مسرور بارزاني وترسيخ منهج الحوار من أجل الإتفاق الشامل مع بغداد

Image preview

بما أن الحوار کفعل ثقافي رفيع المستوى هو الآلية المثالية لترويض المشكلات والصراعات والحؤول دون إرتدادها على المجتمعات والدول شراً وحروباً وإنقسامات وأن فلسفة “العراق الجديد” کدولة ووطن بُنيت بعد سقوط النظام السابق علی أساس التوازن والتوافق والشراكة والحوار والوفاق والتفاهم على العيش الواحد، إلا أن السلطات المتعاقبة في بغداد ومنذ بداية صياغة الدستور وإقراره عام 2005 عملت بالضد من ذلك ولم یقدم علی أية خطوة تؤدي الی “التوازن والتوافق والشراكة”، حیث بدأت وللأسف بالتعامل بأنتقائية مع الدستور وقامت بتعطیل الكثير من مواده المستجيبة للمفاصل الحیویة والضامنة للعیش المشترك، لغرض إخراجه عن أنْ يكون عقداً مشتركاً.

لقد أكد رئیس حکومة إقلیم كوردستان، السيد مسرور بارزاني، في مجالات متعددة علی أهمية الحوار مع الحکومة الإتحادية لغرض الوصول الی حلول شاملة للمشاکل العالقة بین الإقلیم والحکومة الإتحادية بالطرق السلمية، لأن الهدف من الحوار برأیه هو من أجل كسر الجمود السياسي وإعادة إرساء حد ّ أدنى من التوافق السياسي، من خلاله يمكن الحديث والتفاوض حول الإصلاحات والخطوات الأخرى لتحقيق التغيير الایجابي علی مستوی الإقلیم والعراق.

وفي مقابلة تلفزيونية مشتركة مع الإعلام العراقي والعربي (کالعراقية، والعربية الحدث، والشرقية، والجزيرة، والحرة عراق، وزاگروس) أُجریت، لە يوم الأربعاء 26 آب (أغسطس) 2020 شدّد السيد مسرور بارزاني أيضاً علی أن “لإقلیم كوردستان ککیان إتحادي ودستوري داخل دولة العراق الإتحادية حقوق و واجبات، لكن عدم تطبيق الدستور كما يجب هو الذي جلب المشاکل التي يشهدها العراق الیوم”.

إذن الحکومة الكوردستانية مستعدة لحل جميع المشاكل مع بغداد بشكل جذري والإيفاء بما عليها من التزامات مقابل تأمين الحقوق والمستحقات الدستورية لشعب كوردستان، والوصول إلى إتفاق شامل يرضي الطرفين ويحدد حقوق والتزامات كل طرف.

في السابق أدی عدم الإهتمام بالشراكة في صنع القرار وإدارة مؤسسات الدولة وإجتیاز التوازن بين المکونات والتوافق في اتخاذ القرارات والتشريعات في النهاية الی زيادة الهوة وتقليص الثقة بين الاقليم وبغداد.

لایمکن للعراق أن يحصل علی الاستقرار السياسي والأمني ولایمکن له أن يبني اقتصادە،إذا ما لم تعمل الحکومة في بغداد بجدية علی خلق هذا التوازن والحفاظ علیە.

بالطبع يأتي إعداد الحوارات علی مستوی الإقلیم والحکومة الإتحادية كإستجابة للأوضاع التي يمر به العراق والمنطقة وهو مطلب ضروري من أجل التعامل مع الأزمات ذات الأهمية المشتركة، التي لها انعكاسات على المجتمع العراقي ككل.

نحن نعلم أن العراق کدولة إتحادية بحاجة ماسة الی بلوغ اتفاق ّ سياسي مع حکومة الإقلیم، أو حتى (إعادة) تأسيس إطار مؤسسي جديد بما يستوفي وظيفة إدارة الأزمات (الأزمة الصحية والأزمة الإقتصادية وأزمة السلاح المنفلت و نفوذ عناصر اللادولة، التي ترید اللاإستقرار والفوضی العارمة) وتخفيف حدة التوترات، من أجل بناء نظام سياسي جديد ووضع عقد إجتماعي جديد لإنهاء الشعور بالإستياء العارم والفجوة المتنامية بين المواطنين والنخبة الحاكمة في بغداد.

کل هذا لایمکن أن یحدث، إذا کانت النية من الانفتاح السياسي ليس خدمة الشعب، بل محاربته وإذا ظل الإطار السیاسي الجامع الذي یحتکم الیه الجمیع غائباً وإذا لم يصبح الدستور العراقي إطاراً جامعاً وإذا لم تُفعّل جمیع مواده.

التعددية نعمة وليست نقمة والسياسة هي منذ قرون فن إدارة الإختلاف، وعلی صانعي القرار في بغداد أن يعرفوا بأن القيادة الكوردستانية تمتلك إنضباط أخلاقي وعقلاني و روحي و إرادة التعايش، تغرسها بالتعلیم والتربية.

نعم هناك أكثر من تکامل بین الإقلیم والعراق، خاصة اليوم ونحن نعیش بسبب العولمة في قرية واحدة ومصير مشترك، نتحاور ونقبل التغيير في وجة النظر، التغيير في النظرة للحياة والمشاکل الأساسية الاستراتیجية وغير الاستراتیجية، أما المنهج الأساسي للأقلیم في التعامل مع بغداد فهو عقلاني، متفتح، سلمي، حضاري وليس منهج ردود أفعال غيرعقلانیة أمام اللادستورية و نقائض القرارات، التي کانت تصدر من قبل السلطات السابقة في بغداد.

لا بديل عنِ التعاونِ والشراكة والتضامن، فمستقبل العراق مرهون بالعلاقة بين الإقلیم والحکومة الإتحادية والحکمة والعقلانية تطلب منا أن نتحاور بلاحدود وبلا شروط في إطار حوار سياسي، لأن التعايش مرتبط بالتعرّف والحفاظ علی الأصالة والمساهمة مع الآخر في إطار تحريك التاريخ

المشترك والبحث عن عراق جديد يدار بالعقلانية والحکم الرشيد، بعيداً عن التطرف والطائفية والتعصب المذهبي والجمود الفکري وسوء التصرف ومنطق السوق.

وختاماً نقول، من يريد الإندراج في زمنه للمساهمة في صناعة عراق ديمقراطي فدرالي بصورة بناءة، عليه أن يمارس کرئیس حکومة الإقلیم فلسفة الحوار وأن يتمرس بالمداولة العقلانية المنتجة للصيغ المبتكرة و يبتعد عن منطق النفي والضد والتفكير بعقلية أصولية إصطفائية، لكي ينخرط في بناء عالم مشترك يتيح التعايش السلمي والتبادل علی أسس مدنية أو حضارية في أطار دولة دستورية تؤمن بالمنطق العلائقي الوسطي التواصلي السلمي وتعترف بالآخر المختلف حق الإعتراف.

فلا شيء يدمر القضايا والمشاريع أكثر من أحادية المرجع والقطب والرأي والصوت والطاغية دوماً تصنعها الثقافة، وسیبقی التحقيق بین الثابت والمتحول هو المحنة والمهمة لکل الشعوب عبر التاريخ، للوصول الی الانسجام والتکامل بین الثابت والمتحول.

الدکتور سامان سوراني

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here