الميليشيات وتبعاتها وتاريخها وخصوصية انتماءاتهم في العراق

الميليشيات وتبعاتها وتاريخها وخصوصية انتماءاتهم في العراق

أ.د.سلمان لطيف الياسري

يشير مصطلح “ميليشيا” إلى الجماعات المسلحة التي تقاتل لصالح أو كجزء من الحكومة ذات الأغلبية الشيعية، أكثر من الجماعات السنية التي تقاتل ضد الحكومة ويشير إليهم بصفة عامة باسم “أفراد المقاومة”. عندما تطلق كلمة مليشيا يتبادر إلى الذهن حالا صورة القتل والارهاب خصوصاً وأن تاريخ العراق القديم والحديث عرف هذا النوع من مجاميع القتل التي أطلق عليها اليوم اسم المليشيات كالحرس القومي والمقاومة الشعبية والجيش الشعبي… الخ، وكان شعارها سابقاً حفظ النظام الدكتاتوري، واليوم اسقاط النظام الدستوري بالاضافة الى اتباعها اسلوبا آخر وهو اشاعة الفوضى والغدر والقتل. وذاكرة المواطن العراقي لن تنسى تلك الأيام العصيبة حين أجهزت بعض من تلك الجماعات المسلحة على مدن معروفة لتدب الفوضى الشاملة فيها وتتعطل كل صور الحياة فمارست عمليات القتل العشوائي والاعتقال الكيفي، كما حصل في الموصل وبغداد وغيرهما من المدن، وكالعمليات الثأرية بين الشيوعيين والبعثيين أو ماحصل في كربلاء والنجف سنة 1977 والانتفاضة الشعبية بعد هزيمة صدام حسين من الكويت. عدد المليشيات والمجاميع المسلحة في العراق الآن غير محدد وكذلك حجمها وقدراتها القتالية ومدى تسليحها ومصادر تمويلها وأهدافها وهوية قادتها وأعضائها، لكن بإمكاننا أن نخمن ذلك، وقد نصيب أو نخطئ في أي تخمين.
ووسائل الاعلام وصفت حتى المجاميع التي ذكرها القانون 91 الخاص بحل المليشيات بانها مجاميع ارهابية مسلحة متناسيا بان هناك جهات كثيرة رفعت السلاح بوجه النظام الصدامي الدكتاتوري حددها الامر المذكور الصادر في 7 – 6 – 2004 واطلق عليها صفة قانونية كقوات بدر التابعة للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية او البيشمركة التابعة للحزبين الكرديين بزعامة الطالباني والبرزاني والحديث مركز عن هذه القوتين ويضاف اليها كذلك جيش المهدي (غير مشمول بالقانون 91) كونها اكبر القوى الفاعلة على الساحة العراقية ويدور الحديث حولها بالاضافة الى مجموعات اخرى لا تذكر عند الحديث عن جرائم المليشيات او عند التطرق الى حلها وكأنها منسية او اندثرت مثل مليشيا الحزب الاسلامي وحزب المؤتمر وحزب الوفاق التابع لاياد علاوي والحزب الشيوعي بالاضافة الى حزب الله ومليشيا حزب الدعوة الاسلامية ، حتى ان المواطن نسيها.

