انطباعات عن رواية “الشط الكبير” للكاتب الراحل “عادل كاظم”

انطباعات عن رواية “الشط الكبير” للكاتب الراحل “عادل كاظم”
دكتور رياض احمد طه –

رواية (الشط الكبير).. آخر ما أصدره الكاتب الراحل “عادل كاظم”*. وهي من إصدارات منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق.
وتعد رواية عميقة في السرد الدرامي و واسعة بجزأين وهي تحكي سيرة مدينة البصرة إبّان الاحتلال البريطاني، أعوام ١٩١٤-١٩٢٠.
و تدور احداث الرواية حيث منطقة شط العرب في البصرة منطقة “التنومة” ابان دخول الانكليز للبصرة وانهاء فترة الحكم العثماني للعراق، ومنها بروز بريطانيا قوة عظمى مهيمنة على الاقتصاد والسياسة ومنها دخول الالات الصناعية للبلد وبما ابهر الناس لتقنيتها امام فقر وبساطة الحياة العراقية ابان الفترة المظلمة للحكم العثماني حيث دخلت الكهرباء والزوارق البخارية والسفن التي تجوب شط العرب وانحسار مهنة “البلامة” الذي كان بطل الرواية “زيدان”يعمل بها وهو انسان بسيط لديه عائلة من زوجة و ولدين صغيرين،وقد تعرض “زيدان” لاغراء المال الذي تسرقه احد العصابات التي لم يكن له علاقة معها،ليقع المال بين يديه بالصدفة بعد مقتل افراد العصابة، لينبهر “زيدان” بهذا المال الكثير المرمي امامه وهو المهموم في عمله التعب الذي لايدر عليه في اليوم غير “ربيتين” فقط ، وهو يعيش عائلته الساكنة ببيت من الطين وقد وصفها الكاتب (الوقت لايشكل اهمية بالنسبة لهذه الطبقة في البيوت الطينية وبالتالي فأن الساعة لاوجود لها في دورهم ولا في يوميات حياتهم).
هذا المال المسروق يصبح شراً وبالاً على “زيدان” الانسان الفقير وعلى اسرته الصغيرة “حيث يتعرض لمكر وخداع الشخص”خليل ابو الخل” الذي اطلع بالصدفة على سرقة المال، و “خليل ابو الخل” هذا الشخص القادم للبصرة من بغداد والهارب من ملاحقة المسؤولين الاتراك الذين لايزالون في بغداد قبل وصول الانكليز لها،لتتحطم على يد “خليل خلو” حياة المسكين “زيدان” وعائلته البسيطة بعد دخول “زيدان” السجن بتهمة ضلوعة بالتعاون مع العصابة دون علمه.
تقع الرواية في جزئين و دونت بكتابين وهي تجسد جشع النفس وحبها لتملك المال،واستطاع الكاتب “عادل كاظم” ان يشد القاريء في سرده الروائي الممتع وهو يصف سلوك وتحرك “خليل خلو” وتصرفاته ونزواته لتملك وحيازة كل شيء يقع نظره عليه.
كان خليل هذا يسمى “خليل ابو الخل” حين التقى به “زيدان البلام” لاول مرة في البصرة حيث بداية دخول الإنكليز اليها محتلين العراق مدعياً الهروب من بطش العثمانيين في بغداد لاتهامه بالتعاون مع الإنكليز.وحين انتقاله الى بغداد بعد ان دخلها الإنكليز محتلين بهذه الأثناء مع “زوجته المغتصبة “رضية”أصبح اسمه “خليل أبو الخلاخل” وارتدى زي الأفندية السدارة والسترة والبنطلون والحذاء اللماع بعد أن كان يرتدي الزي الشعبي الدشداشة والنعال ليتلاءم مع وضعه الجديد في بغداد.
فهو لم يكتفي بتقاسم المال مع “زيدان” بل راح يراوغ لاستدراج ” رضية” زوجة “زيدان” وحقق ذلك بادراجها بحجة اخراج زوجها من السجن ومن خلال علاقته المزعومة مع الانكليز ليتزوجها من خلال عمل مطب لها وقعت به بلا فكاك سهل وياخذها عائدا لبغداد حيث يسكن اخوه،وهو في حال مالي جيد الذي لايسلم من جشعه ايضاً.
