هل السلطان العثماني الجديد الهائج كالثور مصاب بجنون البقر؟

كاظم حبيب

لم تكن الجمهورية التركية الحديثة منذ تأسيسها عام 1922 قد عاشت تجربة كالتي تعيشها اليوم تحت قيادة المسلم الإخوانجي رجب طيب أردوغان، الذي أعلن شيخ الدين الإخوانجي الأسوأ منه يوسف القرضاوي من على منصة مؤتمر إسلامي دولي جماهيري نظمه تنظيم الإخوان المسلمين في إسطنبول في شهر نيسان/أبريل المنصرم بأن سلطان تركيا هو سلطان المسلمين، رغم علمه بما يقوم به أردوغان من تشكيل وتسليح الإرهابيين. هذا السلطان العثماني الجديد يعتقد واهماً بكونه “سلطان آخر زمان” للمسلمات والمسلمين عالميا، كما يعتقد واهماً جداً بقدرته على استعادة مكانة الدولة العثمانية في العالم قبل أن تتحول إلى رجل مريض عفا الدهر عليه وشرب وانتهى بانتها الحرب العالمية الأولى، وعلى استعادة بعض أهم مستعمراتها السابقة في الشرق الأوسط ومال أفريقيا. وتحت وطأة هذا الوهم الخرافي يتحرك أردوغان كثور هائج مصاب بجنون البقر ذات اليمين وذات الشمال، يرسل بقواته العسكرية لاحتلال أراضي سورية، ويدعم الميليشيات الإرهابية التي ساهم بتشكيلها وتسليحها، وبعضها الأشد إرهابية وعدوانية يعتبر جزءاً من الجناح العسكري السري لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين الدولي، التي تمارس القتل اليومي والواسع ضد الكرد السوريين بدعوى أنهم يشكلون امتداداً لحزب العمال الكردستاني، في حين أنهم يطالبون بحقوقهم المشروعة والعادلة ضمن الدولة السورية الديمقراطية. ثم يواصل هذا المستبد الشرقي الجديد إرسال المزيد من قواته المسلحة إلى العراق ليعزز بها القواعد والركائز العسكرية التي أقامها في كردستان العراق وفي بعض مناطق محافظة الموصل، بذريعة محاربة وجود قوات لحزب العمال الكردستاني في العراق، ويمارس القصف الجوي العدواني ضد الفلاحين والرعاة الكرد وضد القرى والبساتين، إضافة إلى إصابة وحدات من القوات العراقية الموجودة هناك بالصواريخ التركية، كما حصل أخيراً بقتل ضابطين عراقيين ومواطنين آخرين. ولا يكتفي هذا السياسي الأهوج بذلك، بل امتدت أصابعه الخبيثة وأرسل عساكره ومرتزقة سوريين إلى ليبيا للتدخل في الصراع والنزاع العسكري الداخلي في مسعى منه لتأمين مصالح استعمارية في ليبيا، ولاسيما في مجال النفط والغاز، إضافة إلى المشاريع التجارية والاقتصادية وضمان مجالات لتوظيف الرأسمال التركي في ليبيا. وقد اثار هذا التدخل الفظ مصر التي وجدت فيه محاولة جدية لدعم الميليشيات الإرهابية الفاعلة في ليبيا وتوسيع نشاطها الإرهابي في مصر أيضاً وعلى منطقة الحدود الليبية المصرية، مما هددت مصر بالتدخل في هذا النزاع الذي يمكن أن يتحول

إلى حرب إقليمية تؤججها أطماع التوسع التركي في المنطقة. وقد ظهرت أطماع أردوغان من خلال توقيعه مع السراج على اتفاقية خاصة بالتنقيب عن البترول في البحر الأبيض المتوسط دون أن يحترم حقوق الشعب الليبي وحقوق الدول الأخرى في البحر الأبيض المتوسط.

وحين نشب الخلاف بين السعودية وبعض دول الخليج وبين دولة قطر، وهي الملتزمة بنهج وسياسات الإخوان المسلمين في المنطقة، أرسل الدكتاتور التركي قوات مسلحة تركية وأقام قاعدة عسكرية كبيرة في قطر بهدف تعميق وتشديد الخلاف والصراع بين الدول العربية، في حين كان بالإمكان إيجاد حلول ناجعة للمشكلات القائمة من خلال الجامعة العربية. وهناك كثير من المعلومات عن محاولات تركيا التدخل في الشأن التونسي وتأييد حزب النهضة الإخواني في الصراع السياسي الدائر في تونس، وكذلك التدخل في مصر إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين. وتشير المعطيات المتوفرة إلى دور كبير ومستمر للدولة التركية وحزب العدالة والتنمية الحاكم والقوات المسلحة التركية في تشكيل وتدريب وتسليح المزيد من الميليشيات الإرهابية المسلحة، لاسيما المرتزقة السوريين، التي بدأوا بإرسالها إلى عدد متزايد من الدول، بما فيها تلك الدول ذات الأكثرية المسلمة التي كانت جزءاً من الجمهوريات السوفييتية.

