هل هي نهاية التطرف الديني في تركيا؟

هل هي نهاية التطرف الديني في تركيا؟
ويليام آرمسترونگ
متخصص في الشؤون التركية في هيئة الإذاعة الريطانية
ترجمة عادل حبه

تبديل متحف آيا صوفيا في اصطنبول إلى مسجد للمسلمين
يعتبر البعض تحويل متحف آيا صوفيا في إسطنبول إلى مزار إسلامي بمثابة المسمار الأخير في نعش العلمانية في تركيا. وفي 27 تموز الماضي، وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المصلين المسلمين في آيا صوفيا بأنهم رمز لـ “نهضة الأمة التركية”، وقال إن وجود المزيد من المساجد في البلاد يعني الاقتراب من الهدف. ولطالما جمع حزب العدالة والتنمية الإسلامي بقيادة أردوغان بين الدين وبين القومية المحافظة لمتابعة تقليد عمره عقود من اليمين التركي. ومع ذلك، تُظهِر استطلاعات الرأي والتغيير الاجتماعي انخفاضاً في المشاعر الدينية في تركيا، حيث يبدو أن القومية أصبحت قوة أقوى.
التغيير الاجتماعي
فوفقًا لمؤسسة استطلاعات الرأي التركية المرموقة “كوندا” في عام 2018 ، فإن 25 % من سكان البلاد يعتبرون أنفسهم “متدينين محافظين”، وتشكل النسبة بين الشباب من أعمار تتراوح بين 15 إلى 29 سنة 15% فقط. ويدعي حوالي 58٪ من الشباب في تركيا إنهم يصومون خلال شهر رمضان، مقارنة بنسبة 74٪ في استطلاع عام 2008. وتبلغ نسبة الشباب في تركيا الذين يصفون أنفسهم بأنهم “متجددون” (modern) 42٪ ، وهم الذين يشكلون 29٪ من إجمالي سكان تركيا.
وبالإضافة إلى ذلك فإن المشاركين في استطلاع 2018 مقارنة بمجموعة مشابهة في عام 2008‘ فقد قدموا إجابات أقل محافظًة على الأسئلة المتعلقة بنمط الحياة..
وأعلن بكر أجيردير ، الرئيس التنفيذي لمؤسسة كوندا ، لشبكة الأخبار المستقلة T24 في كانون الأول الماضي 2019: “إنهم يتزوجون في وقت متأخر، وقد زاد عدد الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم …وازداد عدد الأفراد الذين يعتبرون أنفسهم ملحدين من واحد بالمائة إلى 4 بالمائة. كما تراجع عدد النساء المحجبات من 57 إلى 58 في المائة إلى 50 في المائة.
وحسب مركز إستطلاعات الجنس والنساء في جامعة “كادير” الخاصة في إصطنبول، فقد إزدادت نسبة الرؤى الليبرالية المتعلقة بالقضايا الجنسية في عام 2020.
إن مثل هذه الاستطلاعات تطرح أسئلة حول مصير حلم أردوغان بـ “رعاية الأجيال الدينية” في تركيا.
وجهة نظر الخبراء
لققد حذر خبراء موالون للحكومة من تراجع الدين في البلاد. وأشار يوسف قبلان الصحفي المتشدد وكاتب العمود في صحيفة “يني شفق” في 20 تموز الماضي إلى أن: “خمسة ملايين من جيل الشباب البالغ عددهم سبعة ملايين نسمة، قد فقدوا كل صلة بالبلاد وجذورها الروحية والوعي بالانتماء إلى الإسلام”.
ويضيف قبلان: “إذا استمر هذا الاتجاه، فإن المجتمع الإسلامي سيضمحل ويصبح قيد النسيان…..هذا إضافة إلى المجاميع الإسلامية في المجتمع التي تغادرالدين وتفقد مشاعرها الإسلامية، وينزلق أطفالهم صوب عدم الإيمان بالله والتخلي عن الدين.
في السنوات الأخيرة ، أعرب المحافظون مراراً وتكراراً عن قلقهم بشأن الميل السائد لدى الشباب من ذوي الخلفية الدينية إلى إيمان أقل صرامة. ويشير روشان شاكر، رئيس تحرير موقع ميدياكوب الإخباري المستقل في 22 تموز الماضي إلى أن: “الإسلام السياسي تجاوز مرحلة الذروة”. ويستطرد شاكر:”نحن نمر بفترة نزع الأسلمة. وسيتراجع جيل عن الأسلمة وسنشهد جيلاً آخراً بالعكس تماماً”. ومن وجهة نظره ، بينما تتراجع الإسلاموية في تركيا، أصبحت القومية القوة المهيمنة في تركيا. ويستطر قائلاً أن:”أردوغان … يحاول استخدام الدين بالمعنى الشعبوي، لكن من الواضح أن القومية أضحت هي القوة المهيمنة”، مشيراً إلى أن حكم أردوغان في الواقع “قلل من الإسلاموية وزاد من القومية”.
موجة القومية الكبرى
إن سياسات الحزب الحاكم هي انعكاس لهذه الاتجاهات. وقد شكل حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان تحالفاً مع حزب الحركة القومية منذ الانقلاب العسكري الفاشل عام 2016 في البلاد.
