ما العمل؟

ما العمل؟

بقلم الدبلوماسي الإيراني السابق منصور فرهنگ*
ترجمة عادل حبه

منصور فرهنگ
ما يجب القيام به قبل تقديم الاقتراحات هو ضرورة ذكر بعض الافتراضات المسبقة لها وهي:
1. إن الجمهورية الإسلامية ديكتاتورية شمولية لا يمكن إصلاحها ولا تواجه حالياً تحدياً منظماً لها.
2. يؤكد المنطق والخبرة التاريخية والدراسات التطبيقية على الرأي القائل بأن الفساد والصراعات الداخلية والتحديات والعزلة الدولية وانتشار الإستياء وعدم الرضا من الظروف المعيشية والسياسية والثقافية، قد وضع النظام في طريق مسدود وسينهار ، ولكن لا يمكن القول أن هذا التغيير أمر لا مفر منه أومتى وكيف سيحدث.
3- إن مأساة ولاية الفقيه وإضمحلال أوهام المدن الفاضلة في القرن العشرين عزز من الخطاب المتعلق بحقوق الإنسان والقبول بالتعددية في الفكر بين القوى اليسارية والليبرالية والوطنية والإجتماعية وجعلت من الممكن أن تتوصل إلى تحالف سياسي.
4- بقدر ما مشاهد النضال الفعال ضد ولاية الفقيه في الداخل، فإن المقترح هو ليس المطالبة ببديل لولاية الفقيه. إن دور الجمهوريين المؤيدين للديمقراطية وحقوق الإنسان في الخارج هو أن يبرهنوا على قدرتهم على التحالف السياسي وقيادته.
وعلى حد قول سورين كيركيجار، الفليسوف والثيولوجيست والناقد الإجتماعي والشاعر الدانيماركي:” بالإمكان فهم الأحداث الماضية، ولكن الحياة ذات طبيعة تتعلق بالنظرة المستقبلية”.
يأمل الناشطون السياسيون داخل وخارج البلاد في أن يتم تحرير إيران عاجلاً أم آجلاً من وحشية ولاية الفقيه وأن يصبح من الممكن القيام بنشاط سياسي علني دون قيود داخل البلاد. إن نضالات الرجال والنساء التواقون للحرية في الداخل والخارج تبقي على هذا الأمل حياً على الدوام ، ولكن نظرة واقعية على هذا الأمل من شأنه أن يقنعنا بأن الإطاحة بنظام غريب على مثل الحرية والعدالة أمر ممكن، شأنه في ذلك شأن كل الأنظمة الشمولية الأخرى، أما بواسطة قوة عسكرية معارضة، أو عبر نضال وانتفاضة بديلة منسجمة واسعة تحظى بدعم واسع من الشعب. في الوقت الحاضر، ليس لدى معارضي النظام في الداخل منظمة مسلحة ولا منظمة ديمقراطية شاملة تتحدى النظام. بعبارة أخرى، فإن إسقاط النظام يحتاج إلى قوة معارضة منظمة هي غير موجودة الآن في داخل البلاد.
في السنوات الأخيرة، نَشَر العديد من كُتّاب قوى اليسار والاشتراكيين الديمقراطيين والقوميين والليبراليين، المقالات والندوات حول الديمقراطية في كتاباتهم ومناقشاتهم، لكنهم لم يولوا أي اهتمام عملي للآلية اللازمة للتحرك صوب الهدف. يعلمنا تاريخ الحركات الديمقراطية في العالم الحديث أن بداية الديمقراطية ونموها يتطلبان باستمرار مصالحة وتحالفات المجموعات إضافة إلى إلتزامها بمبادئ الديمقراطية، وأن يكون لديها برامج إقتصادية وثقافية واجتماعية متفاوتة. إن القبول بهذه الحقيقة في إيران ، التي عاشت قروناً من الاستبداد السياسي ، هو أمر ضروري كي يتم التعامل معها بشكل بناء وسلمي في ظروف الحرية والأمن النسبيين، لتفادي غرق المجتمع في حالة من الفوضى، وفي النهاية، تصبح هيمنة الاستبداد أمر لا مفر منه. وبعبارة أخرى ، فإن بداية الديمقراطية ونموها يحتاج إلى ثقافة التسامح.
