تمنيات وخيالات ورؤى متنوعة للسيطرة وتصدير الثورة الايرانية والهيمنة على المنطقة

أ.د.سلمان لطيف الياسري

خلال عقود طويلة من محاولات حكام إيران على مرّ التاريخ الهيمنة على الشرق العربي، كانت هناك حقيقة مرة تقف أمامهم، وتمنع تقدمهم للسيطرة على موارد الشرق العربي وقيادته. كان الشاه يشكو بمرارة من عدم قدرته على قيادة شعوب المنطقة، الأمر الذي ذكر له مستشاروه أنه في غاية الصعوبة، لسبب بسيط وواضح، وهو أن «إيران شيعية والعرب سنة»، على وجه الإجمال. يذهب الشاه للتساؤل: وما السبيل إلى تجاوز تلك العقبة، فيجيئه الجواب: ذلك ممكن في حالة واحدة، وهي: «أن تتسنن إيران أو يتشيع العرب»، وهي المهمة المستحيلة في نظر الشاه.
ومرت العقود ولم يتحقق حلم الشاه ومَن قبله من حكام إيران في السيطرة على المنطقة وقيادة العالم الإسلامي، للسبب الجوهري المذكور، ولصراع القوميات القديم.
وجاء الخميني الذي كان مدركاً للحقيقة المرة التي عانى منها الشاه وأسلافه، وعارفاً بالحالة الوحيدة التي يمكن، من خلالها لإيران أن تبسط نفوذها كقوة إقليمية، وهي «تسنيين إيران أو تشييع العرب»، وذهب إلى خيار «تشييع العرب»، المغاير لحقائق التاريخ والجغرافيا، والذي غلَّفه الخميني بمادة أساسية من مواد الدستور الإيراني، وهي المادة التي تنص على وجوب «تصدير الثورة الإسلامية»، حسب نص الدستور، ظناً من الخميني أنه يمكن أن يجعل ثورته عالمية، بعد قيادة العالم الإسلامي، الذي سيحدث فيه تجانس ديني، يغير موازين القوى الطائفية لصالح مشروعه في «الحكومة الإسلامية العالمية»، وهي الرؤية التي لا تخلو من أحلام مثالية، غالباً ما تولد في المخيال الديني، عندما تشوبه شوائب الأيديولوجيا في إطاراتها السياسية.
لا بد أن الخميني كان مُلمَّاً بتجربة الصفويين في تحويل إيران من «التسنن» إلى «التشيع» بالقوة، كما ورد في تاريخ إيران الوسيط. وبناء على ذلك، ولكي يمضي الخميني قدماً في تنفيذ مخططه، لوحظ أنه اهتم كثيراً بـ»تصدير الثورة» عبر الحدود الغربية -لا الشرقية – لإيران، وهي الحدود مع الدول العربية، ما يشير إلى رغبته المغلفة في تحقيق حلم الشاه، في السيطرة على العالم العربي، بمراكزه المقدسة، وهو الحلم الذي مات من دون أن يتيسر له تحقيقه، في ما تمكن الخميني وورثته من بعده من قطع شوط لا بأس به جهة تحقيق هذا الحلم الموارَب القديم.

ليس الغرض من مبدأ «تصدير الثورة» في الدستور الإيراني خدمة «مذهب التشيع»، قدر ما هو نشر «مبدأ ولاية الفقيه»