هذه الميليشيات تقوم بأعمال متفاوتة، فمنها من اعلن اعتزاله او تحوله للمجال المدني وبعضها الاخر تفرغ لحماية بعض الساسة المهددين بالتصفية الجسدية وكذلك توفير الأمن في مناطق معينة من البلاد بصورة رئيسية كالمنطقة الشمالية او مناطق يضعف فيها وجود أجهزة الدولة الفاعلة، وعموما فان موقفها القانوني مبهم ويسوده الغيوم. والبعض الآخر من المليشيات او المجاميع المسلحة لها وجود غير قانوني وغير مشروع، ولها نشاطات فعالة في ارتكاب جرائم كالتخريب والاختطاف والقتل او التخطيط لها، حتى انها تعلن مسؤوليتها عن بعض هذه الجرائم البشعة. ولكن على العموم لحد هذا اليوم لم تتحدد المسؤولية والواجبات التي تقوم بها هذه المجاميع القانونية وغير القانونية، إن كانت شرعية ام غير شرعية. المليشيا والمليشيات أصبحت من الكلمات المتداولة كثيرا في الساحة السياسية العراقية والاعلامية، ويعتقد بان هذا مصطلح المليشيا المبهم اصبحت له حياة اكبر عند اطلاق استعماله في العراق لانه تتمتع بالمرونة والمطاطية الفضفاضة نتيجة لكثرة هذه المليشيات ولتنوع اهدافها ولاختلاف افكار مرؤوسيهم. والمصطلح يحتاج الى تعريف وتوصيف واضح بالاضافة الى الاخذ بنظر الاعتبار اعمال هذه القوى التي يطلق عليها هذا المصطلح في الماضي والحاضر والمستقبل. وبعد البحث والاستقصاء نجد بان هذه الكلمة من المصطلحات الدخيلة على اللغة العربية التي تمتلك من المطاطية والمرونة بحيث يمكن قولبتها وأدلجتها بالشكل الذي يتطابق مع غاية المستخدم ورغباته وسياساته، والأخطر من ذلك أن هذه المصطلحات لم يرد (لها) تفسير محدد يمكن التعاطي معه بشكل ثابت كما نلاحظ ذلك في الموسوعة البريطانية والامريكية وبقية القواميس والمعاجم الغربية التي تفسر المليشيا بالمقاومة الشعبية او مجاميع الدفاع المدني فقط وكانت توضيحاتها لهذه الكلمة كالآتي:

” مجموعة من الرجال تسجل وتتطوع كجنود، تكون مسؤولَة فقط عن خدمة البلاد ) تحول المفهوم في 1908 إلى قوات الإحتياطية الخاصة ؛ وسمي ثانيةً بالحرس الوطني سنة 1921) الحرس الوطني والإحتياطي التابع لـ (الولايات المتّحدة)؛ أيّ قوة عسكرية تتكون من مدنيين، وليس لها حجم معين او تدريب مهني، في أغلب الأحيان تؤسس عند حالات الطوارئ؛ولها تسميات اخرى مثل: التجنيد العامّ، وقوة إقليمية؛ وقوَّات الخَطّ الثانيِ”. كذلك لم توجد لها صفات محددة وخصائص ثابتة تهتم بتوصيفها ماعدا معاهدة جنيف بخصوص اسرى الحرب الصادرة في اب سنة 1949 والتي اعطت توصيفا واضحا ومهما للمليشيا وللمقاومة والحقوق المترتبة للاسرى عند الحروب والمواجهات. ” فأفراد المليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة، الذين ينتمون إلى أحد أطراف النزاع ويعملون داخل أو خارج إقليمهم، حتى لو كان هذا الإقليم محتلاً، على أن تتوفر الشروط التالية في هذه المليشيات أو الوحدات المتطوعة، بما فيها حركات المقاومة المنظمة المذكورة:

أ – أن يقودها شخص مسئول عن مرؤوسيه،

ب- أن تكون لها شارة مميزة محددة يمكن تمييزها من بعد،

ج‌- أن تحمل الأسلحة جهراً،

د – أن تلتزم في عملياتها بقوانين الحرب وعاداتها”.

وهذا التوصيف والتعريف للمليشيا والمقاومة والاعضاء المتطوعين من اكمل واهم ماوجدته بهذا الموضوع. انتشر استخدام هذا المصطلح في العراق في السياسة والاعلام وكثر الحديث عنه وخصوصا هذه السنة عند الحديث عن الجرائم التي ترتكب بحق العراقيين. ولكن أول من اطلقه في 22 يوليو 2003 هو الجنرال جون أبي زيد قائد القوات الأميركية في العراق فبعد ان حل الجيش العراقي والشرطة ومؤسسات العراق الامنية اعلن عن: (تشكيل مليشيات عراقية مسلحة بديلة لمساعدة القوات الأميركية على محاربة العنف وأعمال التخريب التي يقوم بها فلول النظام العراقي السابق) و”انه سيتم تشكيل ثماني كتائب من (المليشيات العراقية المسلحة) أو (قوات الدفاع المدني) تضم كل كتيبة 850 عنصراً، تتولى القوات الامريكية مسؤولية تدريبها واعدادها”.