إن الرجل المتسامح يحتاج إلى فكرة معينة، ولكن اعتراضه يتضاعف ضد قمع هذا الفكرة. ويقوم هذا التسامح على مستوى المجتمع أو الأمة على تفسير للسياسة ومكنونها إضفاء الطابع المؤسسي سداه ولحمته الدفاع عن الحريات المدنية والدينية بإعتبارها إحدى المهام الرئيسية للحكومة. ويعتمد هذا التفسير للسياسة على فرضية أن مواطني المجتمعات البشرية لديهم تباينات في الرأي والمصالح والأذواق والإعتداد بالرأي، وهذه التباينات موجودة بدرجات متفاوتة وثابتة وحتمية، ولم يكن من الممكن تجنبها طوال التاريخ المدون للبشر، ولكن مع توسع الطبقات الوسطى وتحديث الاقتصاد والثقافة أصبحت أكثر تعقيداً. لا يعتبر المنظرون إن المواجهات بين أصحاب الرأي حتمية ويعتقدون أن التعاقب التاريخي أو الوحي الإلهي يمكن أن يوجه البشر في بناء المدينة الفاضلة. ولكن لم يجر بناء مثل هذه المدينة الفاضلة على الأرض في السابق ولا الآن. فمتى ما يستلم دعاة المدينة الفاضلة السلطة حتى يستشري العنف والفساد وانتهاك الحريات المدنية وحرية الإعتقاد. وغني عن القول، فحتى في أكثر الديمقراطيات ازدهاراً ، هناك أوجه قصور مستمرة، فإستياء الناس من أداء حكامهم هو أمر دائم إلى حد ما. ومع ذلك ، فإن النظام الديمقراطي المعيوب والناقص لا ينافسه أي نظام آخر في سجله الحافل في كسب الرضا النسبي لأفراد المجتمع. ووفقاً لوينستون تشرشل :” الديمقراطية هي أسوأ نوع من أنواع الحكومة ، باستثناء كل الأنواع الأخرى التي تم اختبارها عبر التاريخ”.
إذا قمنا بتشخيص سلوك الأحزاب والجماعات والقادة السياسيين الإيرانيين منذ الثورة الدستورية عام 1905 والنشطاء السياسيين في الخارج في السنوات الستين الماضية كمعيار، فيمكننا القول إن المصالحة والتحالف لم يلعبا دوراً مهماً في رؤيتهم وأدائهم، بينما سادت النزعة الطائفية والإنشقاق والمطلق والسعي لحذف المنافسين وتهميشهم بحيث أصبح هو السلوك الشائع. وهذا ما أدى إلى الإفلاس الأخلاقي والمعنوي والسياسي والإقتصادي للإسلام السياسي خلال العقود الأربعة الماضية، وكشف التاريخ سراب قِبلة موسكو وبكين وألبانيا وكوبا الواقعية، وأصبح الدفاع عن حقوق الإنسان في المجتمع الإيراني شعاراً مقبولاً، لكن هذا التحول الواعد لم يتحول إلى مصالحة وأئتلاف ولم يحقق نتائج ملموسة. خلال هذه السنوات، حلل المعارضون والنشطاء المؤيدون للديمقراطية الطبيعة الاستبدادية والثقافية لولاية الفقيه، لكن هذه الأدبيات الرائعة لم يكن لها تأثير كافٍ لتعزيز السلوك الديمقراطي واحترام التعددية بين النشطاء الإيرانيين. ولا تقتصر المنافسة المدنية على قبول فكرة الديمقراطية، بل على دمج التعددية في خطابنا وسلوكنا وعواطفنا الملموسة التي تسهل نمو المجتمع المدني.
