قراءة في رواية ( الوجه الآخر للحب ) صرخة احتجاج ضد المجتمع القبلي

قراءة في رواية ( الوجه الآخر للحب ) صرخة احتجاج ضد المجتمع القبلي
تحاول الكاتبة ( منتهى البدران ) ان تسلط الضوء الكاشف على الواقع المأساوي , الذي تعيشه المرأة في احضان المجتمع القبلي . الذي تتحكم به السلطة الذكورية , في التمسك بالقشور في الموروثات الاجتماعية والدينية . التي تحرث في خنق ومحاصرة المرأة في الانتهاكات الصارخة . في مجتمع لا يرى المرأة مستورة إلا تحت وصاية الرجل . وان تنظر من خلال ثقوب عباءة الرجل المسموح بها . والباقي الثقوب خطوط حمراء . وبكل بساطة كأنها مظاهر روتينية , ان يضع المرأة في دوامة المرارة والحرمان . في السلب والاستلاب ابسط الحقوق الانسانية والاجتماعية . ان تكون ماكنة لتوليد الهموم والمعاناة , في واقع محافظ جاف بحجة التمسك بالشريعة الاسلامية . كأن هذه الشريعة لا تحترم ولا تحافظ على حرمة المرأة وانسانيتها . شريعة تعطي كل شيء للرجل وتحرم كل شيء للمرأة , هذا الفهم الخاطئ للشريعة. ان تجعل الرجل متغطرس أزاء معاملة المرأة وكيانها النسوي .
هذه حثيثات المسار الحدث السردي . الذي تفاعل النص الروائي في الغور الى اعماق الواقع الاجتماعي في التفاصيل اليومية الدقيقة الى حد الاسراف . لكنه من جانب آخر يسلط كامل الصورة المأساوية للسيرة الذاتية لمحور شخصية الرواية ( هدى ) . فلم تغب عن الحبكة السردية كل شاردة وواردة بلغة السرد المشوق والمرهف الذي يشد القارئ شداً , في أسلوبية مزجت فيها الاسلوب الكلاسيكي القديم في السرد الروائي , او الاسلوب الحكائي في السرد , لكنه مطعماً بالاسلوب الحداثي في فن الروائي الحديث . في تطعيم مسار الاحداث الجارية والمتسارعة في الحبكة السردية , في توظيف ببراعة شبكات التواصل الاجتماعي النت . وهواتف النقال والمراسلات الايميلية . وكذلك المنولوج الداخلي والخارجي في سيرة حياة ( هدى ) منذ طفولتها ونشأتها في عائلة دينية محافظة . بسلطة الاب الشغوف والرحيم , في التفاني في تقديم العون والمساعدة للمحتاجين والفقراء , والذين تدور عليهم ماكنة نظام صدام حسين الارهابية والقمعية . فكان الاب ( زكي ) لا يبالي بالمخاطر رغم التحذيرات بالعواقب الوخيمة قد تصيبه , فكان يصر على هذا النهج الانساني ( أن السعادة تكمن في مد يد العون الى الاخرين , وأنها تثمر حين تغرسها في أرض غيرك , لا تغرسها بأرضك فقط , ولاينتفع منها غيرك ) ص18 . نشأت ( هدى ) في هذه البيئة الدينية , حتى اختارت بأرادتها علاقة الزواج من ( امير ) التي تفانت في الحب في صورته الجميلة والبراقة . فوجدت المبتغى والمرام في وجه ( امير ) الذي امتلك روحها ووجدت للحب وجهاً جميلاً ( رويدا رويدا بدأت أرى أن للحب وجهاً حلواً كالنغم , كرجع صدى الحلم , وجهاً يحمل نقاوة الفجر حين يتنقب بالسحب البيضاء الشفيفة , أراه كالمحاريب المقدسة التي يتجلى في سفوحها الايمان , وجهاً يمثل رئات الحياة التي تتنفس به الصعداء ) ص188 . لكن انكشفت الحقيقة المرة بعد مخاض عسير , بأن شخصية زوجها ( أمير ) شخصية مهزوزة وضعيفة . مسلوب الارادة والقرار يعتمد على سلطة ابيه ( الحاج سلطان ) المتسلط بالعقلية القبلية المتغطرسة والمتكابرة في التعالي . وهو تاجر متكبر ومهادن بالاحتيال الماكر , لكي يبني ثروته المالية بطرق شرعية ولاشرعية . اضافة ان زوجها ( أمير ) الذي يعتمد على حياته على سلطة الاب . فهو خاوي في العقلية الثقافية الفارغة واليابسة . ومنذ الايام الاولى من زواجها رأت ( هدى ) انها غير مرغوب ومرحب بها في عائلة الاب ( الحاج سلطان ) , في النظرات والممارسات العدائية تجاهها . وان المناخ العائلي لا يتلائم مع عقليتها وثقافتها . لذلك وجدت نفسها في واقع مأساوي كريه ومنبوذ لها , ومهما تفانيت وقدمت من خدمات في العمل البيتي والمطبخ . فأنها تعزف في فراغ في المعاملة القاسية والخشنة من الابوين , بأنهم يعتبرونها لقيطة وغريبة في مناخهم العائلي والقبلي , ووجدت نفسها تتجرع الصعاب , وتكون ضحية تدفع الثمن دون مقابل , في الارهاق والتعب اليومي المضني . وزوجها ( أمير ) يكتفي بسماع الشكاوي والالم دون ان يفعل شيئاً في تخفيف وطئة المحنة التي وقعت فيها في قعر الجب . تيقنت بأن حبها يسير من سيء الى الاسوأ حتى بعد رحيلهم من كردستان الى سوريا , ولكن شق المعاناة يكبر اكثرفي التعاسة الحياتية في جدرها الصلب .
× فكانت تنزاح في تعاملها اليومي في بيئة العائلة الى المنولوج الداخلي , الذي تعبر عن همومها ومعاناتها وتناجي نفسها في سايكولوجية نفسية محبطة ويائسة ومخيبة . لكنها تتمسك بالصبر والتجلد خشية من خسران الحب والحياة , تحاول ان تعالج جراحها بنفسها في مجابهة الصعاب الحياتية ومشاكلها وهي تعيش في بيت الاب ( الحاج سلطان ) . والمنولوج الخارجي , هي محاولة التكيف وتعايش مع الواقع دون اضرار جسيمة , في بيئة صعبة التعامل , فكانت تماشي رغبات العائلة , ولا تلوح بالتذمر حتى لا تثير المشاكل . ولكن وجدت نفسها في تأزم مستمر , وخاصة بعد تأخر الحمل , رغم انقضاء شهور طويلة ولم تظهر بوادار الحمل عليها . وبعد مراجعة الاطباء تأكدت انها سليمة وان عيب العقم في زوجها . لكن عائلة زوجها رفضت هذه النتيجة الطبية وحملتها مسؤولية العقم وعدم الانجاب , وان ابنهم ( أمير ) سالماً ومعافى من تهمة العقم , وانه تورط بها , ويجب ان يتخلص منها سريعاً ويرتبط بزوجة اخرى . وزوجها يسمع تذمر ابويه من هذا الزواج العاق وعليه ان يرمية بأسرع وقت . ولكن في قرارة نفسه يعترف بأنه سبب العقم , لانه تعرض في طفولته الى مرض خطير , واهمل من قبل امه دون عناية ومتابعة طبية , ونجى من الموت , لكنه اتلف بالعقم . ومحاولة تجريب فحولته ارتبط بزواج سري مع أمرأة اخرى , فأذا حالفه الحظ بالحمل فأنه يعلن الزواج بشكل شرعي . لكن ( هدى ) اكتشفت هذه اللعبة . وارادت وضع حد لمحنتها ومعاناتها الانسانية , وطلبت الانفصال والطلاق , وواجهت معارضة قوية حتى من اخوانها بالرفض , بل بالتهديد اذا اقدمت على الطلاق , بأنه عار عليهم وعلى عائلتهم , وخاصة وانهم ذو ثقافة دينية منغلقة . لكن اصرت ( هدى ) على الطلاق رغم المخاطر الجمة على حياتها , وبالفعل حصل الطلاق , وذهبت الى القاهرة / مصر , في سبيل الحصول على شهادة الدكتوراه , وتقديم رسالتها العلمية العالية . وفي القاهرة ارتبطت بعلاقة حب وزواج من استاذها المشرف على رسالتها الجامعية . حين توفرت الظروف المناسبة للزواج في الارتباط مع ( عدنان ) الذي صرح برغبته بالزواج من اجل رفع النظارة السوداء المشؤومة حين ترى الاشياء السوداوية التي تحرث في الاحباط النفسي ( – أسمحي لي سيدتي أن أقول لحضرتكِ , انتِ واهمة . غيري النظارة السوداء التي تنظرين بها الامور . نظارة تجربتكِ المريرة , أخلعي ثوب الحزن , واكسري قضبان زنزانة ما مضى , وانطلقي مع الريح , لتعيشي الحياة كما ينبغي ان تعاش ) ص318 . وحملت من زواجها من ( عدنان ) وجاءت ساعة مخاض الولادة في اجراء عملية قيصرية . وانجبت الطفلة ( أمل ) لكن القدر لم يمهلها بفرح الولادة فخطفها وفارقت الحياة , وهي تضع ثمرة عنائها الحياتي بالظلم والعسف والانتهاك . وان ولادة الطفلة ( أمل ) لتكون شاهد اثبات واحتجاج على ظلم المجتمع وعيوبه القاسية .
× زمن الرواية يفصل في زمنين . زمن قبل الحرب , حيث الحياة الرغيدة الآمنة , وزمن ما بعد الحرب , حيث اعلنت بغداد الحرب ضد الجارة ايران , وتحولت الحياة الى حرب ضروس داخلية وخارجية , على جبهات القتال والموت , وعلى الحرب في الجبهة الداخلية , في ممارسة اسلوب الارهاب والبطش والتنكيل . حيث فتحت السجون والمعتقلات , وبدأت الاجراءات الفورية في الاعدامات والمشانق للابرياء , في حرب عشواء في اساليب التعذيب والبطش لم يعرف لها التاريخ مثيلاً , سوى العودة الى عصر محاكم التفتيش التي كانت الكنيسة تمارسها لكل من يعارضها ويخالفها الرأي , وفي زمن البعث لكل من يشكك في ولائه لحزب البعث . فمثل ما كان قديماً تقطيع اوصال الجسم , في زمن البعث استخدم ماكنة الثرم لضحية . لذلك تحول العراق الى سجن كبير وزنزانات الموت , سواء على جبهات الحرب , او على حرب الضروس الداخلية . وتعود الى العراق بعد سقوط النظام من قبل المحتل الامريكي , بأن يستبدل الطاغية بمجموعة من الحثالات الحقيرة ويسلمهم مقاليد ومصير العراق ( بمجموعة من اللصوص الذين كانوا معارضين للنظام , ومشردين في أزقة أوربا وامريكا يلعقون قصاع الغربيين , ويتسكعون هناك بجباههم التي تركت كثرة الصلوات آثاراً عليها , تسنموا كراسي الحكم بلحى الطويلة ومسبحات ترافقهم في أدارة البلاد , واحياناً يستشيرونها , تقلب خرزاتها أصابع زيتها خواتم من العقيق ) ص140 .
× الرواية : الوجه الآخر للحب
× المؤلف : منتهى البدران
× الناشر : الجنوب للطباعة والنشر والتوزيع . العراق / البصرة
× سنة النشر : نهاية عام 2019
× عدد الصفحات : 350 صفحة
جمعة عبدالله

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here