“اشــــــــــــراقات … الخلـــــــــــــــود!” (عودة إلى منابع ذاكرة الوطن … وتخليدا لشهداء الكلمة الحرة)

أ. د. جواد كاظم لفته الكعبي
“اشــــــــــــراقات … الخلـــــــــــــــود!”
(عودة إلى منابع ذاكرة الوطن … وتخليدا لشهداء الكلمة الحرة)

اقتنيت كتابا صغيرا بعنوان “اشراقات الخلود”، وهو ترجمة روسية لنصوص مسمارية أكدية وسومرية وبابلية كُتبت في الألف الثالث قبل الميلاد، ترجمها عالم السومريات الروسي (شيليكو ف. ك. 1891-1930)، صادرة عن دار نشر “الكتاب” في موسكو عام 1987. أدناه ترجمة للبعض من هذه النصوص عن اللغة الروسية.
“نيني وتموز” (1):
من بعيد يتناهى صوت نحيب،
ولدي … زوجي … مُهري.
من أشجار الأرز المقدسة … النامية في الحرية … يتناهى صوت بكاء.
هذا البكاء يصل الزوجات والأطفال،
ومنهم … لا تولد قوة.
هذا البكاء يسيل نحو النهر،
والنهر … لا يُنبت شجيرات.
هذا البكاء يُحلق فوق الحقول،
والحقول … لا تُثمر حبوب.
هذا البكاء يصدح في حدائق … لا تصنع عسل ونبيذ.
البكاء وقت فيضان النهر … كبير … كبير،
زوجي كبير … مُهري كبير …
ولدي كبير … والأم التي أنجبته … مليئة بالفرح،
والنهر الذي أخذه … سيتجه به صوب البحر!

“نيني وتموز” (2):
عندما صَنَعَت الآلهة … العيد،
أرسلوا لأختهم “أرشكيغال” رسولا:
نحن … لا نستطيع النزول إليك،
وأنت … لا تستطيعين الصعود إلينا،
أُمري … بجلب خبزك إلينا.
وأرسلت “أرشكيغال” رسولها “نمتار”،
وصعد “نمتار” إلى السماء السابعة،
ودخل … حلقة جلوس الآلهة.
(بعض سطور النص المسماري ممسوحة)
عاد “نمتار”، وقال لسيدته أرشكيغال”:
أنجزت المهمة … ولكن أحد الآلهة لم ينهض لاستقبالي.
هيا … “نمتار” … عُد اليهم، وقل لهم عن لساني:
الإله الذي لم ينهض أمام شخص رسولي،
ليجلبوه ليّ … سأُميّتَهُ أنا.
وذهب “نمتار” للحديث مع الآلهة … عن الموت،
وقالوا له: تَعَرّف على الإله الذي لم ينهض لك … وخذه لسيدتك!

“نيني وتموز” (3):
… وتوجه “نيرغال” نحو بوابات “أرشكيغال”،
أيها البواب … افتح البوابات كي أمُرَ إلى سيدتك “أرشكيغال” … فأنا مُرسل.
وذهب البواب ليخبر “نمتار”:
هناك ألاه ما يقف عند البوابات، تعال، أُنظر … هل له أن يَمُرَ؟
خرج “نمتار” وألقى نظرة … وتبسم، وعاد مُبتهجا … ليقول لسيدته:
سيدتي … هذا الإله الذي لم ينهض أمام شخصي في الشهر الماضي.
أُحضره … دعه يدخل … ليموت.
خرج “نمتار” وهو يقول: أُدخل أيها السيد … بيت أُختك.
وطار قلب “نيرغال” … من الفرح.
(بعض سطور النص المسماري ممسوحة)
… في زاوية من البيت، أمسك “نيرغال” بـــ “أرشكيغال” من شعرها،
وألقاها من العرش أرضا … ليحُز رأسها.
لا تقتُلني … أخي … سأقول لك كلمة!
“نيرغال” استمع لها … وفك قبضة يده، وهي تولول وتبكي:
لتكُن زوجي … سأكون زوجتك، سأُعطيك سلطة … على بلاد واسعة،
سأضع بين يديك … كتاب الحكمة، ستكون سيدا … وسأكون سيدة.
استمع “نيرغال” لهذا الحديث، عانقها وقبلها … ومسح دموعها… وقال لها:
ماذا كُنت تتمنين ليَّ مُنذ أشهُر خَلَت … قَبل هذا الحين؟

“كلكامش” (1):
هو غسل سيفه … هو نظف سيفه،
وعلى ظهره … سَرّحَ جدائل شعره الملفوفة،
ونزع حُلته المُتربة … ولبس حُلته النظيفة،
وتوشح بوشاحه … وقلائد صدره!
على جمال “كلكامش” … رفعت الملكة “عشتار” عينيها:
لنذهب … “كلكامش” … ستكون عشيقي،
أعطني مفاتنك الرجولية … هدية!
كُنّ زوجي … خُذني زوجة:
سأعطيك عربة من الزمرد والذهب،
بعجلات … مُرصعة بالأحجار المتوهجة!
هكذا ستدخل بلاطنا … مُعطرا بعطر الأرز!
وعندما تدخل مخدعنا …
أمامك … سينحني الملوك والأرباب،
وستأتيك السهول والجبال … بالعطايا،
وستلد غنم قطيعك … توائم،
وجواد عربتك … سيطير عدوا!