داخل البلاد ، المواجهة بين الطغاة وأنصارالحرية والعدالة آخذة في الاتساع، ويعد الدور غير المسبوق للمرأة في هذا النضال ملهماً، لكن تعسف ولاية الفقيه تمنعهم من اتخاذ إجراءات لتشكيل ائتلاف. فلماذا لا يستطيع المعارضون والنشطاء السياسيون في الخارج تأسيس مثل هذه التحالفات؟ في البلدان الاستبدادية، حيث تناضل مجموعات مختلفة تحت راية الليبرالية والديمقراطية، فإن المعيار المنطقي لفهم البديل الذي تقدمه كل مجموعة للحكومة هو السلوك الداخلي لتلك المجموعة مع أعضائها وعلاقاتها مع الجماعات المتنافسة. إن مأساة الثورة الإيرانية مثال على الحقيقة التاريخية المريرة التي تقول إن معارضة النظام الاستبدادي ليست بالضرورة معارضة للإستبداد. وتدور الشكوك حول الأفراد والجماعات الإيرانية الذين يعتبرون أنفسهم مناهضين لولاية الفقيه، وحول دوافعهم في التعامل مع المنافسين ويتهمون بالخداع وإنهم سيضطهدون منتقديهم ومعارضيهم إذا ما وصلوا إلى سدة الحكم.
أقنعت التطورات العالمية ومأساة ولاية الفقيه أقساماً مهمة من النشطاء السياسيين داخل وخارج البلاد بأن مستقبل الحضارة السياسية والعدالة الاجتماعية في إيران يعتمد على إرساء قواعد جمهورية ديمقراطية تدافع عن حقوق الإنسان. ويجب أن يعلمنا المنطق والخبرة التاريخية أن الشرط المسبق لتحقيق هذا الحلم يتطلب تشكيل منظمة ائتلافية إيجابية. وقد تختلف المواقف والبرامج الاقتصادية والثقافية والسياسة الخارجية لهذه الجماعات والأفراد، ولكن أهدافهم وأولوياتهم المشتركة هي الدفاع عن القيم المدنية والمساواة بين الرجال والنساء والفصل بين الدين والدولة واستقلال القضاء واحترام الخصوم السياسيين وعدم التدخل في الشؤون الخاصة للأفراد. إن التحالف السلبي الذي يقتصر هدفه على المعارضة أو النضال ضد الوضع الراهن سيصبح عاجلاً أم آجلاً مجالاً لإرساء قاعدة وأساس لإستبداد آخر. فالتحالف الضمني للإيرانيين ضد نظام الشاه شأنه في ذلك تحالفات “الربيع العربي” أديا بمجموعهما إلى نتائج سلبية وكارثية. وغني عن القول أن مكان إنشاء مثل هذه المنظمة التحالفية المعنية هو في داخل البلاد، لكن وحشية ولاية الفقيه لا تسمح للمناضلين في الداخل القيام بذلك. في حين يتمتع أنصار الجمهورية الديمقراطية وحقوق الإنسان في الخارج بالحرية والأمن والموارد المادية لتشكيل ائتلاف إيجابي. فمن المهم أن نثبت أنه من الممكن إنشاء هذا التحالف الفريد وغير المسبوق وإضفاء الطابع المؤسسي عليه.
يتطلب التخطيط للتحرك نحو هذا الهدف مجموعة من المتطوعين الذي يتكون أعضاؤه من الذكور والإناث. وبمساعدة الخبراء ، يمكن لهذه المجموعة اختيار اسم لهذه المنظمة وإعداد ميثاقها. ثم تدعوا المجموعة المتطوعة الإيرانيين المهتمين الذين يعيشون في الخارج ليصبحوا أعضاء في المنظمة من خلال تقديم ميثاق المنظمة عبر وسائل الإعلام. ويتعهد الأعضاء بدفع رسوم عضوية سنوية، وعندما يصل عدد الأعضاء الملتزمين إلى حوالي 5000 وجميعهم قد دفعوا مستحقاتهم، تدعو المجموعة المتطوعة الأعضاء لترشيح مرشح لمجلس الأمناء.