وبعد فشل عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني في عام 2015 ، اتخذت الحكومة موقفاً قومياً بشكل متصاعداً، بما في ذلك قمع الحركة الكردية في الداخل والعمليات العسكرية الخارجية في سوريا والعراق ضد القوات الكردية. ويعد ذلك جرى تحول حاد في سياسة حزب العدالة والتنمية وبدعم من حزب الحركة القومية.
إن الهدف من تنامي النزعة العسكرية لأنقرة في سياستها الخارجية في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​، هو زيادة نفوذ تركية الإقليمي، وتكمن جذوره في النزعة القومية المتصاعدة في تركية التي تتبنى السياسات الحكومية الهادفة إلى زيادة الاستثمار الدفاعي وإعطاء الأولوية لإنتاج المعدات المصنعة محلياً تلقى الدعم من قبل المجاميع القومية.
زيادة شعبية وزير الداخلية
إن تعيين وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، هو إنعكاس لهذه المتغييرات. فقد تم تعيينه في وزارة الداخلية بعد فترة وجيزة من الانقلاب الفاشل عام 2016. وأصبح صويلو أحد أبرز الشخصيات السياسية وأكثرها شعبية في البلاد من خلال ركوب الموجة القومية وخلال إلقائه الخطابات المتشددة.
ويعود نشاط صويلو المهني إلى الأحزاب اليمينية أكثر من نشاطه في صفوف الرواد الإسلاميين لحزب العدالة والتنمية، ولهذا السبب يتمتع بدعم مجاميع واسعة من الأحزاب اليمينية في تركيا.
وفي تموز 2020 ، أعلن موقع تركيا رابورو ، التابع لشركة اصطنبول للأبحاث الاقتصادية، أن صويلو أصبح الممثل السياسي الأكثر شعبية في البلاد بعد أردوغان.
ويشير الصحفي مراد يتكين في 12 نيسان الماضي:”وفقاً لبعض استطلاعات الرأي التي أجريت داخل حزب العدالة والتنمية ، يعتبر صويلو الشخصية السياسية الأكثر نجاحاً”.
وقال يتكين أيضا إن صويلو أصبح “ثاني أقوى رجل بعد أردوغان” وسط دعم واسع النطاق من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية.
لكن القضية التي قد تثير القلق في المجموعة الحاكمة هي الشائعات التي تدور حول التنافس بين صويلو ووزير مالية أردوغان وصهره بارات البيرق، ونبأ استقالته في نيسان الماضي، وهو ما رفضه أردوغان .
مزيج من القومية والإسلاموية
إن القومية المتطرفة والدين في تركيا ليسا قوتين متعارضتين، بل تعزز وتستكمل إحداهما الأخرى. فبعد الانقلاب العسكري عام 1980، روج المسؤولون الأتراك سياسة الجمع بين القومية والإسلاموية. وكان الهدف هو تحقيق الوحدة الوطنية من خلال القيم الأخلاقية الدينية والقومية المحافظة.
وبعد عام 1980، إزادت ميزانية المنظمة الدينية التركية بشكل حاد، وتسارعت هذه الزيادة في الميزانية منذ عام 2002 ، عندما تولى حزب العدالة والتنمية السلطة في البلاد.
ونشر عالم الاجتماع بولاد ألبمان في عدد حزيران عام 2018 من صحيفة بيركيم اليسارية الشهرية: “لطالما كانت الإسلاموية القومية قوية. في الإسلاموية التركية، غالباً ما يتم التأكيد على القومية كضرورة من ضرورات العصر”. ويقول بعض المراقبين إن أيديولوجية الحزب الحاكم دفعت بالقضية إلى ذروتها، وهو اتجاه يصفه ألبمان بأنه “القومية الإسلامية”.
ويرى أردوغان إن إعادة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد ماهو إلا إستعراض للقوة التركية، وإن عهده لا يسمح لأي طرف التعدي على أذان وراية ووطن أجدادنا.
نهاية العلمانية؟
اعتبر البعض إن تغيير آيا صوفيا هو أهم إنجاز للإسلام السياسي في تركيا. وعبر كمال قكتاش ، كاتب عمود في موقع ديكون المستقل على الإنترنت، إن إقامة صلاة للمسلمين في آيا صوفيا تعني “صلاة الميت على العلمانية”. ولكن بالنسبة لآخرين، ماهو إلاّ تعبير عن “يأس” الحكومة نتيجة لتراجع شعبية الحكم في استطلاعات الرأي.
وقالت روشان شاكر لموقع ميدياكوب الإخباري :”في الوقت الذي عاد فيه المصلين إلى آيا صوفيا، شهدنا واحدة من أضعف لحظات الحركة الإسلامية في تركيا”.
وتستطرة روشان قائلة أنه: “ربما يحاول المسؤولون في الحكومة إخفاء ضعفهم من خلال اتخاذ إجراءات أكثر عسفاً. ولكن ليس لديهم ما يقولونه ولا يمكنهم إقناع الجمهور، وإنهم غير قادرين حتى على اصطحاب أطفالهم معهم.”
إذا كان هذا واقعياً حقاً، فإن الاتجاهات الاجتماعية على المدى الطويل تشير إلى أنه في السنوات القادمة ، قد لا تتمكن الأيديولوجية الدينية لوحدها أن تجذب انتباه الشعب التركي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here