كتبنا المقدسة تحوي على نصوصا من الادب السومري ! (اقتباس)

كتبنا المقدسة تحوي على نصوصا من الادب السومري ! (اقتباس)
بقلم د. رضا العطار
مقالتي التالية تمثل نهايات كتاباتي وانا في العقد العاشر من عمري، اقدمها لشبابنا العراقي النبيه الذي يشهد هذه الايام مخاضات نهوض في مختلف المجالات، كأيماءة نحو التفكير الواقعي والتحول من عالم الغيبيات الى دنيا العصر الحديث.

البحث هذا يشمل مجموعة قصص وردت في الاساطير السومرية المدونة في الواح طينية بالخط المسماري السومري كانت مطمورة في اعماق الارض في جنوب وادي الرافدين منذ الالف الثالث ق.م وقد قام عالم الاثار الشهير صموئيل كريمر، مترجم اللغة المسمارية والاستاذ في جامعة فلادلفيا في الولايات المتحدة، في ستينيات القرن الماضي بدراسة المنجزات الادبية للحضارة لسومرية والتي تقول : البدأ كان البحر، ويتصف بالسرمدية الازلية، وان المادة هي الاصل وان الانسان خُلق من طين. (امزجي لب الطين الموجود في اعالي المياه التي لا يسبر غورها)
وقد وجدت اسطورة خلق الانسان هذه مدونة على لوحين سومريين احدهما عثر عليه في موقع نفر بالعراق ومحفوظة الان في متحف فلادلفيا، والاخر في متحف اللوفر بباريس.
لكن قصة الخليقة، التي جائت في التوراة، اختلقها موسى الذي ادعى انه تلقاها من ربه من على جبل الطور، ولم يكشف لقومه انها وردت في الادب السومري القديم، قبل نحو الفي عام..

أما قصة آدم وحواء فهي بالاصل قصة سومرية !
اقتبستها التوراة من الاساطير السومرية، وقد وجدت مرسومة على حجر سومري قبل الفي عام من ظهور التوراة، حوت في وسطها على نخلة مثمرة، يجلس على يمينها رجل وعلى يسارها امرأة وخلفها حية منتصبة على ذنبها. والرسم الحجري السومري هذا معروض في المتحف الوطني للاثار الشرقية لجامعة فلادلفيا.

كما ان قصة هابيل وقابيل قصة سومرية ايضا !
كانت الاسماء الاصلية للأخوين التي وردت في الاساطير السومرية هي أيميش وانتين، لكن التوراة نقلتها ووضعتها تحت اسم قابيل وهابيل، لكنها جائت خلافا للاصل السومري الذي يقول ما خلاصته : ان الاله انليل إله الهواء قد خلق انتين وجعله لرعاية الاشجار والزرع وجعل الثاني ايميش لتوفير البقر والعجول، ثم حصل نزاع بينهما انتهى الى الصلح بين الاخوين. لكن التوراة حورت القصة وانهت النزاع الى القتل.
لقد البست هذه القصة تحريف مخالف لاصلها لتكون نموذجا للاثارة وخلق العداوات دون مبرر، ففتحت بابا للاقتتال لتكون قدوة للقادمين من الاجيال. وبذلك روجت التوراة القصة الملفقة، لتكون مبررا للعنصرية واستغلال الغير واستعباده ؟

نوح وقصة الطوفان، اسطورة سومرية !
لقد ظهر بعد الاكتشافات الاثرية ان التوراة كانت قد اقتبست هذه القصة بتفاصيلها من الاساطير السومرية والبابلية القديمة ومن ملحمة كلكامش المكونة من 12 لوحا طينيا بالخط المسماري الذي يعود تاريخه+ الى قبل اكثر من 4000 سنة.
ففي عام 1914 نُشرت ترجمة لمحتويات كسرة طين من لوح سومري ذي ستة حقول ضمن مجموعة الواح نفر العراقية في متحف الجامعة (فلادلفيا) وكانت محتويات القسم الاكبر تدور حول اسطورة الطوفان.
لقد تضمن الجزء الاول من الملحمة موضوع خلق الانسان والحيوان والمدن الخمس التي وجدت قبل الطوفان. وهي : اريدو و بادبير و لاراك و سيبيار وشروباك. ولسبب غير معروف قدر للجنس البشري الهلاك بواسطة الطوفان.

هذا ما جاء في القرآن حول قصة الطوفان السومرية وهذا لا يختلف من حيث التعبير دون المقصد عما جاء في التوراة، لكن الاخيرة عادت واتخذت من اسطورة الطوفان السومرية مادة تبني عليها ما يوافق من غاياتها، فقالت : كان لنوح ثلاثة اولاد، سام وحام ويافت، وفي سبيل خلق النزاع والتفرقة بينهم تروي التوراة لنا هذه القصة :
عندما سكر الأب نوح وتهتك وظهر عاريا، بادره سام وناوله الستر ـ ـ لتخرج منها بتفضيل سام ولعن يافت وحام وذريته بني كنعان (ابناء فلسطين) (راجع تكوين/ 5 اصحاح 9 ). وهنا وضعت التوراة من جديد اساسا للتفرقة والتفوق على الغير. وبموجب هذا التشريع فقد قسمت البشرية الى ممدوح وملعون، لتبرير السيطرة على الشعوب.
ولم تكتفي التوراة باقتباس النصوص السومرية كقصة الخليقة وقصة الانسان وقصة هابيل وقابيل وقصة الطوفان، بل اقتبست من البابليين ايضا ما سمته بالوصايا العشرة مع احكام المعاملات من شريعة حمورابي.