حاليا ً، يدعم الناشطون السياسيون في مدن مختلفة في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا وأستراليا مطلب الجمهورية الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن جهودهم محدودة لأن أنشطتهم الرائعة ليس لها أي أواصر تنظيمية ولا يربطها أي هدف عملي مشترك. يجب أن يتمتع البديل الديمقراطي للإطاحة بولاية الفقيه بالمصداقية الوطنية والدولية. يمكن أن يكون تشكيل الائتلاف المعني وانتخاب مجلس أمنائه بتصويت الأعضاء خطوة كبيرة نحو التعرف على مصداقية وشرعية المنظمة واكتسابها المكانة على المستويين الوطني والدولي. ومن المؤمل أن يتطوع الأعضاء ذوو الخبرة في المجموعات الصغيرة التي تدعم الجمهورية الديمقراطية وحقوق الإنسان لتشكيل المنظمة الائتلافية المقترحة.
كما يمكن للمجموعة التطوعية الاستفادة من دعم مواطنين سياسيين وفنيين وثقافيين وعلماء معروفين في إعداد ميثاق المنظمة والدعاية لجذب الأعضاء. ويجب أن يكون لمجلس الأمناء عدد متساوٍ من الذكور والإناث الذين يشاركون وجهات نظر التحالف. ويتم انتخاب أعضاء مجلس الأمناء لمدة عام أو عامين ويحق لهم إعادة انتخابهم مرة واحدة فقط. ولن يرشح أعضاء المجموعة التطوعية في الانتخابات الأولى وسيصبحون أعضاء عاديين في المنظمة بعد انتخاب مجلس الأمناء. ويجب ألا يتلقى التحالف مساعدة مالية من أي حكومة أو كيان تابع للحكومة. ويقوم مجلس الأمناء بتعيين موظفين تنفيذيين لإدارة موقع المنظمة على الإنترنت.
ومن المأمل أن ندرك أهمية إنشاء تحالف ديمقراطي لحقوق الإنسان بعد ستين عاماً من الأنشطة المتفرقة والطائفية على الأغلب في الخارج. ولا يدعي هذا التحالف أنه قائد القوى المناهضة للنظام ولا يعتبر أنه يتمتع بأية مزايا سياسية. ويمكن لأعضائه اليساريين والليبراليين والوطنيين أن ينشطوا في أحزابهم أو جماعتهم ويعتبرون التحالف حليفهم السياسي. إن أحد التحديات الرئيسية لمجلس الأمناء هو التواصل مع الجماعات والأفراد الذين يدعمون منظمات التحالف داخل البلد، وإذا لزم الأمر، اتخاذ مواقف مشتركة معهم. إذا كان حلمنا بإجراء انتخابات حرة للجمعية التأسيسية في إيران مجرد حلم، ولن تتمكن أي من الجماعات المؤيدة للديمقراطية وحقوق الإنسان وحدها من دعم أغلبية الناخبين، فإن تحالفهم واتفاقهم على المرشحين المشتركين سيقدم خياراً جذاباً وواعداً. ويجب على مجموعة المتطوعين إعداد النظام الأساسي الأولي للمنظمة وترك الصيغة النهائية لمجلس الأمناء المنتخبين.
ويبدو أن الإشارة إلى المبادئ التالية سيكون مفيدًا للنظام الأساسي:
1- تبدأ المنظمة العمل عندما يقبل خمسة آلاف شخص على الأقل (من بين أكثر من 7 ملايين إيراني يعيشون في الخارج) عضويتها ويلتزمون بدفع رسوم العضوية.
2. يتم انتخاب مجلس الأمناء (5 إلى 7 أشخاص) بأغلبية أصوات الأعضاء.
3. يوظف مجلس الأمناء اثنين من المديرين التنفيذيين لإطلاق موقع المنظمة وقضاء 20 ساعة كل أسبوع في إدارة الموقع وجمع المواد اللازمة لذلك.
4. يحدد النظام الأساسي واجبات مجلس الأمناء والمديرين التنفيذيين.
5. يقوم المديرون التنفيذيون بواجباتهم تحت إشراف وتوجيه مجلس الأمناء.
6. يدعو مجلس الأمناء الكتاب والفنانين والناشطين السياسيين وغيرهم من المواطنين المهتمين لتقديم مقالات وترجمات حول أهمية منظمة ائتلافية لإيران المستقبل وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان والسلوك الديمقراطي على موقع المنظمة على الإنترنت.
