اتفاقيات التطبيع والقضية الفلسطينية

ادهم ابراهيم

التطبيع الاماراتي الاسرائيلي ؛ دفع كثير من الكتاب لاستهجان العملية ، ووصف التطبيع بالاستسلام ، وتصفية القضية الفلسطينية . وهناك من ايد نهج ومسار التطبيع مع الكيان الاسرائيلي بذرائع مختلفة .
وكثير من الكتاب اعتبروا الاعلان عن تطبيع العلاقات نتيجة ازمة وجود للكيان الاسرائيلي .

واذا عدنا الى التاريخ القريب نجد ان القضية الفلسطينية كانت بضاعة سياسية للمتاجرة فيها . والى يومنا الحاضر تستغل هذه القضية لخلط الاوراق وتنفيذ مخططات دولية او اقليمية معادية للشعوب العربية .

وبالرغم من اننا لانؤيد خطوة الامارات للتطبيع مع الكيان الصهيوني . الا اننا نرى انها قد استغلت بشكل كبير لترويج سياسات اقليمية . وخصوصا من جانب تركيا وايران . رغم ان تركيا مازالت معترفة باسرائيل ولديها قائم بالاعمال ، مع اتفاقيات اقتصادية ضخمة لايتحدث احدا عنها . كما ان ايران في سياساتها التوسعية اتخذت هذه الخطوة ذريعة لتهديد الامارات ، وهي مازالت تحتل الجزر الاماراتية الثلاث .
وفي قطر كانت لاسرائيل قنصلية في الدوحة ، ثم ان فريقا رياضيا اسرائيليا شارك في العاصمة القطرية نهاية أكتوبر الماضي ببطولة العالم للجمباز .

ولم يعترض احدا او يحتج على زيارة نتينياهو رئيس وزراء اسرائيل لسلطنة عمان نهاية أكتوبر من العام الماضي والتقى بالمرحوم السلطان قابوس .

ان عمليات التطبيع العربية الاسرائيلية ليست جديدة .
فمعاهدة السلام الإسرائيلية المصرية أول اتفاقية سلام مع إسرائيل استعادت مصر بموجبها شبه جزيرة سيناء.. في زمن المرحوم انور السادات .

وكذلك اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل التي طبعت العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بينهما .

كما ان اتفاقيات اوسلو التي وقعتها إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن عام 1993، هي اتفاق سلام بين الطرفين .
وقد اتفق الطرفان على ان الوقت قد حان لانهاء عقود من المواجهة والنزاع، والاعتراف بحقوقهما المشروعة والسياسية المتبادلة . على وفق ماجاء بالبيان الختامي .
وبالنسبة للدول التي كانت ترفض التطبيع مع اسرائيل ، تم اتخاذ اجراءات متعددة لتغيير سياستها ، مثلما جرى في العراق حيث سهل النظام الجديد الذي جاء بعد الاحتلال الامريكي عمليات التعاون مع اسرائيل في مجالات عديدة .
وقد تحدث كثير من المسؤولين الاسرائيليين عن نشاط المؤسسات الإسرائيلية في العراق ، كما كشفت الصحافة الإسرائيلية في مرات عديدة عن جزء من مظاهر النشاط الاقتصادي والتجاري الإسرائيلي في العراق ، فاستناداً إلى ما كشفته صحيفة “معاريف” من أن الشركات التجارية الإسرائيلية اخترقت العراق اختراقاً كبيراً ، قائلة: إن أكثر من 70 شركة إسرائيلية من جميع فروع التجارة والصناعة تعمل في العراق بشكل شبه علني، وتقوم بتسويق منتجاتها للعراقيين . وقد وصلت أرباح الشركات الإسرائيلية من التجارة مع العراق إلى مئات الملايين من الدولارات، وأن هذه الشركات تتوقع أن تزداد أرباحها بشكل كبير في الأشهر القليلة القادمة .
وجاءت هذه العلاقات نتيجة زيارات برلمانيين وسياسيين عراقيين لاسرائيل لم تعد خافية على احد . كما تم ترحيل عدد كبير من الفلسطينيين من العراق بدعوى ولائهم للنظام السابق . . ومع ذلك نجد ميليشيات ولائية تسمي نفسها المقاومة والممانعة ، تتحدث عن شجبها للتطبيع الاماراتي مع اسرائيل .

