عراقيون “على صفيح ساخن” .. لهيب تموز يتحالف مع الكهرباء ويفتح ثغرة لكورونا

يفترش محمد النعيمي الأرض، داخل غرفة صغيرة بجوار أفراد أسرته، الذين أنهكهم قيض الصيف اللاهب، بعدما تجاوزت الحرارة فيه نصف درجة الغليان، وفيما تتتبّع عيناه عقارب الساعة مترقباً “العطف الحكومي” المتمثل بتوفير التيار الكهربائي، ترنو أعين أطفاله صوب جهاز التكييف الذي بات “شبه معطل”.

النعيمي (27 عاماً) من سكنة منطقة السيدية في بغداد، متزوج منذ أربعة أعوام ولديه طفلين صغيرين، تحدث عبر الهاتف بصوت هَجْس، قائلا بلهجته العامية الدارجة: “الله ينتقم من الفاسدين. من الصبح ليهسة (لغاية الآن) الكهرباء إجت (جاءت) مرتين بس (فقط) والفولتية ضعيفة حتى المكيف مينهض”.

وأشعل التيار الكهربائي المتردي، فتيل تظاهرات جديدة في محافظات عراقية عدة، احتجاجاً على زيادة معدل ساعات الانقطاع، مما ينذر بغليان شعبي مرتقب، قد يعيد الملف الاحتجاجي إلى ذروته على غرار التظاهرات الكبرى في تشرين الأول من عام 2019.

واقتحم محتجون غاضبون في وقت سابق، دوائر الكهرباء في محافظات ذي قار وميسان وواسط، فيما نظّم متظاهرون وقفات احتجاجية في محافظات أخرى، تضمنت قطعاً للطرق العامة من خلال الإطارات المشتعلة.

“فساد” في المشاريع وسياسات “خاطئة”

وعلى مدى الـ17 عاماً الماضية لم يشهد ملف الكهرباء تحسناً ملحوظاً، على الرغم من الأموال الطائلة التي صُرفت على العديد من المشاريع، حيث يتكرر مشهد انقطاع التيار في هذا الوقت من كل عام، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة.

وفق ذلك، يقول عضو لجنة الخدمات والإعمار النيابية جاسم البخاتي إن “استمرار تدهور التيار الكهربائي في البلاد سببه السياسات الخاطئة التي تبناها الوزراء السابقون، فضلاً عن المشاريع التي شابها الكثير من الفساد وتسببت بهدر مليارات الدولارات دون أي تحسن في مجال الطاقة الكهربائية”.

ويضيف البخاتي أن “اللجنة التي شكلها مجلس النواب، مطالبة بالكشف عن الفساد الذي شاب عمل وزارة الكهرباء طوال السنوات السابقة، واسترداد تلك الأموال من الفاسدين بعد محاسبتهم”.

حظر وحجر وتباعد .. الصحة تحذّر العراقيين

ويأتي تردي الكهرباء، في وقت تفرض فيه السلطات العراقية، إجراءات وقائية لتفادي الارتفاع المطرد بأعداد المصابين جراء تفشي جائحة كورونا، كان آخرها فرض حظر شامل على التجوال خلال عيد الأضحى، وهو ما قد يؤدي إلى عدم التزام المواطنين بالحجر المنزلي نتيجة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة وسط ارتفاع درجات الحرارة.

وأصدرت وزارة الصحة والبيئة، اليوم الخميس، بياناً دعت فيه العراقيين، إلى الالتزام التام بالحظر الشامل في أيام العيد وبالإجراءات الوقائية المتمثلة بارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي وعدم الخروج من البيوت إلا للضرورة القصوى، وأن “تتم التهاني والتبريكات عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.

وجاء في بيان الصحة: “التزامهم هذا سيحميهم من الإصابة بفيروس كورونا وكذلك يجنبنا ما حدث عقب عيد الفطر الماضي من ارتفاع سريع وخطير في عدد الإصابات والوفيات، بعد أن كان العراق يقترب من انحسار الوباء بشكل كامل، وسبب ذلك هو التراخي بارتداء الكمامات وعدم التقيد بالتباعد الاجتماعي وحضور المناسبات والاختلاط غير المحمي من قبل المواطنين، إضافة إلى عدم تطبيق الحظر الشامل بشكل صحيح في أيام عيد الفطر المبارك”.

الماء .. “سلاحنا المغيّب”!

وبرزت في الآونة الأخيرة، مشكلة أخرى في بعض المناطق، تتمثل بصعوبة توفير المياه إلى المنازل، حيث رصدت تدوينات غاضبة، عبّر خلالها مدونون عن امتعاضهم إزاء تزامن انقطاع الماء والكهرباء، ولم يكن محمد النعيمي بمعزل عن ذلك.

ويكمل النعيمي حديثه على الطرف الآخر من الهاتف، وهو يتصبب عرقاً غزيراً، ليصف لنا “الواقع المزري” الذي تمر به منطقته. ويقول إن الماء منقطع في السيدية منذ أيام، والسكّان يعانون من صعوبة مجيئه، مما جعلهم يجلسون “على صفيح ساخن”.

ويردف قائلاً إن الماء يمثل “سلاحاً فعّالاً” لمواجهة قيض الصيف، إلا أنه بات “مغيّباً”، مضيفاً: “مندري (لا ندري) هل أكو (هناك) مشكلة فعلاً، لو (أو) القضية مقصودة بإذلال العراقيين وحرمانهم من أبسط حقوقهم”.

يذكر أن رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي أكد، الخميس (16 تموز 2020)، أن حكومته عازمة على معالجة ملف الكهرباء في العراق، وأنها تدعم كل مشاريع تطوير الطاقة التي تنفذ في البلاد، ولفت إلى أن الحكومة تبذل “جهوداً كبيرة” لمعالجة الملف.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here