الثور التركي الهائج المصاب بجنون البقر لم يكتف بإشاعة كل هذه التوترات والتدخل السياسي والعسكري المباشرين بشؤون تلك الدول، بل راح يتحرش باليونان ويستفز الاتحاد الأوروبي من خلال إرسال باخرة متخصصة للتنقيب عن البترول والغاز في البحر البيض المتوسط وفي المنطقة التي تقع ضمن الحدود التابعة لليونان وقبرص، مما اثار حكومة اليونان واحتجاجها. وحين عبر الاتحاد الأوروبي عن تأييده لليونان، أرسل السلطان العثماني الجديد المصاب بتضخم الـ “أنا” والنرجسية المرضية، مجموعة من البواخر الحربية التركية لحماية الباخرة المدنية، معبراً بذلك عن غضبه على الاتحاد الأوروبي، مما اثار عليه الاتحاد الأوروبي ورأوا في هذا التصرف الأهوج إعلان حرب ضد اليونان.

السؤال الذي يدور في بال كل مراقب حول العوامل الكامنة وراء هذه التصرفات السياسية والعسكرية الهوجاء لنجيب طيب اردوغان يمكنه أن يسجل الواقع التالي:

تعيش تركيا منذ سنوات أزمة سياسية داخلية حادة سببها النهج السياسي الخاطئ والخطير الذي يسير عليه رجب طيب أردوغان والمتناغم مع خط الإخوان المسلمين في المنطقة والمصادر تدريجيا للحريات العامة وحرية الصحافة، والذي تخلى عن علمانية الدولة التركية كلية لصالح الدولة الثيوقراطية والدولة البوليسية. فهناك معارضة سياسية قوية وانشقاقات داخل حزبه السياسي. كما أنه يواجه نضالا حازما من الشعب الكردي في كردستان تركيا، وليس من قبل

حزب العمال الكردستاني وحده، الذي يطالب بحقوقه القومية العادلة والمشروعة، الذي يجابه بالحديد والنار وحملات عسكرية ضد المناطق الكردية بتركيا وحملات اعتقالات واسعة وإصدار احكام قاسية من قضاء مسيس وخاضع للسلطان الخائب الجديد. كما أن الاقتصاد التركي يعاني ومنذ سنوات من تفاقم الازمة الاقتصادية والمالية، زادها وباء كورونا شدة، بسبب تراجع السياحة، إضافة إلى توقف مصانع كثيرة ومؤسسات زراعية عن العمل والإنتاج وتراجع التصدير، مما أدى إلى بطالة واسعة لم تشهدها تركيا من قبل وإلى انهيار العملة التركية مقابل العملات الأجنبية وتفاقم الفقر وإعلان إفلاس كثرة من المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وارتفاع المديونية الداخلية والخارجية لتركيا.

إن هذا التحرك التركي صوب الخارج يشير إلى رغبة السلطان المستبد الجديد تحقيق ثلاثة أهداف هي:

** توجيه أنظار المجتمع صوب المشكلات الخارجية المتورطة بها تركيا حالياً وصرف أنظارها عن مشكلاتها الداخلية المتفاقمة.

** رفع الحماس القومي اليميني المتشدد والعنصرية التركية في صفوف المجتمع من خلال التدليل على قدرة تركيا في استعادة أمجادها وقدرة قواتها على فرض مصالحها على الشعوب والدول الأخرى، رغم المزيد من القتلى في صفوف القوات المسلحة التركية التي لا يعلن عنها.

** إحراج المعارضة التركية في موقفها المعارض لسياسة أردوغان لدى أوساط الفلاحين والمدن الريفية والفقيرة والتي كانت وماتزال من مؤيدي أردوغان وحزبه.

إن هذا النهج السياسي والعسكري والأمني وما نجم عنه من تفاقم الإرهاب الفكري والسياسي الداخلي وحملات الاعتقالات في صفوف الشعب والقوات المسلحة وأجهزة الدولة، إضافة إلى أثارته لميد من المشكلات والتوترات والنزاعات مع الدول والمجاورة، يرى فيه كثير من المراقبين السياسيين والعسكريين مخاطر جمة على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث سيشتد الصراع ويتفاقم الركض وراء التسلح، في وقت تعاني المنطقة من تراجع شديد في التنمية وتفاقم في البطالة والفقر والحرمان أولاً، وإلى احتمال نشوب حروب إقليمية شرسة تؤدي إلى المزيد من الموت والخراب والدمار وتعطل عملية التنمية الوطنية. كما يمكن أن يقود هذا النهج إلى تدخل دولي في هذه النزاعات المحتملة، سواء من جانب الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة أو روسيا الاتحادية.

إن المهمة الكبيرة والضرورية التي تواجه المجتمع الدولي، لاسيما مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، والرأي العام العالمي، هي التصدي الحازم لهذا

النهج السياسي والعسكري والأمني العدواني للدولة التركية الذي يمكن أن يهدد العالم بحرب دامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشترك فيها كثير من الدول وربما تشارك فيها دول كبرى أيضاً. إن اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتوقف تركيا عن التدخل في شؤون الدول الأخرى وسحب قواتها المسلحة وتفكيك قواعدها العسكرية أزلاً، ثم البدء بمفاوضات مع الدول ذات العقة لحل المشكلات القائمة بالطرق السلمية باعتباره السبيل الوحيد لمنع تطور الأحداث بما لا تحمد عقباه على المجتمعات والدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وربما ابعد من ذلك ايضاً.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here