أن الاسلام أول من دعى لتحرير العبيد من الرق والظلم.

أن الاسلام أول من دعى لتحرير العبيد من الرق والظلم. اذ انتهج القران الكريم اسلوبا اصلاحيا بعيدا عن الثورات الممزقة لنسيج المجتمع. انه يرفض اذكاء صراعات الطبقات القسرية في المجتمع. لقد تدرج كتاب الله في مسألة تحرير العبيد وجعلها عبادة وتقرب إلى رب العالمين (انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل). هذه الآية من أعظم الأدلة على أن الإسلام أولى عناية فائقة لعتق الرقاب وتحريرها، حيث جعل لها نصيباً من زكاة الأموال. كما جعل قسما كبيرا من الكفارات وسيلة للعتق من العبودية. منها كفارة القتل الخطأ والظهار والجماع في نهار رمضان وكفارة اليمين. كما جعل الله تحرير العبيد من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها العبد إلى ربه، كما في قوله تعالى: (فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة). وقال صلى الله عليه وسلم: «دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقـبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك. أعظمها الذي أنفقته على أهلك». أن الإسلام يحث على تحرير وعتق الرقاب للعبيد في تكفير الذنوب ولم يربط ذلك بديانة معينة فهذه القضية إنسانية. مما قضى على العبودية في وقت قياسي.
لقد استمر الخلفاء الراشدين على هذا النهج الاصلاحي فعمموا محاربة العبودية كي لا تقتصر على لون البشرة فقط إنما شملت منع الازدراء باهل الديانات والقوميات والاعراق الأخرى. كما دعت نصوص القران إلى معاقبة ظلم واستعباد الحاكم (الراعي) للمحكومين (الرعية). يحدثنا التاريخ حول مثل هذه القضايا في حادثة حدثت في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب. اذ تسابق رجل قبطي مع ابن والي مصر عمرو بن العاص فسبقه القبطي. فما كان من أبن الوالي الا ان ضرب القبطي قائلا له اتسبق ابن الاكرمين. عزم القبطي أن يشتكي عليه عند أمير المؤمنين عمر الفاروق فشد الرحال إلى المدينة المنورة. عندما سمع عمر ابن الخطاب شكواه قال له امكث معنا في المدينة حتى ياتي الينا المدعى عليه وابيه ايضا. عند وصولهما وبعد ان تحقق من صحة ادعاء المشتكي. قال الخليفة للقبطي اقتص ممن ضربك. فلما فعل ذلك لم يكتفي الفاروق بعقاب ابن الوالي انما قال له اقتص من ابيه ايضا لأنه لم يضربك الا لانه استقوى بابيه الوالي. لكن المشتكي قال للخليفة ضربت من ضربني ولا أريد أن اتجاوز على الغير. هنا وجه الفاروق كلمته المشهورة الخالدة إلى والي مصر بالقول متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا.
إن دعوة الحرية تتجدد على مر العصور. ففي عصرنا هذا ظهر مصلحون حرروا شعوبهم من العبودية. فقد انتفض المهاتما غاندي لتحرير شعبه في الهند بثورة سلمية ضد بريطانيا. وقام مارتن لوثر كينك بانتفاضة في الولايات المتحدة الأمريكية تطالب بالحقوق المدنية للمواطنين ذوي البشرة السوداء. كما ناضل نيلسون موندلا في جنوب افريقيا لتحرير بلده من نظام الفصل العنصري. رغم ذلك ظلت رغبة عبودية الشعوب الفقيرة لدى الغرب وأمريكا قوية وتاخد الوانا متعددة. إن كان الغرب قد سن قوانين تمنع الرق والمتجارة وترحيل العبيد لدوله لكنه ابتكر أساليب استعبادية أخرى لعل اهمها الاستعمار أو الانتداب. أي بدلا من اقتياد العبيد إلى الغرب. ذهبت جيوش ومرتزقة الغرب لفرض العبودية العامة على تلك الشعوب وسرقة ثرواتها.
بعد أن تخلي العرب عن رسالتهم وضيعوا هويتهم وبعد إن امتلك الغرب الاستعماري وسائل القوة والمنعة. بات الغرب يصنفهم بانهم غير راشدين ومتخلفين ويجب بسط الوصاية عليهم. ثم افتروا كذبة عندما اشاعوا بانهم استعمروا المنطقة العربية كمحررين وسوف يطوروها ويحدثوها. لكن الحقيقة والواقع غير ذلك لان الغرب يريد فقط الاستحواذ على ثرواتها. فكان الحصاد المر لبلدان المنطقة خلال فترة الاستعمار وما بعدها يتمثل بمزيد من التخلف والدمار والانحطاط. فقد تمكن المستعمرون من تغفيل شعوبها واقناعهم بانهم لا يزالوا متخلفين وبحاجة إلى سيد اوربي أو أمريكي يقودهم ويدلهم على الطريق. كما ان نظام الشورى الديمقراطي الذي يفتخرون به لا يلائم شعوبهم. مما سمح من تسليط انظمة دكتاتورية قاسية ملكية أو جمهورية على البلاد العربية.