اضافة الى ذلك فان قرارات التطبيع الجديدة ليست وليدة اللحظة او نتيجة صفقة القرن الامريكية كما يدعي البعض ، بل هي جزء من عمليات مرسومة لاذعان الدول العربية للتطبيع . وبذلك فمن المتوقع ان تقوم دول عربية اخرى بعمليات التطبيع مستقبلا .
حيث تساهم التدخلات الاقليمية والدولية في المنطقة ، من خلال الفوضى المصطنعة في الدول العربية لتغيير السلوك الجمعي العربي للتخلي عن اية افكار تحررية او تقدمية ، وتحويل الصراع العربي الاسرائيلي في المنطقة الى صراع ايراني عربي . او تركي عربي ، وبالتالي دفع العرب باتجاه المصالحة والتطبيع مع اسرائيل .

ان السلوك التآمري للدول العظمى والاقليمية على الدول العربية قد جاء نتيجة تنافسها على الثروة والهيمنة على المنطقة ذات المصادر الطبيعية من النفط والمعادن اضافة الى موقعها الاستراتيجي المهم .

ولذلك نرى معظم الشعوب العربية تمر بظروف صعبة للغاية ، وهي تواجه مخاطر وجودية وليست مجرد تهديدات آنية .

ان اي تطبيع او اتفاقية سلام جديدة بين اي دولة عربية واسرائيل ما هي الا نتاج السياسات التوسعية والتهديدات الايرانية والتركية لامن المنطقة العربية .

وان هذه السياسات ربما كانت مقصودة بتوافق تركيا و ايران مع امريكا والغرب لصالح إسرائيل . . او ان هاتين الدولتين قد اكلتا الطعم وتسببتا في خراب الدول العربية بدوافع توسعية ، وبالتالي فان اصابع الاتهام تتجه الى هذه الدول التي قامت باساليبها التدميرية من تهديد الوجود العربي ودفعت ببعض الدول العربية وعلى الاخص الخليجية منها بالاتجاه نحو التطبيع مع اسرائيل او الصلح والسلام ، ويبدو ان عملية التطبيع هذه ستستمر طالما هنالك تهديدات جدية للوجود العربي . حيث يعتقد بعض العرب ان التهديد الاقرب لوجودهم يجب دفعه بالتهديد الابعد .
وقد لعبت قطر دورا مشبوها في تحقيق هذا الهدف من خلال تحالفها المزدوج مع الدولتين المذكورتين ، وبوق الجزيرة يتلاعب بعواطف العرب تحت دعاوى اسلامية مظللة . وان هنالك قصور في التفكير السليم والمنطق العقلاني لكل من يعتقد بان تحرير فلسطين هو جزء من اهداف تركية او ايرانية في المنطقة .

وخلاصة القول ان نجاح الدولة الصهيونية او امريكا في دفع بعض الدول العربية وخصوصا الخليجية منها الى التطبيع فهذا لن ينهي القضية الفلسطينية المتجذرة في الوجدان العربي ، وسوف يبقى الصراع العربي الصهيوني مستمرا جيلا بعد جيل ، لان القضية الفلسطينية قضية عادلة نتيجة الظلم الاسرائيلي واغتصاب الارض الفلسطينية ، واضطهاد الشعب الفلسطيني وتهجيره المستمر من ارضه دون وجه حق . وان التطبيع مع الدولة الصهيونية او اية تسويات مصطنعة سوف لن تنهي الصراع العربي الاسرائيلي وهي تنذر باستمرار الصراع حتى تحقيق الدولة الفلسطينية العتيدة ، والاعتراف الكامل بحقوق الشعب الفلسطيني .
ادهم ابراهيم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here