كيف نقل برهم صالح قصر السلام من الظل الى الضوء في السياسة العراقية

لأول مرة يحتدم الصراع في العراق على منصب رئيس الجمهورية الذي كان طوال سنوات محسوماً للمكون الكردي وتحديدا للاتحاد الوطني… حيث شغله جلال الطالباني لدورتين وخلفه فؤاد معصوم دورة واحدة…
وصول دراماتيكي…

ولكن بعد 2018 طمح الحزب الديمقراطي بالمنصب لا سيما بعد نكسة الاستفتاء التي مُني بها مسعود البارزاني… بدا الأمر سهلاً للوهلة الأولى حيث لا مرشح قوي يواجه فؤاد حسين الشخصية الكردية الشيعية خازن أسرار البارزاني وحزبه… قبل أن يقوم الاتحاد الوطني بالإعلان عن مرشحه لرئاسة جمهورية العراق… ( برهم صالح ) الكردي الأكثر جاذبية بالنسبة لعرب العراق… ورغم أن الأخير كان قد انشق من حزبه وخاض الانتخابات منفردًا الا أن كوسرت رسول وبافل طلباني ولاهور جنكي أقنعوه بحل حزبه والعودة إلى عشه القديم… وهذا ما تم فعلا وأصبح الجميع ينتظر مباراة التصويت بين فؤاد اربيل وصالح السليمانية .

النواب بمواجهة كتلهم …

وفقاً لتحالفات المرحلة تحول مسعود البارزاني من الخصم إلى الحليف الأهم لتحالف الفتح الذي كان يخطط له الحاج قاسم سليماني عراب ولادة هذا التحالف الجامع لفصائل الحشد الشعبي… وأثير حديث أيضاً عن رغبة أميركا بأن يكون رئيس العراق الجديد بارزاني الهوى في محاولة لإعادة سحب البارزاني الكبير من حضن طهران… ولكن رؤساء الكتل اصطدموا … برغبة النواب التي تصب في صالح اختيار برهم صالح رئيسا للعراق رغماً عن رغبة قادة كتلهم باستثناء كتلتين كانتا واضحتي التوجه نحو ابن السليمانية الذي عاش وطرا من حياته في السماوة…. حاول الفتح الضغط على نوابه وحلفائه ولكنه لم ينجح حيث رفضت كتلة إرادة الصغيرة ومعها عدد من النواب المتفرقين في الكتلة الانصياع لرغبة العامري والآخرين وكان تحدياً كبيراً بسبب الضغط الرهيب الذي واجهته هذه الكتل والأفراد من قبل أطراف داخلية وخارجية وحتى مسلحة فقد أعطت هذه الأطراف وعداً قاطعاً البرزاني بان فؤاد حسين سيكون الفائز وليس برهم صالح

صالح يلقي خطاب الانتصار من قبة البرلمان …

كان الجميع يترقب لمن الغلبة… لقادة الكتل ام للنواب والكتل الصغيرة فكانت مفاجأة مدوية في الجولة الأولى حصد صالح ١٦٥ صوتاً مقابل ٨٠ ل‍فؤاد حسين قبل ان تنهي الجولة الثانية كل شيء بانسحاب حسين المرفوض برلمانيا فحصد برهم صالح اكثر من ٢٠٠ صوت في فوز كاسح اغضب البرزاني الذي ابلغ حلفاءه في الفتح ودولة القانون بانه سيعيد حساباته بعد هذه النكسة الثانية…. بعدها ألقى برهم صالح خطابا مدويا في قبة البرلمان كان مؤشراً واضحاً ان الرئيس الجديد لن يكون شكلياً ولا بروتوكوليا فقط .

قصر السلام يستقبل شاغله الجديد والذي سيشغل الجميع لاحقا …

وصل إذاً الكردي المتقن للعربية والذي يعرف بغداد جيداً، ها هو ينزل من سيارته مصافحاً سلفه فؤاد معصوم… منهياً حقبة لم يعرف فيها كثير من العراقيين ماذا عمل فؤاد معصوم بالضبط …

لم يمر وقت طويل حتى تصدر برهم صالح المشهد بزيارات مكوكية الى دول الجوار وبكل ثقة كان يتكلم مع السعوديين عن الحشد الشعبي بوصفه مؤسسة دولة ويتحدث مع الايرانيين بان العراق لا يحتاج الى وصاية، فرشت له ابو ظبي البساط الاحمر ومعه تم التفاؤل كثيراً بأن العراق سيوازن علاقاته مع ضفتي الخليج… وكان موقف العراق قوياً في قمة مكة الطارئة التي حاولت فيها المملكة العربية السعودية تحشيداً سياسياً ضد ايران، الان ان العراق تحفظ على البيان الختامي وكانت كلمة الرئيس العراقي متوازنة ومتوائمة مع الخط العام للدولة رغم ضغوط الاشقاء… اصبح اسم صالح يتداول على السنة العراقيين والشاشات الكبرى بعد ان كان اسم رئيس الجمهورية في العراق يكاد ينسى بسبب بروتوكوليته التي تصل احيانا الى درجة نسيان هذه المؤسسة التي تملك دورا في صنع السياسة التنفيذية للبلد.

