كرة الانتخابات المبكرة ”النزيهة“ في ساحة مجلس النواب العراقي

ساهر عريبي

ألقى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي كرة الانتخابات النيابية المبكرة في ساحة البرلمان, موفيا بوعده الذي قطعه للشعب العراقي في خطاب تسنمه لمنصبه, بعد تزايد المطالب الشعبية بحل البرلمان وتشكيل حكومة جديدة وفقا للمعادلة الجديدة التي فرضتها أنتفاضة تشرين التي اطاحت بحكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي, التي قمعت الاحتجاجات الجماهيرية المطالبة بالإصلاحات بكل قسوة, مخلفة أكثر من 500 قتيل وآلاف الجرحى في صفوف المتظاهرين, بحسب بيانات مفوضية حقوق الإنسان وبحسب النتائج التي توصلت لها لجنة التحقيق التي شكلها رئيس الوزراء العراقي الجديد.

فاجأ الكاظمي المراقبين والشعب بإعلانه هذا وسط تشكيك بأدائه وبمدى قدرته على تنفيذ الوعود التي قطعها, بالرغم من أنه عمل بالممكن خلال الثلاثة شهور الأخيرة, وأقدم على خطوات جريئة في طريق إعادة هيبة الدولة وسيادة القانون, وسط بلاد يحكمها السلاح ويغيب فيها القضاء العادل ويتفشى فيها الفساد, وتتغول في مؤسساتها مافيات الأحزاب التي تسعى للحفاظ على مكاسبها ومواقعها في العملية السياسية فضلا عن التدخلات الخارجية التي تنتهك السيادة العراقية.

إلا ان هذا الإعلان لا يبدو كافيا ومطمئنا, لكنه على أقل التقادير يبدو مبرئا لساحة رئيس الوزراء أمام الشعب العراقي من مسؤولية أي تأخير أو عرقلة لإجراء الانتخابات. فمن بيده حل مجلس النواب هو مجلس النواب نفسه كما نصت على ذلك المادة 64 من الدستور التي رهنت بفقرتها الأولى حل البرلمان بتصويت الأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلب من ثلث أعضائه، أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية, وحينها يدعو رئيس الجمهورية، عند حل مجلس النواب، إلى انتخابات عامة في البلاد خلال مدة أقصاها ستون يوماً من تاريخ الحل.

ولذلك وبحسب الدستور فإن إجراء الانتخابات المبكرة في الموعد الذي حدده الكاظمي يتطلب أن يحل مجلس النواب نفسه في موعد أقصاه 6 أبريل/ نيسان من العام المقبل, وهذا يعني أن أمام المجلس مهلة ثمانية شهور لتهيئة مستلزمات إجراء الانتخابات في ذلك الموعد. اهم تلك المستلزمات هي تمرير قانون الانتخابات التشريعية وحسم موضوع الدوائر المتعددة, وحل إشكالية المحكمة الاتحادية الغير مكتملة النصاب حاليا التي لابد من مصادقتها على نتائج الانتخابات كي تكتسب الأخيرة شرعيتها, والتخصيصات المالية اللازمة لإجراء الانتخابات, وتشكيل مفوضية انتخابات جديدة تتولى تأمين إجراءها لوجستيا.

لا شك ان هناك شكوكا في إمكانية تهيئة البرلمان لهذه المقدمات اللازمة لإجراء الانتخابات, بالرغم من ترحيب عدد من القوى السياسية بإعلان الكاظمي وفي مقدمتها تيار الحكمة الذي يترأسه السيد عمار الحكيم وائتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي, وتحالف الفتح وكتلة صادقون التابعة لجماعة عصائب أهل الحق, وكذلك رئيس البرلمان محمد الحلبوسي الذي ذهب بعيدا إلى حد المطالبة بإجراء الانتخابات في موعد أقرب من 6 حزيران.

وكان اللافت هو موقف رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي الذي كتب تغريدات ذكّر فيها بالمسار الدستوري لحل البرلمان , لكن تغريداته خلت من أي ترحيب بالانتخابات المبكرة. فيما غاب موقف الكتل الكردية. عضو لجنة الامن والدفاع النيابية، النائب محمد الكربولي، أكد من جانبه تأييده لإجراء الانتخابات واضعا عدة شروط من بينها نجاح رئيس الوزراء في إعادة المهجرين الى مناطقهم وإطلاق التعويضات لبناء بيوتهم.

