البون الشاسع بين مفهوم الديمقراطية لدى العلمانيين العرب وغيرهم

البون الشاسع بين مفهوم الديمقراطية لدى العلمانيين العرب وغيرهم

بادئ ذي بدء ينبغي التاكيد بان الديمقراطية ليست بالضرورة هي الحل السحري لرفاه وتقدم الانسانية. إذ تعتريها الكثير من المثالب السياسية والاجتماعية. فيعلم الجميع بأن هتلر وصل إلى حكم ألمانيا بانتخابات ديمقراطية نزيهة. لكن النتيجة كانت كارثية على الانسانية بعد ان اشعل الحرب العالمية الثانية. بانتخابات ديمقراطية نزيهة أيضا وصل قبل أربعة سنوات دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وها نحن نرى وسنرى في الاشهر القليلة القادمة مدى انتشار الفوضى والظلم والصراعات في العالم اجمع. نعلم ايضا بأن الديمقراطية هي التي شرعنت وقننت الفاحشة والفساد عندما منحت حقوقا قانونية لبعض مرضى النفوس من المثليين رجالا أو نساءا. فانتشرت على أوسع نطاق امراض خطيرة كالاديز والجرائم الجنسية ومزقت العوائل. كما ان الديمقراطية عملقت بعض الاقليات وشجعتهم على تقسيم الاوطان. واضحى بعضها بمثابة الطابور الخامس لخدمة مخططات الاستعمار. لقد مكنت الديمقراطية ايضا الاقلية من ممارسة الارهاب ضد الاغلبية ووفر لها المستعمرون حصانة قانونية للافلات من العقاب والمسائلة القانونية. لكن وعلى الرغم من مثالب الديمقراطية المذكورة انفا. لكنها تبقى افضل بكثير من الانظمة الدكتاتورية الاستأصالية العسكرية العشائرية ملكية كانت أو جمهورية.
يتعاطى اليوم ويمارس الكثير من العلمانيين العرب مفهوم الديمقراطية بطريقة تثير الشفقة والاشمئزاز بنفس الوقت. فقد صدعوا رؤسنا بمناسبة أو غير مناسبة بترديد هذه الكلمة فجعلوها دينا جديدا لا يمكن المساس به أو انتقاد وسائل استخدامه. لكن الغريب والعجيب أن فهمهم لها في منطقتنا العربية أحادي الجانب وليس له اية علاقة بمفهومه العالمي. ففي عرفهم القاصر أنها حكر لهم دون غيرهم. وعلى الشعب أن يختارهم للحكم السياسي والاقتصادي بل حتى في قيادة الشؤون المدنية العامة. لقد فرضوا أنفسهم بدعم اجنبي غربي وامريكي كممثلين وحيدين لتبني الديمقراطية. لقد استخدموا مقاييس دكتاتورية انانية لتفسير معاني الديمقراطية تتناغم مع هواهم. ليس على الشعوب العربية اذن الا ان تسير وراءهم واذا ما رفضوا ذلك يصفوهم بالجهل والتخلف والرجعية. انهم بالتالي لا يعترفون بالديمقراطية الا إذا قادتهم إلى البرلمان أو إلرئاسة.
لقد تفنن علمانيي العرب في تسخيف حضارة وتاريخ مجتمعهم واثاروا حولها الشبهات باسم الديمقراطية التي لا يفهمون جوهرها. انها في الحقيقة مجرد آليات فنية ومهنية تتعامل مع اطياف المجتمع بحيادية وتقف على مسافة واحدة من جميع الحضارات والأديان من حيث المبدأ. ظل علمانيي العرب يعملون كل ما في وسعهم الى نشر الفساد والفحشاء في المجتمع ويسبون ويقدحون بالذات الإلهية والمقدسات الإسلامية. اما من الناحية السياسية فيعتبرون أنفسهم خير الناس واثقفهم. كما أنهم يتناقضون مع ادبياتهم المسالمة فيمارسون العنف والارهاب والظلم والتدليس والكذب مع المخالفين السياسيين.