وفعلا فان قوات الدفاع المدني او الحرس الوطني في امريكا تسمى بالمليشيات ونجد معنى وسبب هذه التسمية في تعريف المليشيا في الموسوعة الامريكية (انكارتا) .

كان هذا التصريح لجون ابي زيد هو سبب رئيسي في التشهير بمؤسسات الدولة الامنية ولارتباط هذا المصطلح بمفهوم الارهاب ولارتكاب غالبية المليشيات العاملة على الساحة العراقية عمليات الاجرام وانتهاك حقوق الانسان بكل بشاعة، مما انعكس على قوات الشرطة والمغاوير واشيع عنها بانها تصنف مع المليشيات ولا تستحق تسميتها بالاجهزة الامنية والعسكرية رسمية التكوين ويحكمها القانون والدستور، روج لذلك بعض السياسيين ، وكانوا سببا في الولوغ في دماء الشرفاء والمخلصين بالاضافة الى امتناعهم ومعارضتهم عن اسنادها. واطلق هذا المصطلح أيضا بريمر ويعني به المجاميع المسلحة الواردة في الامر رقم 91 الصادر في 7 يوليو 2004 الخاص بحل المليشيات وهي القوات المسلحة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني ولحزب الاتحاد الوطني الكوردستاني”البيشمركة “ بالاضافة الى القوات المسلحة العائدة الى المؤتمر الوطني العراقي وحزب الوفاق العراقي والحزب الاسلامي العراقي وحزب الله العراقي والحزب الشيوعي العراقي وحزب الدعوة العراقي الاسلامي ومنظمة بدر. فالمليشيات المذكورة في هذا الامر هي مجاميع مسلحة قانونية

وأضع تعريفا اوليا لمصطلح المليشيا متضمنا التوصيف والاثر والنتيجة، ربما اكون مصيبا او مخطئا في ذلك : ان الميليشيات : تنظيمات علنية او سرية لها قيادات ظاهرة او غير معروفة ولها منهج سياسي معلن او غير معلن . او هي قوة عسكرية استثنائية او شبه عسكرية، بتجهيز عسكري متواضع، وقوة شبه نظامية، وقد تتخذ لها نظاما اداريا. و تتكون من عناصر او مجاميع غير متجانسة من حيث العمر والفكر والوعي ومهيأة بصورة ما ليجري اعدادها وتدريبها على استخدام الاسلحة التقليدية وبمعنى آخر فان افرادها من القوى الشعبية المدنية، فلا هي ممتهنة او محترفة القتال كليا، وتقتصر على طائفة معينة او عدة طوائف. تنشأ في اوقات استثنائية أو وليدة قوة قاهرة ضمن مرحلة معينة، وتم اعتمادها من قبل بعض الدول التي تنشأ المليشيات وتغدق عليها بل وتتخذ منها القوة التي تلوي فيها ذراع خصومها المحتملين من افراد جيوشها العتيدة كحزب الله في لبنان، او تعمل على التحرر من العبودية والدكتاتورية كالبيشمركة وقوات بدر، وربما تؤسس لها محاكم تقودها كالصومال. وغالبا مايكون لها زي موحد ومميز يميزها عن سواها كاللباس الاسود لبعض المليشيات التي سميت بمليشيات اللباس الاسود ويطلق على جيش المهدي وقد راينا على شاشة التلفاز بان الزرقاوي يلبس اللباس الاسود ايضا والميليشيات أياً تكن اسباب نشأتها فأن مصيرها المؤكد هو الأنتهاء بالحل او الاندماج مع مؤسسات الدولة لفقدان اسباب وجودها الموضوعية ، وسيبقى ايضا الاتفاق على آلية الحل مشكلة رئيسية امام الحكومة. وهذا يختص بالمجاميع المسلحة القانونية . اما غير القانونية فمصيرها المحاكمة المحلية او الدولية وتطبيق قوانين حقوق الانسان الدولية بحقها. اما اسباب ولادتها فربما يكون بسبب ظرف طارئ او استثنائي أو وليد قوة قاهرة، قد تنشأ كمشروع للتحرير الوطني او مقاومة نظام استبدادي ، بالاضافة الى مواجهة التطهير العرقي او الاثني او الوقوف بوجه العصابات المنظمة او هي بذاتها تمثل منظمات اجرامية وتحقق اهداف اجرامية –محلية او عالمية. واخيرا يتم الاعتماد عليها لمؤازرة قياداتها التي ترعاها لبلوغ اهداف سياسية او دينية او اقتصادية او اجتماعية او اجرامية او توسعية او استعمارية.