إن التشوهات السلوكية والعوائق التي تحول دون التسامح في التعامل مع المنافسين الفرديين والحزبيين هي متجذرة في الثقافة السياسية خلال قرون من العيش في ظل الطغيان. لذلك ، فإن السلوك الديمقراطي بالنسبة لنا نحن الإيرانيين، أي قبول التعددية واحترام نظريات الخصوم وانتقاداتهم ، يتطلب التسامح والسيطرة على العادات والمشاعر النفسية والتاريخية. إن أهم نقطة يجب على الإيرانيين الذين يتطلعون إلى الديمقراطية والتعددية أن ينتبهوا إليها هي أن العقبات التي تعترض نمو الديمقراطية في بلدنا لا تقتصر على هيمنة الاستبداد، ولكن الثقافة السياسية للبلاد هي التي يجب أن تتخلص من تقاليد الاستبداد الطويلة الأمد. وهي ثقافة تتعارض مع تنوع الرؤى والتحليل والتسامح وتؤثر على سلوك وأفعال العديد من النشطاء السياسيين الإيرانيين.
ويجب ألا تقتصر المواجهة الهادفة مع خصوم الديمقراطية على انتقاد الأفراد أو الجماعات المنافسة فحسب، بل يجب أن يكون هناك على جدول أعمال جميع أنصار الحرية نقد ذاتي وتفسير تاريخي للقضية. وفي إيران، التي لديها تاريخ حافل من الاستبداد منذ 3000 عام، فليس من المستغرب أن تبتلي الثقافة السياسية بعقلية وسلوك أطراف لا تتفق مع قيم التسامح وحق الشعب في المشاركة في إدارة الشؤون العامة. ففي الذاكرة الحية لمحمد مختاري(1942-1998، شاعر وكاتب وناقد ومترجم وعضو إحاد الكتاب الإيرانيين،جرى إختطافه أمام منزله في السادس من كانون الأول عام 1998 وجرى تصفيته هو والعديد من المثقفين الإيرانيين بما عرف آنذاك بالقتل المتسلسل للنخب السياسية والثقافية- ع.ح.)، في كتابه “ممارسة التسامح” ، الذي يتضمن عشرين مقالة حول إعادة قراءة الثقافة، يشير إلى أن أدبنا القديم “هو بلورة للمعتقدات والقيم والمعايير والميول لثقافتنا القديمة … لقد تحدثنا كثيراً عن هذا الأدب والاحتفاء به وعن غناه. بالطبع ، كناعلى حق. ولكن الضرورات الحالية المحيطة بمصير وطننا تجبرنا على فتح أعيننا على حدوده وكذلك على حدود ثقافتنا بأكملها”. (تاريخ الطبعة الثانية من كتاب مختاري عام 1998، أي قبل عام من اغتياله الوحشي من قبل مسؤولي ولاية الفقيه).
ويخلص مختاري ، من خلال البحث في المؤلفات القديمة للأدب الإيراني ، إلى استنتاج مفاده أن معظم مفكريننا، سواء أكانوا من الصوفيين المفتونين أو من علماء الأخلاق أو من الأدباء المشهورين أو شعراء الأغاني، يشبهون العلاقة بين الناس والحكم بالعلاقة بين الرعاة والقطعان. وبحسب مختاري ، “إن كل من فردوسي و بيهقي و ابن سينا ​​والغزالي وسعدي ونظامي وصائب ، إلخ. لم يبتعدوا بشكل هيكلي عن هذه الطريقة والقيم تبعاً لميولهم وتوازنهم الحكيم. ولا يمكن إعفاء سنائي وعطار والرومي والعراقي وحافظ … إلخ حيث لم يقفوا على بعد من هذا النفوذ وتركوا عالمهم الرومانسي المثير للإشمئزاز “.
