقد على الدوام بأن شيئاً سيئاً سيحدث. لكنه مصر على البقاء “إنها مدينتنا، وسنبدأ فيها من جديد. لو تركناها جميعاً سيأتي آخرون ليأخذوا مكان آبائنا وأجدادنا”.

تغيير ديموغرافي

مع عدم استعداد مجموعات واسعة من النازحين الايزيديين في ظل تلك الأجواء، على العودة إلى سنجار، وقيام بعضهم ببيع عقاراتهم هناك، يدق ناشطون، ناقوس الخطر بشأن الوجود والمستقبل الايزيدي في القضاء، وتسارع جهات إلى إطلاق تحذيرات مما تصفه بتغيير ديموغرافي ممنهج يحصل هناك.

“المؤسسةُ الأيزيديةُ الدولية لمناهضةِ الإبادة الجماعية” اعتبرت أن منطقةَ سنجار تواجه حرباً خفيَّة تشارك فيها عدةُ أطرافٍ إقليمية، وناشدت الأممَ المتحدة والمنظماتِ المدنية وحكومتي بغداد واربيل “الوقوفَ بحزمٍ بوجهِ عملياتِ التغييرِ الديموغرافي التي تهدد مستقبلَ الآيزيديينَ في العراق، وتؤثر على العودةِ الآمنةِ للنازحين وعلى السلامِ الأهلي والتعايشِ السلمي على المدى البعيد”.

وفيما تلوذ الإدارات المحلية في قضاء سنجار ومرجعياتها في بغداد وأربيل بالصمت حيال هذه التحذيرات، يراجع المواطنون الايزيديون خياراتهم الصعبة تحت هاجس ماارتكبه “داعش” بهم قبل ست سنوات. يرفض البعض بيع عقاراتهم ويعدون التخلي عنها استكمالاً لمحاولات نزعهم من جذورهم، فيما لا يجد آخرون ضيراً من ذلك ماداموا قد فضلوا المضي بحياتهم في أماكن أخرى داخل العراق أو في أوروبا.

يقول النازح الايزيدي خليل سموقي:”النازحون مجبرون على بيع عقاراتهم هناك. هم لا يبيعونها من أجل أن يعيشوا برفاهية وإنما لأنهم بأمس الحاجة إلى ما يمكنهم وأسرهم من العيش دون أن يمدوا أيديهم لطلب المعونة من جهات تحاول باستمرار استغلال معاناتهم”.

سموقي يقر أن تطلعاتهم بالعودة تزداد صعوبة يوماً بعد آخر، وان اضطرار أعداد متزايدة من الايزيديين لبيع أراضيهم ومنازلهم اليوم للهجرة او لبناء منزل بسيط في كردستان، سيعني خلال سنوات “تلاشي حلم العودة الى الأبد”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here