ونخلص الى القول بان: 1. تعريف المليشيا في العراق تعريف فضفاض يخضع لاعتبارات سياسية واعلامية محليا وخارجيا- عربيا وامريكيا . 2. ان قبول الميليشيات يكون طبيعيا عندما تكون الدولة في مرحلة التأسيس او الضعف لفقدانها القوة العسكرية والامنية الضاربة والمتعددة الأذرع. 3. وعلى من يطلق عليها اسم مليشيا ان تبادر فورا الى رفع هذه الكلمة من قائمة مصطلحاتها والمبادرة الفورية للاتحاد مع بعضها البعض لمواجهة الاخطار والدخول في خدمة الشعب العراقي من خلال مساندة الحكومة المنتخبة والشرعية، لكي يتم عزل الغث من السمين من هذه الماكنات المتخصصة بالقتل. 4. يجب ان تنتظم هذه القوات نحو هدف وطني وانساني اي الحفاظ على امن العراق والمواطن. ولكننا نجد اغلبها لا تعلن عن مشروعها السياسي. 5. عدم ثقة الشعب بالقوات الغير حكومية وبالمليشيات. 6. المليشيات هي التي تصب الوقود لاثارة الحروب الاهلية وتتصارع مع بعضها البعض حول النفوذ والثروات وسرقة النفط والتتصارع على النفوذ وترعى مصالح قوات الاحتلال في العراق من خلال التصارع السياسي والطائفي. 7. الكل متفق بان تواجد المليشيات التي هي اصلا اقوى من القوات الرسمية يؤخر خروج القوات المتعددة الجنسيات او الضغط عليها لجدولة انسحابها، وهذا يؤدي بنا الى التشكيك في نوايا البعض من الساسة وعدم مشروعية منهجهم السياسي. 8. اغلب قادة هذه المليشيات غير معروف كونها قيادات غير قانونية تقوم باعمال خارج القانون والدستور

تشظي مصطلح المليشيا

نجد بان كثرة التسميات التي يطلقها الاعلام على المليشيا يعطي انطباعا عن حقيقة المليشيات كونها منظمات اجرامية هشة ، وتستخدم لاغراض سياسية دنيئة ويقف خلفها الصداميون والسلفيون التكفيريون والاستكبار العالمي

ولكن الاعلام الغربي والعربي والمحلي ميز بين شكلين من أشكال الميليشيات المتواجدة في العراق، منها ماهو ظاهر ، وعلني ، ومعروف ، يعمل في العلن ويُفصح عن مشروعه السياسي – إذا كان يمتلك مشروعا سياسياً. ومنها ماهو سرّي ، وخفي ، وغير معروف ، يعمل في الخفاء ولكنه يعلن عن مشروعه السياسي بواسطة الاعلام وبعض السياسين من الوسطاء او المتورطين. ومنها من يدعي بانه قوة عسكرية منظمة وآخر يدعي بانه قوة شبه عسكرية منها من يدعي حماية الناس ومنها يقوم بقتل الابرياء بالجملة او يدعي بانه يقتل الشيعة لاخراج المحتل … الخ من التخرصات.