في قراءة الرواية يبقى القاريء منتبه وبلذة تلقيه لوقائع واحداث سردها وبلهفة متابعتها،حيث واقعة “رضية” الطيبة البسيطة المحبة كثيرا لزوجها وطفليها لتقع سجينة مقيدة بالسلاسل دون اي فكاك لها ودون ان تستطيع الرجوع الى حياتها التي انسلخت منها عنوة ومجبرة بدون ارادتها بعيدة عن امل خروج زوجها من السجن ومحبتها لطفليها واهلها، وما ينتابها من شعور باحساسها بالذنب والعار ،وبما لايمكن قبوله من الاهل وكل الاخرين مهما كانت الاسباب والدواعي القاهرة التي رمت بها بعيدا عن بيت الزوجية.
نعم كانت تبحث عن مخرج للزوج المسجون المحبة له من محنته ورتداد هذا السعي عكسياً وكارثيا على رضية الزوجة الطيبة وعلى العائلة،
لقد كانت حبكة السرد للرواية متقنة وبرباط سردي متين في تتابعه حتى النهاية ، واهتم الكاتب بالمثول الواضح لدراما الحدث ومن الحوارات والانفعالات النفسية لشخصيات الرواية وسلوكها وتعابير اللفظ المنسجم مع روح الحدث ومكانيته الاجتماعية.
وقد يتصور القاريء نهايات مختلفة في تتابع قرأته، إلا ان النهاية التي اختارها الكاتب “عادل كاظم” تبقى خاضعة لمنطق سرد الاحداث ، وهي نهاية محكمة امام جدار عالي بوجه رجوع “رضية” زوجة البلام الفقير البسيط الطيب “زيدان” وان كانت معذورة امام وقائع لم تقع في الحساب منها وهي المراة المحاصرة اصلا بالعادات المتحفظة للمجتمع الذكوري المتخلف،
وبعد فان رواية “الشط الكبير” تصلح ثيمة ملائمة مع منهج وتاريخ الكتابة الدرامية للكاتب “عادل كاظم” لتكون مسلسل مناسب لمخرجي الدراما والمسلسلات في التلفزيون والمسرح.
……………………………………………………………………………………
عادل كاظم من مواليد بغداد عام 1939، وتخرج في أكاديمية الفنون الجميلة عام 1969، وكتب مسرحية “الطحلب” لتكون باكورة أعماله عام 1962، قبل أن يحفر إنتاجه الدرامي مجراه في ذاكرة الشعب العراقي.
ورحل الكاتب عن عمر ناهز 81 عاما،يوم 2/8/2020 بعد صراع طويل مع المرض.ونعت وزارة الثقافة العراقية، في بيان، وفاة الكاتب المسرحي عادل كاظم، والملقب بـ”رجل الدراما الأول” في البلاد.
وذكر البيان أن “عادل كاظم” كان كاتبا دراميا متميزا بأسلوبه، ومجتهدا في التعبير عن الواقع المحلي عبر مسيرته الفنية الطويلة، التي ناهزت نصف قرن في المسرح والتلفزيون، محافظا على مبادئه في الانتصار لقضايا الإنسان في حياته اكريمة.
كما نعى تجمع “فنانو العراق”، في بيان، وفاة الراحل ذكرين الدراما العراقية بـ”مسلسل (الذئب وعيون المدينة) الذي كانت تخلو شوارع بغداد أثناء عرضه”.
ومن أبرز أعمال الكاظمي المسرحية، “الطوفان”، و”المتنبي”، و”تموز يقرع الناقوس”، و”نديمكم هذا المساء”، و”المومياء”، و”مقامات أبي الورد”، و”دائرة الفحم البغدادية”.
كما قدم أيضا للدراما التلفزيونية العراقية، العديد من المسلسلات أبرزها “الذئب وعيون المدينة”، و”النسر”، و”بنت المعيدي”.
ونال كاظم عدة جوائز وتكريمات في مهرجانات مسرحية، أبرزها في مهرجان المسرح العربي عام 2014
تخرج من اكاديمية الفنون الجمية في 1969 وكانت اول اعماله مسرحية الطحلب ثم مسرحية”الكاع” ومن مشاهيره مسرحية “الطوفان” و”المتنبي” و “تموز تقرع الناقوس” و”نديمكم هذا المساء” و “مقامات ابي الورد” وكذلك مسلسل النسر وعيون المدينة” والحقه ب”الذئب وعيون المدينة” كمتمم للاول.الذين ظل في ذاكرة العرقيين وقد اشترك في تمثيله باقة من عمالقة فن المسرح الرقي.
وكرم كاتب الروايات الدرامية الراحل “عدل كاظم” اخيرا في مهرجان المسرح العربي السادس في الشارقة عام 2014،كما كرم في مهرجانات اخرى عديدة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here