ويورد مختاري أمثلة متنوعة من الآثار الأدبية والأمثال القديمة وأحكام الفقيد علي أكبر دهخدا التي توضح أن النصيحة والموعظة للشعراء والمفكرين في إيران القديمة لمواطنيهم هي ثقافة الطاعة وتزكية الفرد، ومن النادر الحديث عن حقوق الإنسان أو مسؤولية الحكام تجاه المجتمع. والدين الرسمي في بلادنا يوعظ بالطاعة ، وأصبحنا نوعظ بقيم الطاعة واللعنة والتهديد لكل من يدين بدين آخر.
إن استعارة القطيع والراعي هو مثال جيد لثقافة الحاكم والرعية. ورغم أننا نلاحظ فيها قدر من الاحتجاج ضد الاضطهاد وسوء استخدام السلطة في هذه العلاقة، إلاّ أنه كان شكلاً من أشكال الاحتجاج الصوفية الذي ينطلق من موقف أخلاقي وروحي، وعادة ما يؤدي إلى الإنكفاء والعزلة والسلبية السياسية، أو أن الاحتجاج يكون ذا رد فعل عصبي ومفاجئ ولا يدوم طويلاً ثم العودة إلى الطاعة. إن إحدى نتائج ثقافة الراعي والقطيع هي تصوير النقاد السياسيين كأعداء. وفي مثل هذه الثقافة، يُفهم إن صناعة السياسات ما هي إلاّ فن حذف المنافس بدلاً من فن جذبه والمصالحة والتوافق معه. ويتم استخدام كلمة “التوافق” لتوجيه الإهانة للمنافس، وليس لإيجاد أرضية مشتركة لحل مشاكل المجتمع.
في تاريخ إيران ، هناك أفراد ومجموعات إصلاحية بذلتجهوداً قيمة كي يقوم النظام السياسي على القوانين، لكن تركيب السلطة والثقافة العشائرية التي حكمت المجتمع لم تسمح لهم بالنجاح. إن التركيز على الحواجز الثقافية أو الذاتية لا يعني التقليل من العوامل المادية والطبقية والعقائدية، بل التركيز على العوامل التي تهيمن على المجتمع ككل والذي لا يمكن أن تقتصر عواقبه على تصرفات أولئك الذين هم في السلطة.
بعد قرن كامل من السعي والنضال للتحرر من الاستبداد والتوسع الملحوظ في المعرفة والعلوم، تفوق استبداد ولاية الفقيه على الاستبداد الشاهنشاهي. و يمكننا القول وبجرأة أن الأرضية الموضوعية والذاتية للثقافة المتسامحة في المجتمع الإيراني قد تم تعزيزها. وسيتحقق هذا التحول الواعد إذا أظهر المواطنون الذين ينتقدون ويعارضون الاستبداد الحاكم التزامهم بالتعددية والتسامح في السلوك والعمل الملموس والمحدد الجماعي والفردي، وليس فقط في المناقشات النظرية والمجردة. إن التحرر من مخلب التعصب والمحرمات التي لها جذور عميقة في في الثقافة السياسية في بلادنا مما يحتاج إلى النقد المستمر الداخلي.. وهناك نقطة أخرى مهمة يجب وضعها في الاعتبار في هذا الصدد هي أنه وفقاً للبحوث التطبيقية، فإن عملية التحررمن عادات وتعصب الثقافة العشائرية هي عملية تدريجية ولا تنجز بين ليلة وضحاها. ويعتبرالتحليل والتفسير والإبداع النظري ذي قيمة وأهمية، وليس لدى المثقفين الإيرانيين أي نقص في هذا الصدد، ولكن العمل الفكري لا يشكل بديلاً عن السلوك والأفعال المتسامحة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* منصور فرهنگ استاد و دیبلوماسي ايراني سابق . عمل ممثلاً لإيران في الأمم المتحدة في الفترة بين عامي 1979-1980، واستقال من منصبه بعد احتلال السفارة الأمريكية في طهران. حصل على شهادة العلوم السياسية من جامعة أريزونا، وعلى شهادة الدكتوراه من جامعة كلرمانت، ويعمل الآن أستاذاً في كلية بنینگتن. وقام قبلئذ بالتدريس في جامعة سكرمنتو في كاليفورنياافي عقد السبعينيات من القرن الماضي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here