وعند البحث عن تعريف المليشيا على صفحات الانترنيت والموسوعات العلمية فكان ان صنفت المليشيا الى انواع منها:

§ المليشيات الحكومية وغير الحكومية ويدخل فيها فرق الموت ومغاوير الداخلية.

§ ميليشيات ملتزمة وغير ملتزمة

§ ميليشيات معلنة واخرى سرية

§ ميليشيات سياسية متطرفة وعنيفة

§ الميليشيات السلبية التخريبية ويقابلها المليشيات الايجابية

§ المليشيات القانونية او الرسمية وغير القانونية او غير الرسمية

§ جماعات او مجاميع سنية مسلحة

§ مليشيات خارج السيطرة ومنها المليشيات الاجرامية

§ المليشيات المزدوجة

§ المليشيات المتقاتلة

§ مليشيات شيعية او طائفية

§ الجماعات المسلحة الأجنبية

§ الميليشيات والعصابات المسلحة غير المنضبطة

§ المليشيات العسكرية

§ المليشيات الطائفية الاجرامية

§ المليشيات الفاسدة

§ المليشيات التي لديها أجندة خارجية كالقاعدة وومنها المجاميع التي لها دعم مالي وبشري

§ الميليشيات الحزبية المسلحة

§ المليشيات العشائرية

اما الاعلام الامريكي والبريطاني ومن خلال تصريحات المسؤولين فتصنف المليشيا بوصفها:

§ عصابات مسلحة

§ عصابات شبه مسلحة

§ قوات مسلحة غير مجازة

§ مجاميع مسلحة مسيطر عليها

§ المجاميع الصديقة

§ المليشيات المجازة

ولكن هناك من اعترض على تسميته بمليشيا كالبيشمركة وآخر قد حل نفسه وتحول الى منظمة مدنية فور اعلان القانون مثل قوات بدر التي تحولت الى منظمة بدر وانخرطت في العملية السياسية، وبالرغم من ذلك فان المجموعات الارهابية وبعض الساسة يطلق عليها اليوم مليشيات بدر الارهابية او الطائفية او الصفوية او المليشيات الشيعية او المليشيات المسلحة لاسباب لا مجال لذكرها في هذه الدراسة. من الواضح جداً، أن هناك ثنائية في التعامل مع مصطلح المليشيات اعلاميا وسياسيا، وتسير على وفق الرؤية الأمريكية ورغباتها او تراعي مصالح دول الجوار السياسية والاقتصادية او التنافس على السلطة في العراق، فلقد كان لتسلسل الاحداث وتغيير الاستراتيجية الامريكية بالاضافة الى الاجندات الخاصة للسياسيين العراقيين ومن يقف وراء اغلبهم داخليا وخارجيا، ادى الى ان ينصبغ الخطاب السياسي للجميع بالقول والاعلان بان سبب الازمة الامنية في العراق هو وجود المليشيات واعمالها الاجرامية ، متناسين جميع التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الاخرى. وهذا الموضوع من الاهمية بمكان مما يستوجب دراسته من قبل الحكومة العراقية بامعان وتروٍ لانه اوقف عملياتها في احلال الامن والسلام في العراق . نعم هذا صحيح في ظل الخلافات والسعي الى افشال مشروع الدولة العراقية الدستورية المتمثلة بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية. ولذلك كان التوجه السياسي أن اعترضت بعض القوى التي تريد اضفاء صفة الشرعية على اعمالها الخاصة بالقتل والتهجير والاختطاف وانتهاك حقوق الانسان في العراق على بعض النقاط في القانون 91 لسنة 2004 واعترضت كذلك على مشروع السيد المالكي الخاص بالمصالحة الوطنية لسنة 2006 وادعوا بان هناك غموضا بشأن الميليشيات الغير قانونية في البند 19 حيث وردت العبارة كالاتي : “وحل موضوع الميليشيات والجماعات المسلحة غير القانونية”، وهي عبارة أتت ضمن بند يتعلق أساسا “بجعل القوات المسلحة غير خاضعة لنفوذ القوى السياسية المتنافسة، وألا تتدخل في الشأن السياسي”. وهذا الأمر الذي أثار تحفّـظات قوى سياسية عديدة الذين يريدون الدفع باتجاه عودة البعث وجلاديه والسعي الى انشاء مؤسسات امنية خاصة بهم وضمن المشروع الامريكي ” المسيطر عليها او الصديقة”. ولكن مشروع المصالحة سليم جدا في نظرته الى الساحة السياسية والامنية ويسير في سياق الامر 91 وفقرات الدستور كما سنلاحظه لاحقا.

