هيئة علماء المسلمين في العراق: رسالة مفتوحة في الذكرى المئوية لثورة العشرين المجيدة

أصدرت الأمانة العامة في هيئة علماء المسلمين في العراق؛ رسالة مفتوحة في الذكرى المئوية لثورة العشرين المجيدة، وفيما يلي نص الرسالة:

نحتفل اليوم ويحتفل معنا كل العراقيين الصادقين الأحرار بذكرى ثورة العشرين (ثورة العراق الكبرى) في ذكراها المئوية، ونستعيد معهم ذكريات التمسك الواعي بقيم الوحدة الوطنية ومعانيها التي عبرت عنها هذه الثورة في مرحلة مهمة من تاريخ العراق الحديث وصراعه مع الاحتلال البريطاني.

وتتوافق ذكرى الثورة هذا العام مع استمرار (ثورة تشرين) الشبابية ودخولها شهرها العاشر، على الرغم من كل المؤامرات والتحديات والصعاب والتخذيلات التي تعرضت لها؛ لتضيء بصمودها طريق العراقيين للخلاص من محتليهم جميعًا وأدواتهم وذيولهم: المقيم منها والطارئ.

إن ثورة العشرين المجيدة مازالت حافلة بالكثير من العبر والدروس والأفكار والوقائع التي ينبغي بحثها وإثارتها ونشرها، بعيدًا عن بعض الصور النمطية السائدة عنها، فقد كانت للثورة أبعادها التأريخية، والعسكرية، والسياسية، والفكرية، والاجتماعية، والثقافية في العراق وغيره؛ إذ لم تكن تأثيراتها مقتصرة على العراق والعراقيين كما اعتاد الدارسون ذكرها؛ بل تجاوزتها إلى بلدان المنطقة وغيرها؛ فقد كانت ثورة العشرين مرحلة فارقة في مطلع القرن العشرين لبعث الروح الوطنية في العراق ودفع كثير من أبناء البلاد الأخرى للاقتداء بها، وكيف لا يكون ذلك وقد شارك فيها بعض أبناء هذه البلاد وخاضوا عددًا من معاركها، كما هو معلوم من أحداث ومعارك شهري أيار وحزيران.

إن استذكار ثورة العشرين والاحتفال بها بعد مرور (100) عام على اندلاعها؛ لا يمكن أن يكون إلا من أبناء الثورة ومحبيها والسائرين على طريقها والمؤمنين بقيمها وأهدافها، ولا يكون كذلك بكلمات تتناقض مع الأفعال، أو بخطب للاستعراض الإعلامي فحسب؛ بل بالمضي في طريقها والسير على دربها؛ لأن هدفها كان إنقاذ الوطن وتطهير البلاد من رجس المحتل الغاشم؛ وليس المشاكسات السياسية لحصد المناصب وتضليل الشعب؛ والارتماء في حضن المحتلين، وتبرير وجودهم، ودعم مشاريعهم التي تمزق وحدة الوطن والتمكين لهم في البلاد.

ولأجل المبادئ والأهداف النبيلة لثورة العراق الكبرى؛ قُدمت الأرواح، وسالت الدماء، وهاجر أصحاب المبادئ والقيم مضطرين حفاظًا على دينهم ووطنيتهم؛ إلا أن كل هذه التضحيات كانت مجدية ونافعة؛ فقد استطاع العراقيون في ثورتهم الكبرى تجاوز حسابات المواقف والهويات الفرعية، والوقوف بوجه المخطط (الاستعماري) الخطير الساعي للسيطرة على البلاد؛ وسيفعلون هذا في واقعهم اليوم ويغيرون حالهم إلى أفضل حال، ويكملون مسيرة ثورة العشرين بثورة تشرين التي قدم شبابها أرواحهم ودماءهم الزكية في سوح الحرية في بغداد والمحافظات لأجل سيادة العراق واستقلاله.

لقد أيقن شباب الثورة اليوم أن استعادة سيادة العراق وإنهاء أزماته المتوالدة لن يكون بما يُدعى إصلاح النظام السياسي القائم، وإنما بالتغيير الجذري للعملية السياسية التي فرضها المحتل منذ عام (2003م) على أسس طائفية وعرقية وحزبية ضيقة، أضحت بمرور الوقت ضمانةً لسيطرة المجموعات التي جاءت معه على جميع مفاصل الدولة، وجعلها المتحكم بالعراق ومصيره بعيدًا عن مصالحه ومصالح شعبه الحقيقية، في سعي محموم منها لتحويله إلى بلد بلا هوية وطنية جامعة.

إن ثقتنا بعون الله وتوفيقه عظيمة، وأملنا بسواعد شباب (ثورة تشرين) كبيرة، وفخر العراق والعراقيين بهم عظيم؛ لما قدموه و يقدمونه من أجل إزالة الظلم والجور الذي تمارسه أحزاب السلطة الحاكمة منذ (17) عامًا، وبناء نظام سياسي لدولة حديثة على أسسٍ صحيحةٍ وسليمةٍ جامعةٍ لكل العراقيين، مقتدين بثورة العشرين، وفاتحين -بعون الله- آفاق التغيير لغيرهم من خلال رؤية عامة تتجاوز الانتماءات القومية والطائفية والمناطقية.

بارك الله في سواعد أبناء ثورة العشرين، ووفق شباب ثورة تشرين؛ لإكمال مسيرتهم نحو عراق حر ومستقل وكريم.

الأمانة العامة
هيئة علماء المسلمين في العراق

9/ذو القعدة/1441هـ

30/6/2020م

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here