الحكومة العراقية الأكاديمية

العنوان السياسي غلب على كل العناوين القيمية والتنموية في العراق ما بعد الوجود الأمريكي فيه . وقد بلغ اليوم النزاع حول المناصب القيادية والإدارية حد الاستهتار بكل القيم الاجتماعية والإنسانية والأعراف السياسية بين الكتل الحزبية والقومية . حتى انحدرت المجموعات المتفرقة إلى الارتماء في الحضن الأجنبي صريحا ، ومن ثم بيع الوطن عمليا .
ان الإرادة الدولية في العراق واضحة المشاعر في رغبتها زيادة الصراع ، ومن ثم التفكك ، ومن ثم إبقاء الشعب العراقي رهيناً للعبة الدولية . والبصمات الأجنبية في بلاد الرافدين غير ودودة قطعا . ويزداد الصراع بين الشرق والغرب على الأرض العراقية ، لأسباب عقائدية وسياسية واقتصادية وأمنية وتاريخية .
ويزيد الإعلام الممول والموجه محلياً ودولياً من حمى الافتراق ، ومن ثم الهلوسة الشعبية واختلاط الأوراق وضعف الذاكرة الجماهيرية وعدم القدرة على التمييز .
ان افتقار الانتفاضة التشرينية الأخيرة بوجه الفساد إلى الوعي القيادي واضطراب امواجها الفكرية ساعدت في وصول أشخاص من ذات المنظومة السياسية والأمنية الفاسدة إلى السلطة ورئاسة الوزراء .
لذلك أجد من المناسب التخلي عن الرؤى السياسية في إدارة الملف الحكومي العراقي ، والالتجاء إلى الرؤى الأكاديمية ، من خلال تولية ( مجلس كلية ) ملفاً وزارياً او حكومياً مستقلاً لعدة سنوات .
إذ إن عدد الوزارات العراقية بحدود سبعة عشر وزارة ، وعدد الهيئات المستقلة بحدود اثنتي عشرة هيئة . ويكون المجموع بحدود التسعة والعشرين ملفاً قيادياً . فيما يتجاوز عدد الجامعات في العراق الخمسة والثمانين جامعة ، منها خمسة وثلاثون جامعة حكومية تقريبا . مما يسمح بتولي هذه المؤسسات الأكاديمية للعمل القيادي التنموي بعيداً عن المعايير والشروط الحزبية إلى أجل ديموقراطي ما .
وذلك من خلال استغلال التوزيع الجغرافي للجامعات العراقية ، فتشغل جامعة من كل محافظة عن طريق كلية متخصصة وزارة او هيئة ما ، اعتماداً على ما تتميز به تلك المحافظة . وكمثال يمكن لجامعة البصرة ان تشغل ملف النفط او الصناعة لوجود تلك المشاريع في محافظتها ، وهكذا . عن طريق اختيار مؤتمر تعقده الجامعة لاساتذتها لإختيار الكلية المتخصصة في الملف المراد شغله . ويتم اختيار الاسم الذي يشغل منصب وزير او رئيس هيئة عن طريق التصويت السري لأساتذة تلك الكلية . ويشارك في إدارة الوزارة مجلس ساند تكون له صلاحيات من أساتذة ذات الكلية .
فيما يتم اختيار قادة الأجهزة الأمنية عن طريق تصويت سري لمؤتمر لمجالس إدارات الجامعات العراقية .
ويستمر الوضع الجديد لسنتين حتى تتم التهيئة لانتخابات مقبولة تراقبها الجامعات ذاتها من خلال انتداب خبراء يمثلون جميع الجامعات العراقية ، تنتهي مهامهم بانتهاء الانتخابات .
ان الصراع الحالي يتجه بالعراق نحو المجهول ، ويبدد الفساد الثروة الوطنية ، فلابد من حلول مؤقتة غير حزبية .
ويتجه الخلاف بين رئاسة الوزراء وبين السلطة التشريعية إلى ما يشبه النزاع القائم في الولايات المتحدة الأمريكية بين الرئيس وبين مجلس النواب ، وهو ما يزيد التفكك في مؤسسات الدولة العراقية . وهو التفكك الذي يستغله الطرف الانفصالي الكردي ، وكذلك الكتل السارقة في الدولة العميقة ، لاسيما كتلة مثل سائرون التي تحتفظ بالأمانة العامة لمجلس الوزراء .
ويزداد الغرباء قدرة في إقناع القيادات الأمنية بالتضييق على الديموقراطية تحت حجج مختلفة ، وقد تناسوا أنهم وصلوا الى مناصبهم من خلال العهد الديموقراطي .
علي الابراهيمي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here