متى كتبت التوراة ؟
جاء موسى بشريعته في القرن الثالث عشر ، 1225 ق.م وظل اليهود يتبعونها، وبقى موسى يزعم لشعبه بان الرب يوحي اليه وهو على جبل الطور، في الحقيقة، كان موسى ينقل اليهم تلك القصص الموروثة من الادب السومري، دونت قبل الفي عام.

وبعد انقضاء 1225 عام من عمر اليهودية، نشأت المسيحية في فلسطين، كان رائدها الروحي عيسى بن مريم، تدعو الناس الى السلام والوئام بين البشر، وفي القرن السابع الميلادي، استبشر سكان الجزيرة العربية بظهور محمد بن عبد الله، يدعو الى دين جديد، الاسلام ! الذي احدث في محيطه القبلي شبه البدائي، تحولا فكريا كبيرا.

الاخلاق في الشريعتين الاسلامية والمسيحية !
تميزت هاتان العقيدتين منذ ظهورهما في نشر المثل الاخلاقية العليا واخذت بكثير من الاحكام التي يعود بعضها الى اول تشريع مدني مكتوب هو شريعة حمورابي البابلي.
وعندما اكتشف المسيح عنصرية التوراة وتناقضها مع العدالة الألهية، وان قوانينها قائمة على نصوص دينية، فهي بالاساس تضامنية بين اهله، تشمل العرق والدم واعتدائية ضد الاغيار، وانها باسم الرب تستعمل العنف والارهاب والحيلة والاغتيال ضد كل من لبس من آل يعقوب. إذ على حد ما جاء في كتابهم هم المفضلون على البشرية جمعاء. ان هذه الممارسات العنصرية رفضها المسيح مستنكرا معلنا معارضته ومن اجل ذلك قتلوه.

الحقيقة المرة، ان نعلم انه رغم ان تعاليم التوراة وفلسفتها اعتدائية، إلا ان الدول الاستعمارية رحبت بهذه الفلسفة واخذت بها فعلا، وهي مسيحية العقيدة، عليها احترام تعاليم السيد المسيح السمحاء، لكنها تخلت عنها بدافع مطامعها الاستعمارية. فلا عجب ان تفاجئنا انكلتر، الأمبراطورية الكبرى عام 1827 عندما نصبت دزرائيلي رئيسا لوزرائها. وهكذا تكون الدولة المسيحية قد وجدت في نصوص التوراة ما يبرر لها معنويا حق قهر الشعوب واستغلال ثرواتها والسيطرة الاقتصادية عليها.

نعود الى الاسلام والمسيحية ثانية ونقول، رغم ان اهداف هاتين العقيدتين، اهداف سامية، إلا انهما ظلتا عاجزتين عن تفهم مشكلة الانسان الاجتماعية وأثر علاقاته الاقتصادية على تطوره، ثم ان القرآن، كتاب الاسلام المقدس، يتمسك مثلا بوجود برنامج غيبي مرسوم مقدما لكل انسان، ويأخذ بتزهيد المؤمنين عن الدنيا ليشتروا بها الآخرة (وما الحياة الدنيا إلا لهو ولعب والدار الأخرة خير) الانعام 132 وهذا معناه ان الانسان خُلق ومعه منهج حياته مكتوبا مقدما دون ارادته، فهو مُسًير لا مُخير، وان قدرة عقله و قوة إدراكه للصالح من الطالح لا تعني شيئا، في حين اننا نرى ان قوة العقل وسعة البصيرة لدى الانسان امران يكتسبان من محيطه وبتأثران خصوصا بالتعاون مع الاخرين في تنظيم الحياة الاحتماعية وتطويرها،
والجدير بالذكر ان مثل هذه الاراء والتفسيرات العقائدية لا تقدمها التوراة، فهي تترك للفرد من اهلها حرية الصراع والانتفاع في الحياة ولا تقيده بأية قيود اخلاقية.
وبعد، فلا سياسة الزهد بالدنيا صحيحة ولا تكالب الانسان على حب المنافع غيرالمشروعة صحيح وانما طريق التعاون المتبادل، هو الطريق الامثل وهو ما لم تاخذ به لا التوراة ولا شقيقاها اللاحقان.

* مقتبس بتصرف من كتاب (مطالعات في الكتب المقدسة) لمؤلفه حسن الكرباسي، الطبعة الاولى 1997 توزيع دار الكنوز الادبية، بيروت ـ لبنان.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here