تركيا و ايران و التغلغل في الدول العربية

تركيا و ايران و التغلغل في الدول العربية

كان التدخل الأيراني في البلدان العربية قد سبق ذلك التدخل التركي في العصر الحديث والذي سوف يأتي لاحقآ حيث كانت ايران في عهد ( الشاه ) تحسب على انها الشرطي المكلف بحماية الخليج العربي و دوله و ان كانت على انسجام و وفاق مع تلك الدول عدا العراق الذي كان قلقآ من الطموح الأيراني المتزايد لاسيما و ان الحدود بين البلدين طويلة و تمتد لمئات من الكيلومترات و كانت هناك الثورة الكردية و التي كانت القيادة الأيرانية ( عهد الشاه ) تمدها بكل اسباب البقاء و الديمومة من امدادات السلاح و الأعتدة الى استقبال الجرحى و المصابين في المستشفيات الأيرانية و لم يكن لدى الحكومة العراقية آنذاك من شك في ان الأتفاق مع ايران و بالأخص في المسائل الحدودية سوف ينهي الثورة الكردية و هكذا كان .

لم تكن الثورة الأيرانية و التي اسقطت حكم الشاه قد تخلت عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية لا بل قد فاقت ذلك الذي مضى بمرات عديدة و منذ اليوم الأول لأنتصار الثورة رفع شعار ( تصدير الثورة ) الى الضفة الأخرى من الخليج العربي و بالتحديد حيث كانت دول الخليج العربي ومن ضمنها العراق في عين العاصفة الأيرانية المتصاعدة و لم تكن الحرب العراقية – الأيرانية سوى احدى ارهاصات ذلك التهديد بتصدير الثورة و القلق الكبير الذي اصاب حكومات تلك الدول خصوصآ و ان ( الوتر الحساس ) و الذي دأبت القيادة الأيرانية الجديدة ( العزف ) عليه هو الأضطهاد الطائفي و المقصود هو الطائفة الشيعية و التي لم تكن تعاني من الأضطهاد و التفرقة و القمع الشيئ الكثير سوى في السعودية .

شهدت الأعوام التي اعقبت حرب الخليج الثانية و اخراج القوات العراقية من الكويت تزايدآ ملحوظآ في الأنشطة الأيرانية في دول المنطقة و التي تعدت دول الخليج العربي الى لبنان و سوريا و لاحقآ اليمن و كان العراق المحتل من قبل القوات الأمريكية قد قدم و على طبق من ( الماس ) الى ايران التي وجد الحرس الثوري فيها و بالتحديد ( فيلق القدس ) و قائده ( الجنرال سليماني ) نفسه في القصر الحكومي العراقي في بغداد دون عناء و مشاق المعارك و الحروب يأمر و ينهي و يرسم السياسات و يشكل الوزارات و سقط اخرى حتى صارت الدولة العراقية بكل امكانياتها و ثرواتها و مواردها تحت تصرف و مشيئة ( المرشد الأعلى ) الأيراني .

لقد كان للتدخل الأيراني في العديد من الدول العربية صور عديدة و مختلفة فقد كانت الساحة اللبنانية المرتكز الأساسي للنفوذ الأيراني في المنطقة و كان ( حزب الله ) اللبناني و الذي لا يخفي تبعيته الى ( ولاية الفقيه ) هو المهيمن على مفاصل الدولة اللبنانية بقوة السلاح الذي يمتلكه و جاءت الحرب الأهلية السورية و كان التدخل الأيراني المباشر في هذه الحرب الى جانب الحكومة السورية و ذلك بالدعم العسكري المباشر بالمستشارين و المقاتلين و بالأمدادات العسكرية و التموينية و كان هناك التدخل الأكثر وضوحآ في دعم التمرد ( الحوثي ) في اليمن و اسناده بالأسلحة و الأعتدة و الخبرات .

بعد ان ادرك اليأس الدولة التركية من الأنضمام الى الأتحاد الأوربي و بعد ان سيطر ( الأخوان المسلمين ) على الحكم في هذا البلد استدار القادة الجدد نحو الدول العربية و كانت ( سوريا ) البوابة الرئيسية للدخول و التدخل و كانت الحرب الأهلية السورية قد استقدمت و سهلت حكومة الأخوان المسلمين التركية ( اردوغان ) قدوم المجموعات الأرهابية من كل انحاء العالم و قدمت كافة التسهيلات و الدعم لتلك المجاميع و ساعدتها في العبور الى داخل العمق السوري بعد ان زودتها بالتسليح و التدريب و التمويل و الزج بها في أتون الحرب التي سوف تنهي الحكم السوري و تأتي بالبديل الموالي لتركيا و الذي سوف يشارك في القضاء على ( حزب العمال الكردستاني ) الخصم العنيد و اللدود لأنقرة هكذا كان في مخيلة حكومة ( الأخوان المسلمين ) التركية .

لم يسقط الحكم السوري و كان هناك ترتيب جديد يعد له في سوريا و صارت هذه المجاميع الأرهابية التي دخلت سوريا من البوابة التركية و بتسهيلات تركية عبئآ و خطرآ على الأمن التركي و صار لابد من التخلص من هذه الالاف من المتطرفين و ابادتهم و لم يكن ذلك بالأمكان الا من خلال ساحة حرب جديدة تستوعب المزيد من المقاتلين الى تلك المحرقة فكانت الخطة التركية في دعم ( حكومة الوفاق الليبية ) الموالية لتركيا بالمقاتلين و التخلص منهم و ابعادهم عن الحدود التركية و هكذا تدور الحرب في ليبيا بين ابناء الشعب الليبي و بتحريض و تدخل مباشر عسكري تركي مدعومآ بعشرات الالاف من الأرهابيين القادمين من سوريا .

لا يمكن لمثل هذه الأنظمة ان كانت في تركيا او ايران ان تجد الحلول للمشاكل السياسية و الأقتصادية و الأجتماعية في الداخل الا عبر تصديرتلك المشاكل و الأزمات الى خارج الحدود و تأتي على شكل تدخل فظ و سافر في الشؤون الداخلية للدول المستهدفة و كما كان الدعم المالي و العسكري الأيراني للفصائل التي تعتبرها ايران موالية لها في العديد من الدول العربية الى التدخل العسكري المباشر في دول اخرى و كذلك الحال مع تركيا و التي كانت الممر الرئيسي الذي تدفق عبره الالاف من المقاتلين بأتجاه الأراضي السورية و تأجيج الحرب فيها و حين قاربت تلك الحرب على النهاية قامت حكومة الأخوان المسلمين التركية بنقل الالاف منهم للأشتراك في القتال في ( ليبيا ) و هي بهذا العمل تضرب عدة عصافير بحجر واحد اضافة الى دعم حكومة الوفاق الموالية لتركيا و كذلك التخلص من هؤلاء المقاتلين الخطرين و ايجاد موطئ قدم في الأراضي الليبية الغنية بالثروات و الموارد النفطية و كأن قدر الدول العربية العاثر ان تقع بين فكي تركيا و ايران .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here