وفي هذه المناسبة اذكر بان آخرين قد انتقدوا احدى فقرات مشروع المصالحة الوطنية بالقول ” نقرأ الأغرب في الفقرة 19 التي تقول لنا (جعل القوات المسلحة غير خاضعة لنفوذ القوى السياسية المتنافسة ولا تتدخل في الشأن السياسي وحل موضوع الميليشيات والمجاميع المسلحة غير القانونية ومعالجته سياسيا واقتصاديا وامنيا)، هذه الفقرة تشكل عنواناً لفشل هذه المشروع بغض النظر عن انتقاداتنا لأجزائه بصوره المختلفة. إن صميم هذه الفقرة تقول لنا أن الميليشيات ستبقى معززة ومكرمة. تقول لنا هذه الفقرة (حل موضوع الميليشيات والمجاميع المسلحة غير القانونية) إي أن هناك ميليشيات قانونية، هناك ميليشيات تعمل حسب الدستور والقانون، هناك ميليشيات تابعة للحكومة، هناك منظمة بدر والبيشمركة وقوات الصدر كلها تابعة للحكومة وستبقى معززة ومكرمة على رغم أنف الجماهير في العراق التي عانت وتعاني من قهر هذه الميليشيات وسطوتها”. يضيف ايضا : ” ولكن حكومة المالكي من حقها أن تبقي هذه المليشيات لان بدونها لم يتمكن هؤلاء من البقاء على سدة الحكم لمدة أسبوع. إن مشكلة العراق، ومشكلة انعدام الأمن والاستقرار وانتشار فرق الموت والفساد السياسي والمالي والإداري، وفرق التسليب وتهريب النفط كلها هي من صنع هذه الميليشيات وبواسطتها تدر الملايين لاصحابها، ناهيك عن سلطتها السياسية. إذن مادام هناك ميليشيات رسمية وقانونية، سيتسع اللا أمن واللا إستقرار وستزيد من تشكيل فرق الموت والتسليب والفرق الحكومية لتهريب النفط، ومحافل لتهريب الملايين بل المليارات من الدولارات كما رأيناها في الحكومات السابقة!” . ولكنني سافصل القول لاحقا في بحث خاص حول كلمتي (المليشيات) و (المجاميع المسلحة) هل هما منفصلان فيكون لكل واحد معنى يختلف عن الاخر ام هما مترادفان في المعنى والاستعمال وسبب اطلاقه من قبل الادارة الامريكية، خصوصا وقد حمل تقرير بيكر-هاملتون المجاميع المسلحة ووصفها بالسنية مسؤولية قتل جنودها الامريكان، وحمل التقرير ايضا المليشيات الشيعية ويقصد بها قوات بدر وجيش المهدي مسؤولية اعمال العنف والقتل الطائفي في العراق. اتساءل هل هذه المليشيات الشيعية سبب التفجيرات في مدينة الصدر وهل تقتل اتباعها ولماذا ، وكما هو معروف بان القتل يشمل الشيعي والسني على حد سواء. ان التهرب الامريكي من المسؤولية وضعف الاجهزة الامنية الحكومية واختراقها كانا سببا رئيسيا في العنف الطائفي والتدهور الامني والذي نشاهده ونعيشه من عنف كان بسبب رفع اليد الامنية عن مناطق بغداد المختلفة. وهو الامر الذي عكسته الانتقادات المتكررة التي وجهها السفير الامريكي لبعض الميليشيات الشيعية ويقصد من ذلك منظمة بدر وجيش المهدي. وخليل زاد يضيف الى هذا التصنيف تسمية “المليشيات المجازة” على مليشيات البيشمركة. وهو بهذا التعريف لايتقيد بما سنه بريمر في الامر 91 الصادر في 7 – 6 – 2004 الذي اعطى لهذه المليشيات صفة قانونية وهي القوات المسلحة غير الرسمية وغير النظامية وغير الحكومية.