وفي ظل هذه الشروط والمقدمات لاتبدو أن لغة التفاؤل ستطغى على المشهد العراقي بإمكانية أجراء الانتخابات في الموعد الذي حدده رئيس الوزراء. فجميع الملفات التي يختص بها المجلس تخضع للتجاذبات السياسية وللمساومات والمناكفات بين الكتل السياسية ولن يتم تمريرها إلا عبر صفقة واحدة تلبي مطالب الكتل النافذة, وهذا يعني العودة إلى المربع الأول , اي مربّع مراوحة البلاد في ذات الدوامة التي تكرس هيمنة الكتل السياسية الحالية على المشهد العراقي وتداعيات ذلك من استمرار تدهور الأوضاع الخدمية وغياب مشاريع الاعمار وتواصل مسلسل الفساد وقمع الأصوات والتفريط بالسيادة وتعطيل مشروع بناء دولة المؤسسات.

ولو فرضنا ان الكتل السياسية وفّرت متطلبات إجراء انتخابات نيابية في الموعد الذي حدده رئيس الوزراء أو في موعد أقرب منه كما يريد رئيس البرلمان, فهل إن المطلوب هو مجرد إجراء تلك الانتخابات بلا قيد أو شرط؟ أم أن المطلوب هو إجراء إنتخابات نيابية نزيهة ومبكرة؟ فالمطالب الشعبية بتصويت مبكر تهدف إلى تغيير الواقع السياسي وهذا لن يتحقق إلا بإضافة قيد وهو إجراء انتخابات حرة ونزيهة ومتكافئة بعيدا عن لغة التهديد, وعن تسخير موارد الدولة الإعلامية والاقتصادية, وبعيدا عن استخدام مال الفساد السياسي للتأثير على الناخبين.

فالقوى المتنفذة اليوم تمتلك المال والسلاح ووسائل الاعلام والنفوذ والدعم الخارجي, وهي قادرة على تحقيق فوز بالانتخابات يعيد تكرار ذات المشهد الحالي, في ظل غياب القوانين التي تلجم هذه الكتل, وأول تلك القوانين هو قانون الأحزاب الذي يحدد مصادر تمويلها, فأصابع الاتهام توجه اليوم إلى المكتب الاقتصادية للاحزاب التي تسخر الوزارات التابعة لها لتمويلها عبر العقود التي يشوبها الفساد. كما ان الكثير من القوى تستخدم ورقة الدين او الورقة الطائفية أو القومية لأجل تحقيق مكاسب انتخابية مع قناعة الكثيرين بان هذه القوى تصب جل اهتمامها على مصالحها الحزبية ونفوذها وانها تسخر تلك الأوراق لخداع الناخبين. ولذلك فإن المطلوب هو إجراء انتخابات نزيهة وليست مجرد انتخابات مبكرة تعيد تدوير هذه القوى المهيمنة على مفاصل السلطة.

فهذه القوى مطالبة بالكشف عن مصادر تمويلها مع تحديد سقف لنفقاتها على الدعاية الانتخابية, ومحاسبة كل كتلة تخرق لوائح تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة ومتكافئة, وهذا يتطلب فتح ملفات الفساد الكبيرة التي تفوت على رموز الفساد في البلاد البقاء في المشهد السياسي, وألا تجري الانتخابات تحت تهديد السلاح, الذي أثبت أنه خطر على البلاد ومستقبلها خاصة وانه لايراعي حرمة أي إنسان بل يلجأ إلى قتل ليس معارضيه فحسب بل كل من يخالفه بالرأي, وأخيرا منع أي تدخل دولي خارجي في الانتخابات وان تجرى الانتخابات تحت إشراف أممي.

شروط تبدو حيوية لإجراء انتخابات نزيهة وبغيرها لافائدة ترجى من إجراء انتخابات مبكرة على مقاسات الكتل المتنفذة, ولن يشكل إجراؤها إنجازا لرئيس الوزراء وتبرئة لذمته, بل هو مطالب في حال تلكؤ الكتل وتملصها من إجراء انتخابات مبكرة نزيهة ان يضع النقاط على الحروف بأن يكشف للشعب العراقي المستور بتحديد الكتل والجهات التي تعرقل ذلك, وأن يقدم استقالته, تاركا الأمر للشعب الذي بيده مفاتيح التغيير فلم يعد هناك متسع من الوقت في ظل معادلات وتطورات إقليمية ودولية وأوضاع اقتصادية قلقة, لتراجع العراق المهول على مختلف الصعد, إذ تتطلب مواجهة هذه التحديات بناء دولة القانون التي تنهض بالعراق من كبوته قبل فوات الأوان.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here