ترحيب وتوجس:
بالرغم من النشاط الكبير الذي اضفاه الرئيس الجديد الا ان قوى سياسية وعلى راسها الفتح ودولة القانون اخذت تهمس في اذن رئيس الوزراء انذاك عادل عبد المهدي وتقول له يا رجل اوقفه ان جمهورنا بدأ يتحرك تجاهه… توجس سياسي وانتخابي قابله مرونة وبراغماتية كبيرة من الرئيس حيث بقي يمارس دوره بجمع الفرقاء ويستمع لهم وان كان ضده… بقيت علاقة صالح والعامري زعيم الفتح مرتبكة بشكل كبير فالاخير وبمعية المالكي يشعران بأن صالح يخطف الاضواء ويغري الجنوبيين لاسيما مع التخبط الكبير الذي رافق اداء القوى السياسية الشيعية في قضايا عديدة والتي سيكون ابرزها لاحقا الاحتجاجات الشعبية واختيار بديل عبد المهدي

استقالة عبد المهدي … حماية الدستور ام حماية الارواح
شهد شهر تشرين الاول من العام ٢٠١٩ تحولا كبيرا في المشهد السياسي العراقي فجاة تضيق الارض بالحكومة وتصبح الحلول شبه معدومة لا سيما مع بطء ردود فعل عبد المهدي تجاه الاحداث، لم تتمكن الكتلتان الكبيرتان فتح وسائرون من احتواء المشهد وبالرغم من محاولة الاخيرة مساندة المحتجين الا انها لم تكن بمنأى عن شعارات المحتجين ( نريد وطن )، شعار التظاهرات فجاة يظهر رئيس لجمهورية وبجانبه قميصا مكتوبا عليه هذه العبارة، الامر استفز القوى الغاضبة والتي تشعر ان هذه الاحتجاجات موجهة ضدها وان جهات خارجية وداخلية تدفع باتجاه الاطاحة… هو انقلاب ابيض هكذا همس القادة فيما بينهم… وفي ظل انكفاء عبد المهدي وغيابه عن المشهد كان واضحا تصدي صالح الذي اخذ بلقاء مجموعات عديدة من الناشطين وحاول كثيرا ان يوصل للقوى السياسية طلبات الناس الذين يعانون من البطالة وسوء الخدمات… وبقي محاولا استخدام صلاحيته حفاظا على الدستور وحماية لارواح المتظاهرين.

مكلف يلي الآخر والرئيس يرفض الانصياع الاعمى

برز دور الرئيس الرابع في عهد الديمقراطية خلال ازمة اختيار البديل ل‍عادل عبد المهدي حيث اشتد الخلاف بين القوى الشيعية الاساسية لا سيما الفتح وحلفائها من جهة وسائرون وحلفائها من جهة اخرى، وحاول صالح ان يوفق بين الطرفين محاولا الوصول الى تكليف يجنب البلاد خطر حرب اهلية كانت وشيكة بسبب تشنج المواقف، بدأت سلسلة الترشيحات للمكلفين ابتداءً ب‍محمد شياع مرورا ب‍قصي السهيل حتى ارسل قادة البناء كتاباً يطلب من صالح تكليف محافظ البصرة اسعد العيداني الامر الذي رفضه صالح مهددا بالاستقالة في حال الضغط عليه لتكليف مرشح لا يحظى بتوافق سياسي ولا يتطابق مع ارادة الشارع، كتب الرئيس بيانه وهو في السليمانية حيث ان جهات مسلحة هددت باستخدام اساليب غير عادية في محاولة للاجبار، وبعد شد وجذب وتكليف مؤقت ل‍عدنان الزرفي الذي انسحب فيما بعد استطاع صالح اقناع الاطراف المختلفة بضرورة تكليف مصطفى الكاظمي كحل وسط … لتجنب البلاد خطر الصدام الداخلي وخطر العقوبات الخارجية التي لمحت بها واشنطن اكثر من مرة … وبذلك يكون قصر السلام بقيادة برهم صالح قد لعب دورا محوريا جدا في حل ازمة كادت تعصف بالبلاد وانتقل فيها القصر الجميل من مواقف بروتوكولية الى مواقف استراتيجية سلطة بقعة الضوء على حاكمه برهم صالح رئيس جمهورية العراق.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here