“كلكامش” (2):
فَتَحَ “كلكامش” فاه … قائلا لــــ “عشتار” بكبرياء:
دَعّي ثروتك لنفسك … جَمّلي بها جسدك وثيابك!
اُتركي لنفسك المأكل والمشرب … النبيذ والخبز والحلوى الربانية!
أنت – باب مُتهالك … لا يصد ريح!
أنت – قصر مُنهار … يُميت بطل!
أنت – فيل … مزق غطاءه!
أنت – شُعلة … تحرق يد حاملها!
حجر أنت … قَوّضَ جداره القوي!
يَشَّبُ* أنت … في أرض عَدوّة!
أي من عُشاقك أحببته طويلا … وأي من أزواجك مازلت مُتيمة به؟
أُنظري … سأكشف لك عن كل آثامك:
الإله “تموز” … صديق صباك … من سنة لأخرى … تُدينين بكاءه!
طير المروج المرح … أحببته وضربته وكسرت جناحه!
أنت أحببت أسدا فائق القوة … وحفرت له سبع … وسبع حفرة!
أنت أحببت جوادا … هماما في المعركة … أجبرته على العدو سبع ساعات مضاعفه!
أنت أجبرته على شرب ماء مُلوث … وأجبرت أُمه “سيليلي” على البكاء!
أنت أحببت البُستاني “ايشولانو” … وهو يجلب لك الثمار والزهور كل يوم،
ووضعت عينيك عليه: تعال “ايشولانو” القوي … تعال نستمتع … ودع يدك تتحسس مفاتني!
وأجابك “ايشولانو” بحزن: ألم تطبخ أُمك ليّ … ألم أتذوق طعامها؟
أي شيء لك عندي … ما حاجتك مني؟
لأجل ماذا تُريدين منحي … الإحساس بالعار واللعنة؟
لأجل ماذا تُريدين تغطيتي … بأشواك العوسج**؟
وعند سماعك هذه الكلمات … يا “عشتار”،
قمت بضربه واستعباده … وحجره داخل بيته!
وتُريدين، بحُبك ليَّ … إغوائي … كما أغويت الآخرين!
———————————
* اليَشَّب Jasper – حجر كريم (المترجم الكعبي).
** العوسج – نبات شوكيّ، ينبت عادة في الأراضي الجافة والحارة (المترجم الكعبي).

“كلكامش” (3):
… عندما استمعت “عشتار” لكل هذا،
غضبت “عشتار” … وصعدت إلى السماء،
ووقفت “عشتار” أمام “أنو الأب”، وأمام أمها “أنتو” … لتقول:
أبي، أبي … “كلكامش” أهانني،
“كلكامش” … عَدَدَ آثامي … وخطاياي!
فتح “أنو” فمه مُخاطبا الملكة “عشتار”:
يا حسرتي، أنت ………… (النص ممسوح)
“كلكامش” عَدَدَ آثامك! … آثامك وخطاياك!
فتحت “عشتار” فمها مُخاطبة “أنو الأب”:
أبي … أخلق ثورا في السماوات،
ودع “كلكامش” … يشعُر بالخوف!
إذا لم تخلق ثورا في السماوات … سأكسر ……….. (النص ممسوح)
فتح “أنو” فمه مُخاطبا الملكة “عشتار”:
ما حاجتك مني … ماذا تُريدين؟
…….. (النص ممسوح) سبع سنوات … وأنت تنثُرين القش … وتقلعين الأعشاب؟
فتحت “عشتار” فمها مُخاطبة “أنو الأب”:
……… (النص ممسوح) أنا حطمت،
……… (النص ممسوح) أنا نثرت قش لسبع سنوات … وقلعت الأعشاب!
(بضعة أسطر ممسوحة)
فتح “أيباني” فمه مُتوجها نحو “كلكامش” … بحديث:
صديقي، نحن صرعنا …………. (النص ممسوح)