لقد بات من المؤكد بان اغلب علماني العرب استئصالين دكتاتوريين من الناحيتين الاجتماعية والسياسية. فمن الناحية الاجتماعية انهم يعيشون تحت سقف البلدان العربية لكن ولائهم السياسي الاقتصادي الاجتماعي العقائدي ات من خارج المنطقة. هدفهم الاساسي تغيير وتسخيف عقائد ودين وثقافة وحضارة المجتمع العربي المسلم. لقد انسلخوا من محيطهم ونسوا أو تناسوا ان سياسي الدول التي يوالونها يحترمون ويدافعون عن ثقافة ودين وتاريخ شعبهم. فهذه فرنسا تدافع عن ثورتها رغم ما اكتنفها من قتل وظلم للمجتمع كما ان علمانييها يحترموا الكاثوليكية واليهودية في تعاملهم اليومي. اما روسيا فهي الأخرى تقدس حضارتها وتاريخها سواء في عهد القياصرة او العهد الشيوعي منذ ثورة اكتوبر 1917. كما ان ساسة أمريكا بمختلف احزابهم يحترمون تاريخ ودين شعبهم ويحاولون أن يصنعوا لهم تاريخا وطنيا خاصا.
إما الاحزاب والتنظيمات العلمانية في البلدان الديمقراطية غير العربية فانها تمارس وتطرح برامجها بوضوح على الملأ. واذا ما خسرت الانتخابات فلا تلوم الا نفسها وتعمل على تغيير برنامجها وتطرح خطاب توضيحي اخر يحترم الارادة الشعبية. ان قوانين تلك الدول تفرض على السياسيين إجراء انتخابات نزيهة وعلى الجميع احترام ارادة الناخبين حتى لو افرزت احزاب يمينية عنصرية متطرفة في هذا البلد أو ذاك. عندها لا يمكن ان يتبجح أو يتحجج احد بان فوز تلك الاحزاب اليمنية أو العنصرية يشكل خطرا على الديمقراطية وليس امام الاحزاب الوطنية سوى الاعتراف بالنتائج والعمل على تفهم مطالب الناخبين وتغيير نهجهم وبرنامجهم ليتوائم مع مصلحة اغلبية الناس.
ان كلمة الديمقراطية تعني حكم الارادة الشعبية كلها بغض النظر عن الاحزاب والقوميات والاعراق. انها ايضا ليست قيم منتقاة لنخب المثقفين دون الجهلاء أو العلماء والاعيان دون الفقراء والمساكين أو العلمانيين والملحدين دون المؤمنين والاسلاميين. تمارس اليوم في منطقتنا العربية دكتاتورية فرض الاحزاب العلمانية المتغربة على أوسع نطاق بدعم عالمي غربي امريكي بل بدعم حثيث من حكام المنطقة نفسها. ان هذا النوع المشوه والبشع من الممارسة المجتزئة للديمقراطية أنتج في حصيلته بروز حكام دكتاتوريين عسكريين استئصالين جمهوريين او ملكيين. لقد اضحت حقوق الاغلبية في مهب الريح وارتهنت ارادتها بهؤلاء الحكام واسيادهم. ان اغلبية العرب اليوم يريدون العودة إلى اصولهم ومبادئهم الطامحة الى الكرامة والعزة والدفاع عن النفس والاستقلال الحقيقي والعدالة والصدق والمسامحة واعمار الأرض والتضامن. كما ان التزام المواطنة وحب الاوطان تحتم على كل مواطن أن يحترم ويقدر ويضحي لحضارة وتاريخ ودين بلده. ففي جميع دول العالم يعتز المواطن ببلده ويدافع عنه بكل ما اؤتي من قوة. باستثناء العلمانيين العرب فهم يتربصون ويستهزءون بتراث وحضارة وثقافة شعبهم ويتبنون حضارات وثقافات الاجانب. إن هذا الصنيع في الاعراف الدولية يعتبر خيانة للوطن وعمالة للاجنبي ينبغي أن يعزل هؤلاء عن العمل في الشؤون العامة ويحاسبهم القانون.
أن من مباديء الديمقراطية أن تحترم المطالب الثقافية للاقليات. لكن يجب على الاقليات أن تنصاع لراي الاكثرية في نهاية المطاف. فالشعب العربي يريد الانعتاق من املاءات وكلاء واذناب الغرب الاستعماري عبر تأسيس احزاب وطنية متواضعة متكونة من جميع اطياف المجتمع ذات مرجعيات ليبرالية أو يسارية أو اسلامية شرط أن تكون وطنية غير متعصبة وغير طائفية وغير مرتبطة بمشاريع المستعمرين والاجانب. تطرح رايها بحرية دون أن تصوره للناس بأنه الحق الكامل والوحيد. وما احلى قول الامام الشافعي رحمه الله القائل راينا صحيح يحتمل الخطأ وراي غيرنا خطأ يحتمل الصواب
الدكتور نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here