عمد المستعمر إلى تعميق واشاعة الفوضى والايغال في إسقاط المنطقة في اتون التخلف والانحطاط والرجعية. حيث ساهم وشجع في انتشار واشاعة النعرات بل الصراعات والحروب الدينية والطائفية والعشائرية والمناطقية. كي تيأس الشعوب من التحرر تماما لتبقى في خانة العبودية للسيد الاوربي الامريكي. من المعلوم ايضا ان الحكام العرب كان لهم باع طويلة لترسيخ هذه الأفكار المدمرة مراعاة لمصالحهم الشخصية. لقد عملوا المستحيل لاقناع شعوبهم كي تقبل بالدونية والعبودية للغرب. أي انهم لم يكتفوا بالفساد إنما اشاعوا الافساد في البلاد.
المنطقة العربية اليوم بحاجة إلى اصلاح جوهري في القيم والمفاهيم الانسانية الأساسية. لذا فلا بد من العودة إلى الاصول والقواعد التي قدمت وطورت شعوبنا وهي الفترة النبوية. تلك التي رسمت حضارة العرب والمسلمين ورسخت قيمها الاخلاقية الراقية في المدينة المنورة. لقد اتسمت باقامة العدل والحرية والتقدم الاجتماعي والاقتصادي. لعل أول امر قام به محمد (ص) بناء الفرد العربي المسلم الحر الذي لا يعبد احدا غير الله. فقد قال “قولوا لا اله الا الله تفلحوا”. كما امر المسلم أن يجاهد باستمرار ضد هوى النفس وانانيتها ليحررها من عبودية المال أو الفرد او السلطة. اذ قال “المجاهد من جاهد هواه”. ان كبح النفس عن الانانية والتعصب ودربها على الالتزام بقيم التسامح واحترام الفكر المخالف.
ان هناك اهمية قصوى لاشاعة وترسيخ التسامح الديني والسياسي في مجتمعاتنا الحالية. فينبغي تثقيف النخب الاجتماعية الفاعلة في المجتمع قيمة التسامح والتفاعل مع عموم الناس من البسطاء والفقراء دون تكبر واستعلاء او شعور بالاعلمية والافضلية والخيرية. لا بد من الحذر اذن من الوقوع في فخ احتقار واسقاط الاخرين لأن هذا الصنيع يجسد ويخلق علاقات متوترة تزيد هوة الصراع بين المجتمع الواحد. لا بد للاحزاب السياسية (اسلامية أو علمانية) أن تعترف بفشلها في التصدي للتخلف وانها لم تحسن تحدي الأزمات. مما جعلها ترتمي اكثر مما مضي في احضان الغرب الاستعماري. لانها لم تقدم البديل الوطني الحر المستقل. في حين كان ينبغي أن تكون تلك الاحزاب والتنظيمات السياسية في خدمة الشعب والوطن وليس العكس. ليس من العيب ايضا انتقاد التجربة وتغيير المسار والطريق. فقد قال رسول الله “قل الحق ولو على نفسك” وقال ايضا “كل بني ادم خطاء وخير الخطائين التوابون”.
نحن اليوم أمام طريقين لا ثالث لهما فاما أن نحرر انفسنا من العبودية للاجانب ونتخذ الطريق الوطني ونتكاتف جميعا من اسلاميين وعلمانيين يساريين وليبراليين وقوميين. فنضع مصلحة الوطن فوق كل مصلحة ويعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه. او ان يستمر مسلسل التدهور والانحطاط والخنوع لنصل إلى مرحلة الردى. بالمحصلة فان قوة الدكتاتوريين العرب واسيادهم ليست ذاتية إنما جاءت نتيجة ضعفنا وتمزقنا وقبولنا بالعبودية غير المعلنة لخيارات المحتل واذنابه. كما ان الحرية لا يقدمها الاعداء للشعوب على طبق من ذهب إنما تنتزع انتزاعا من الظلمة. لانها قيمة اساسية لحياة الانسان وهي مناطة بعزيمة وهوية وشجاعة واعتزاز أي شعب بحضارته وثقافته ليصبح بالنتيجة سيد نفسه.
الدكتور نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here