“كلكامش” (4):
ارتقت “عشتار” سور أوروك … لتُطلق لعنتها:
اللعنة … على “كلكامش”!
لقد أهانني … بقتله الثور!
سمع “أيباني” كلمات “عشتار”،
واقتطع جنب الثور … وألقاه بوجهها:
أنت … انتظري، سأمسُك بك … وحول خصرك سألُف أمعاءه!
جمعت “عشتار” وصيفاتها … نساء وعذراوات مرحات،
وبكت … على جنب الثور المقطوع!
ودعا “كلكامش” جميع البُناة المهرة … لقياس قرون الثور:
ثلاثون مَنّا* من اللازورد … تزن قرونه … وإصبعين سماكتها،
وتتسع لخمسة غور** من الزيت المُقدس،
سيُهديها لربه “لوغالباند” … ليُعلقها في مخدعه الملكي!
في الفرات … يغسلون أيديهم،
يتجمعون للسفر … ويخرجون إلى الطريق،
ويصلون أسوار … أوروك، وأهل أوروك … يتجمهرون وينظرون!
يوجه “كلكامش” كلماته … لخدم قصره:
من … الأروع بين الرجال؟
من … الأقوى بين الرجال؟
“كلكامش” … الأروع بين الرجال!
“كلكامش” … الأقوى بين الرجال!
—————–
* المَنّ – وحدة قياس الوزن، وتعادل 16 كيلوغراما (المترجم الكعبي).
** غور Gure – وحدة قياس السعة، وتعادل 252,6 لترا (المترجم الكعبي).

صعود “عشتار” إلى السماء (1):
في حضرة “أنو” … المُقدس والعظيم،
وقفت الآلهة في صلاة خاشعة، مُنحنين … كالمناجل:
تقول أنت – وأنت مُحق أيها الرب، تقول أنت – وأنت الكريم!
“أنو”، كلمتك السامية … صُراط، ومن يجرؤ على القول … كلا!
يا رب الأرباب، كلمتك – عماد السماوات والأرض، ومن من الآلهة … لا يخضع لها؟
أيها الرب … أنت نفسك لنفسك … عرش، ما قيمة … عروشنا؟
“عشتار” العذراء … التي امتلكتها، بمتناول … يدك!
رحمتك الأكيدة … الأكثر مجدا في السماء، هي قولتك … في مَجّمعنا!
“اينينا” … التي امتلكتها، رهن … إرادتك! لتكن هي “أنتو” … الزوجة … لتعظيم أسمك،
لتمسك بيدها … شُعاب “أليليا” و”أيا”، لتكن وحدها … الجبارة،
من يمسك بأعنة … السماوات والأرض!

صُعود “عشتار” إلى السماء (2):
بغبطة مضيئة أجابهم … “أنو”، ونحو “عشتار” النقية … توجه بقلب فرح:
أَمري الرباني … لا شبيه له … مثل سماء صافية،
هو … حَدّ … يُثير الرعب … يستحيل الاقتراب منه!
أنا – “أنو” الرب قائدهم … كوّني على رأسهم،
تَمَلّكي ممالكهم الواسعة … وأحكُمي لوحدك!
إلى عرشي الرباني اصعدي … وتربعي على قمته!
وكاسمي … سيكون اسمك … “أنتو المُدبرة”!
ليكُن رسولي الأمين … العالم بالأسرار،
ليكُن “ايلابرات” … رسولي المجيد … رسولك!
ليُمهد السبيل أمامك … لاستمالة الأرباب والربات!

صعود “عشتار” إلى السماء (3):
بدءا من الأساسات الدائمة للسماوات والأرض،
من المجرات الخالدة للآلهة،
“أنو”، “أيليل” و””أيا” … قَسَمّوا المصائر!
ربا وحارسا السماوات والأرض … الفاتحان نهارا وليلا الباب لـــ “أنو”،
“سين” و”شمش”– أُعطي لهما مصيرين متآخيين.
من أسفل السماوات … وحتى قمة السماوات … هما يحددان الأوقات،
كسنابل … تكدسّت بشدة نجوم السماء،
آلهة رئيسة … كثيران تعرف الطريق،
إلى هناك … اصعدي “عشتار” … نحو ممالكهم،
“اينينا” … المُشتعلة بينهم … تسمى نجمة “عشتار”.
لينتقل إلى هناك منصورا … موقعك العالي،
بين “سين” و”شمش” … ليكُن ضوئك ساطعا،
لتكُن النار المُضيئة لمشعلك … مُشرقة في السماوات،
وكما بين الآلهة … لا يوجد من يُماثلك،
لتكُن الناس … مشدوهة بك!

صعود “عشتار” إلى السماء (4):
عندما أشار رب ابنة “سين” إلى نصيبها، –
“أيانو” في معبده المضيء … لم يغلق الباب بوجهها،
عندما أشار الملك “أنو” إلى نصيب “اينينا” –
“أيانو” أهداها … معبده المُضيء!
“سين” المُشع صفاء … غطى جسدها بثياب ألاهية،
وأحجار ملوكية – وحُلى ألاهية أشعلها … كالنهار،
ووضع في يدها صولجان مُخيف … لا يرحم في معركة،
وبتاج يخطف الأبصار … غطى رأسها:
أيتها الربة! نصيب ثقيل …
ومصائر غير آثمة … كل هذا أمنحك إياه،
وكما نفسي أنا …
سيكون سيد الأرض “أيليل” … شفيعا لك!
……………………………………………………………………………………
د. جواد الكعبي
27 تموز 2020
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here