قيم الإنسانية أعمق فهما و أوسع احتضانا من الإحساس الديني

بقلم مهدي قاسم

قبل سقوط النظام السابق وباقي النظم العربية لم يكن أحدا يهتم بالإسلام أو بالإسلاميين في الأوساط الاجتماعية والثقافية والسياسية ، لا سلبا ولا إيجابا ، وخاصة في الأحاديث العامة أو الخاصة إنما كانت تجري عملية التركيز على أحزاب قومية حاكمة أو يسارية نشطة ، إلى أن استلم الإسلاميون السياسيون الحكم في بلدان عربية عديدة من ضمنها العراق فرأينا كيف سرقوا ونهبوا وخربوا وأهملوا سببوا معاناة رهيبة وفظيعة لأغلب المواطنين ، دون أن ينجحوا بأي شيئ ماعدا في مهارة اللصوصية والسرقات !، وكان سلوكهم أقرب إلى سلوك غزاة مغول و تتار ــ على صعيد نهب وتخريب ــ مما إلى سلوك مواطن عراقي صاحب ضمير حي و حريص نزيه ، وقد فعلوا وارتكبوا كل ذلك باسم الدين والمذهب ، وكانوا عبارة عن عشرات أحزاب دينية ومذهبية مع كثير من فروع ودكاكين طائفية وقياديين وقواعد جماهيرية ، وهو الأمر الذي دفع الكثيرين إلى الشك بإسلامية هؤلاء وأولئك و كذلك التفكير بحقيقة الدين الإسلامي الذي تستند عليه أدبياتهم السياسية سلوكا ومنهجا وممارسة .

لماذا أقول كل هذا ؟ ..

لأنه عما قليل سيمضي أربعون عاما على إقامتي و عيشي في الغرب لم التق طيلة هذا الوقت الطويل مع أحد إثار معي أو مع غيري مسألة الإلحاد أو التدّين ولا سمعتُ إثارتها في جرائد أو برامج تلفزيونية و ذلك لسبب بسيط إلا وهو :

ـــ إن المجتمعات الأوروبية المتحضرة والمتقدمة حقا وعن أصالة فعلا ، تحترم كلا الحالتين معتبرة أنها من حق المرء أن يكون متدينا مؤمنا أو علمانيا و ملحدا، ولكن بشرط ، وعلى أساس احترام متبادل لجميع القناعات غير المتطرفة أو الداعية إلى العنف والإرهاب والعدوانية ..

ولكن في مقابل ذلك لا يمر يوم دون أن نلتقي سواء في مواقع ــ من ضمنها موقع صوت العراق ــ إثارة مسألة الإلحاد من قبل الإسلاميين والدعوة المتواصلة إلى مواجهتها ، بذريعة أنها ــ أي ظاهرة الإلحاد المنتشرة ــ تهدد أركان الدين الإسلامي !! ، وتضعفه وبالتالي تحتم ضرورة التصدي لها ، طبعا ، هنا لا نحتاج إلى حدس كبير لمعرفة طبيعة هذا “التصدي ” والتي تعني الذبح على الطريقة الداعشية ــ التكفيرية ــ أو القتل والاغتيال على الطريقة الميليشياوية ــ الخمينية الولائية ــ وذلك بناء على أساس أن الملحد مرتد وإن الدين الإسلامي قد استباح سفك دمه ، مثلما لاحظنا وشاهدنا ذلك مرارا في العراق في مشاهد قطع رؤوس جماعية مروعة أو عبرإعدامات فورية وميدانية ..

والمثير أن كثيرا من هؤلاء الذين يثيرون بين وقت و آخر مسألة ظاهرة الإلحاد ويدعون إلى مواجهة العلمانيين والملحدين ، يعيشون في دول غربية التي توّفر لهم الحماية والعيش الرغيد وممارسة الطقوس الدينية والمذهبية بكل راحة واطمئنان ، دون أن تهتم أو تُمّيز بين دين هذا أو مذهب ذاك ، ولا أن تخشى على قيمها أو أديان مواطنيها من الزحف الإسلامي عبر موجات اللجوء والهجرة المتواصلة والهائلة برا وبحرا وجوا حتى هذه اللحظة !َ ..

نقول لا تخشى هذه الحكومات الغربية ، لأنها متأكدة من صحة وإنسانية قيمها الحضارية القائمة والسائدة على عكس من هؤلاء المسلمين أو الإسلاميين الذين يخشون على دينهم حتى في قعر وطنهم !! ، ربما لشعور كم ضعيف هذا الدين بحيث يمكن التخلي عنه و تركه بكل بساطة غير مأسوف عليه في أول هزات أو تجليات روحية عميقة وتفكير رصين ورؤية منطقية سليمة لحقيقة هذا الدين الذي أثبت بأنه في جوهره لا يعدو أن يكون أكثر من مجرد عقيدة أو أيديولوجية سياسية تسعى إلى إقامة نظام سياسي وفقا لمبادئه المعلنة ، طبعا بوسائل عنف و عدوان و غزوات سبي وغنائم ، ولا داعي للدخول في تفاصيل مفصلة منذ الغزوات الأولى للانتشار والتوسع خارج مناطق القريش و غزو عشرات بلدان قريبة و بعيدة وإجبارها على الإسلمة بحد السيف وسبي النساء و سلب الغنائم أو دفع الجزية في أفضل الأحوال ..

و يبقى أن نقول :

ـــ إن الإنسانية التي تقوم عليها أسس العلمانية هي نهج عام وذات قيم محايدة ومستقلة لا تتأثر بميول عقائدية أو دينية ولا تنحاز لهذه الجهة أم لتلك ، بينما الدين نهج شخصي وغالبا ما ينحاز إلى جانب الظالم المنتمي إليه دينيا أو مذهبيا و حتى فئويا ، إذ حسب النهج الإسلامي يجب القبول بحاكم مسلم حتى لو كان ظالما و فاسدا !!..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here