انظر الى هذه الطبخة الخبيثة التي هيأ لها بعض الساسة العراقيين والامريكان وبمساندة وسائل الاعلام، بان هناك حربا طاحنة بين طائفتي السنة والشيعة، ويصيبك الرعب عندما تجد عدد كبيرا من التصانيف للمليشيا. ونجد في ذلك ، سببا رئيسا لساسة الدهاليز الأمريكية التي لم تحدد معاهدها الاكاديمية تفسيراً واضحاً لكلمة (المليشيا) ، وكما فعلت ذلك في تعريفها لمصطلح (الإرهاب) لغايات تتعلق بالتحكم بالوضع الايديولوجي الذي يتوافق مع المصالح الصهيونية – الأمريكية في المنطقة والعالم. بالرغم من انها قد استندت الى القوات الشعبية والمتطوعين في خلق الولايات المتحدة وكما هي اليوم. والنتيجة التي نخلص اليها بان مصطلح المليشيا يرتبط بالارهاب والعمالة وعند اطلاقة على منظمة او مجموعة فهو يمثل انتقاصا لها وعارا عليها. كما أن مصطلح ميليشا يعد مصطلحاً هجائياً ، تستخدمه الأنظمة الكتاتورية كمفردة ذم للمعارضة المسلحة التي تقف بوجهها في الدول التي تستعمرها وتحتلها، في حين ترفض تلك المعارضة إطلاق كلمة (ميليشيا) عليها ، فعلى سبيل المثال، وعلى الصعيد السياسي تهاجم الولايات المتحدة الامريكية المنظمات الارهابية ولكنها تحتضن منظمة مجاهدو خلق، كذلك في العراق كان لمليشيا البشمركة الكردية دوراً كبيراً في تمهيد الجبهة الشمالية خلال عملية اسقاط النظام الصدامي للعراق ولكنها ترفض هذا المصطلح لارتباطه بالقتل والغدر والاجرام . ان القوى السياسية في العراق متفقة على اللقلقة بهذا المصطلح المشين الذي حين يطلق يتبادر الى الذهن الارهاب والقتل والاختطاف وجميع انتهاكات حقوق الانسان حتى انك تنسى في طيات هذا المصطلح ان تكون هنالك مقاومة حقيقية للمحتل، وان كانت، فانك تكرهها وتشمئز النفوس منها لانك تستذكر جرائم قتل الاطفال والنساء والتهجير والتفخيخ والانفجارات وتخريب البنى التحتية والخدمية العائدة للشعب العراقي . ان القوى السياسية في العراق لا تتفق حول المعنى الاصطلاحي للمليشيات وماذا يعني عند اطلاقه، لان المعنى الذي يصل اليهم هو الارهاب، فالمليشيات تعني الارهاب واعضائها من المرتزقة والارهابيين، وتعني ايضا ماكنات القتل والاضطهاد إن كانت تدعي الانتماء الى الطائفتين السنية او الشيعية او تدعي الانتماء القومي والعرقي والديني ، فهم يعرفون حقيقة امرها وكونهم من يحركها، وهذا ما انتبهت اليه القوى الكردية في العراق وحزب الله في لبنان وكان رفضها لتسمية مليشيات. وهذا يؤكد لنا بان من تعريفات الميليشيا :جماعات مسلحة غير حكومية، و لا يشترط ان تمثل حركة مقاومة، وبعيدة عن الوطنية في مشروعها. يشمل اغلب هذه المجاميع التي تفتخر بقتلها للعراقيين.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here