حديث عن الانسانية والايزديات والكويتيين

حديث عن الانسانية والايزديات والكويتيين

* عبد الجليل الزبيدي

لماذا لم يتفاعل المستوى الاغلب من العراقيين مع واحدة من المآسي الوطنية التي ارتكبها مجرمو داعش وهي سبي وارتهان واستعباد واغتصاب اكثر من ثلاثة الاف أمراة عراقية من الديانة الايزدية في عام 2014 ؟!
وقعت تلك المأساة وطوال اشهر لم يلتف احد ..وبعد حين تذكر مسؤولون ووسائل اعلام ان كارثة حصلت في قرى كوجو بمنطقة سنجار .
نعم في السنوات التالية حصل اهتمام وقيل ان لجانا تشكلت لوصف ما حصل للمواطنات العراقيات الايزديات بانه جريمة ابادة .. لكن على المستوى الشعبي ,لم يكن الامر يعني شيئا لبقية مواطني هذا البلد .
قبل نحو خمسة وعشرين عاما نشرت مقالا في احدى الصحف الاجنبية وكان تحت عنوان لماذا لا يتفاعل العرب مع مأساة ستمئة كويتي اختفوا بعد احداث الثاني من اب 1990ولم يعثر عليهم ؟!
طبعا 600 مواطن يعني فاجعة لشعب مقارنة مع عدد السكان الاصليين في الكويت والبالغ انذاك 850 الفا .
في ذلك المقال رجحت ان اختفاء هذا العدد من البشر في الكويت لا يساوي شيئا لدى الشعوب العربية , ربما لان سجون حكامهم تعج بالاف المعتقلين وان المئات يرسلون الى ساحات الاعدام والمشانق والمسالخ في اقبية اجهزة الامن العربية .
لكني اليوم أرى بعداً اخر لهذا الجفاء الانساني ,واعتقد ان الازمة تكمن في نقص الهوية والانتماء الانساني ..
والامر لا يتعلق بالانسان العربي وحسب , فالنقص الاخلاقي يمتد على طول هذا الشريط المحزون المنكوب من جاكارتا الى طنجة ,حيث الفواجع والتخلف واللا استقرار وانعدام برامج التنمية الانسانية .
ثمة نظرية تقول :ان العديد من الامم المتقدمة في اوروبا ,انها تقدمت حينما تخلت عن التمييز العرقي والديني ,وانشأت لنفسها هوية الانتماء الانساني .
ويجمع المفكرون على ان تلك الامم تخلت عن الاحقاد وقررت تبني النوع الانساني وذلك بعد ان استوعبت الدروس حينما كانت اوروبا وحتى الولايات المتحدة , كانت تطفو على بحار من الدماء التي اريقت في حروب الاعراق والقوميات وابان محاكم التفتيش الكنسية .
لاحظوا لما نسي الألمان الدرس وعادوا الى عرقيتهم في ثلاثينيات القرن الماضي ,كانت النتيجة ظهور ادولف هتلر الذي قاد اوروبا الى حرب ادت الى مصرع اكثر من 86 مليونا .
ان ارتكاب المآسي وحصول الكوارث سلوك رافق الانسانية منذ البدء , وان الذي يمنع حصولها وتكرارها هو استيعاب الانسان واستيعاب الامة للعبرة والدرس .
ان سبايكر وكوجو ,وبعدها القتل في ساحة الحرير.. اعتقد انها مآسي حصلت لان الامة لم تستوعب المحن والمآسي التي خلت .
دعونا نعترف ونتصارح كأمة : ان مأسي الانفال وحلبجة بررتها فئة معينة من الامة العراقية انذاك على انها نزاع مع فئة كردية عرقية انفصالية .
ثم ..لما حدثت اعدامات السجون والمقابر الجماعية في الثمانينييات والتسعينيات , بررتها فئة عراقية اخرى على انها استصال لمؤامرة سياسية من طائفة معينة ..فهل ما حصل في 2014 لفئة ثالثة من الامة العراقية لانها بررت ما حصل للفئتين الاخريين ؟ .. هل لان الفئة التي بررت قتل اخوة الوطن فيما مضى ,لانها انتمت الى الطائفة والى المناطقية والانانية ,ولم تنتمي الى الامة ولم تنتمي الى الانسانية ؟ مالذي نستفيده ونستوعبه ؟ وكيف لنا ان نمنع حصول مآىسي اخرى ؟

**يقول صديقي كاتب عراقي مغمور : ان التأريخ ينتقم لنفسه وان الانتقام لن يتوقف ما لم يعود الانسان الى انسانيته .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here