ولكي يتسنى للخميني العمل على تصدير ما يراه «تشيعاً»، في لباس ما يراها «ثورة إسلامية»، تحت مبدأ «ولاية الفقيه»، فقد أصر- أولاً- على التأسيس لتطييف المجتمع السياسي والشعبي في إيران، وحرص على أن يكون ذلك ضمن نصوص دستورية ترقى إلى مستوى القرآن، حسب نظره، لأنها كما يؤكد «مأخوذة عن القرآن» نفسه.
ولكي يكون الانطلاق للخارج قوياً، لابد من ضمان الأسس الداخلية للانطلاق، بالعمل على تضمين الدستور الإيراني مواد تؤسس لتحويل المجتمع إلى لون مذهبي واحد، الأمر الذي نراه واضحاً في هذا الدستور، الذي ألزمت «المادة 115» منه الرئيس الإيراني بأن يكون مؤمناً، وعلى «المذهب الشيعي الجعفري»، وألزمت «المادة 121» الرئيس بأن يؤدي القسم التالي لكي يتولى مهام منصبه: «أقسم بالله أن أكون حامياً للمذهب الرسمي للبلاد». وهذه إشارة إلى أن «المذهب الجعفري الإثني عشري» في إيران فوق الدين، الذي هو الإسلام حسب الدستور الإيراني. وفي إشارة طائفية واضحة تشير «المادة 13» من الدستور الإيراني إلى أن «الإيرانيين الزرادشت، واليهود والمسيحيين هم الأقليات الدينية التي يحق لها وحدها حرية ممارسة شعائرها الدينية»، مع إغفال واضح لذكر «المسلمين السنة». ومن خلال تلك النصوص الدستورية الفاقعة في تطييف العمل السياسي في إيران، أراد الخميني أن يثبت رؤيته الخاصة للتشيُّع داخل إيران، لكي يمهد بذلك للمادة الخطيرة في دستور إيران، التي تنص على وجوب «تصدير الثورة الإسلامية»، بمفهوم الخميني الذي لا يرى التشيع إلا في «ثورته»، ولا يرى الثورة إلا في «ولاية الفقيه»، التي يعارضها أغلب مراجع الشيعة الكبار في العالم العربي، ولا يؤيدها إلا أتباع «التشيع السياسي» في المنطقة.
ونحن عندما نرى أن الإيرانيين يحرضون على تصدير الثورة/ولاية الفقيه، خارج حدودهم الغربية، من دون أن يذهبوا إلى تصديرها خارج حدودهم الشرقية، فإن ذلك يعطينا انطباعاً واضحاً بأن المستهدف من تصدير الثورة هم العرب، وأن الهدف من تلك الثورة هو نشر التوترات الطائفية في العالم العربي، ليتسنى لإيران إحداث «فوضى طائفية»، للتمكن من إخضاع دول المنطقة بضرب نسيجها الاجتماعي، بأذرع إيران المليشاوية المسلحة، كما هو حاصل في العراق وسوريا واليمن، وتخريب بنيتها السياسية، في دول أخرى عن طريق أذرع إيران في تيارات «التشيع السياسي»، كما هو حاصل- في أوضح صوره- في لبنان.
ليس الغرض- إذن- من مبدأ «تصدير الثورة» في الدستور الإيراني خدمة «مذهب التشيع»، قدر ما هو نشر «مبدأ ولاية الفقيه»، الذي فُصِّل ليخدم النظام في طهران، وليس الهدف من المبدأ خير ونفع الشعوب العربية، التي تحاول إيران استهدافها بتصدير ثورة الخميني إليها، ولكن تخريبها تمهيداً لإخضاعها لهيمنة طهران. ونحن إذا ألقينا نظرة عجلى على أوضاع البلدان التي تعاني من التدخل الإيراني، فسنجد أن هذا التدخل لم يجلب إلى تلك البلدان المدرسة والمستشفى والطريق المعبد، والاستثمار في البنية التحتية، بل على العكس، فإن المال الإيراني أصبح داعماً للفتن الطائفية، والحروب الأهلية، وتخريب المنظومات السياسية والاجتماعية، في مؤشر واضح على نية طهران من وراء «تصدير الثورة»، ومفهوم إيران لهذا المصطلح الذي يندرج ضمن سياقات التشيع السياسي لا الديني، أو سياقات التشيع الصفوي الاستعماري، لا التشيع العلوي الإيماني، أو لنقل إن مفهوم إيران لمصطلح «تصدير الثورة» يأتي في سياقات الأطماع السياسية للخميني، لا القيم الدينية للحسين الذي استنزفت شخصيته الأدبياتُ السياسية والأيديولوجية الإيرانية لخدمة أغراضها السياسية، داخل إيران وخارجها، وهو الأمر الذي بدأ الإيرانيون أنفسهم يدركون خطورته على بلادهم نفسها، ما جعل مئات آلاف الإيرانيين يخرجون- كل ما عنَّت مناسبة- في تظاهرات عديدة يحرقون صور الخميني وخامنئي، ويهتفون: «تسقط ولاية الفقيه».

ثورة الخميني قومية وليست إسلامية والدليل هو بإحياء أعياد النوروز والإحتفال بها لعشرة أيام !! ولا حول ولا قوة الا بالله

1- من خلال متابعتي لأحداث المنطقة والعالم ، أجد بأن المسيطر على الدول العربية والإسلامية (أمريكا وبريطانيا وإسرائيل) ، شماعة إيران أوجدها الغرب وصهاينة العالم لكي يجعلوا من الحكومات العربية والإسلامية الارتماء في أحضان الصهيونية بدل التعاون والتحالف والصداقة مع إيران ، اليوم نجد القواعد العسكرية الغربية هي التي عبرت المحيطات والبحار لكي تتمركز في الدول العربية والإسلامية لكي تسرق خيرات تلك الدول واستنزافها ، اليوم البعض يتحدث عن تصدير الثورة الإيرانية ولم يتحدث عن تصدير الأفكار الغربية والصهيونية التي أحدثت دمار وخراب في عقول العرب والمسلمين ، اليوم الثقافة الغربية هي الطابع المنتشر في الدول العربية والإسلامية وليست الثقافة الإيرانية .

2- اليوم تجد حاكم البيت الأبيض الأمريكي يقول لولا نحن لن تبقى السعودية قبلة المسلمين أسبوعين ونحن من نحميها وعليها أن تدفع لنا ، ومعنى ذلك أن السعودية على سبيل المثال على كبر حجمها ليست مستقلة بل تابعة للغرب وتعتبر محمية غربية صهيونية يقوموا بحمايتها والرضا عن حكامها ودعم الحاكم الموالي للغرب ، لنأخذ الأحداث الأخيرة في غزة وتسلل الصهاينة في جنح الظلام لغزة لولا دعم المقاومات من قبل حلف المقاومة والممانعة وعلى رأسها حماس لن نسمع ونرى اليوم أي مقاومة عربية فلسطينية سنية في غزة ..

3- اليوم المطلوب من الدول العربية والإسلامية إعلان الولاء المطلق للغرب وإسرائيل (إما معنا وإما ضدنا) لهذا نجد الحكومات العربية والإسلامية منخرطة انخراط كلي في مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني والتحالف مع الصهيوأمريكي ودفع مئات المليارات مقابل الحماية والحفاظ على الكرسي .

4-تصدير الثورة الإيرانية كمفهوم عام لا إشكال فيه فهو يدعوا إلى مقاومة وممانعة قوى الاستكبار ومعظم المسلمين سنة وشيعة لا يرفضون هذا الأمر بل يريدوا أن يقارعوا الاستكبار المهيمن على مقدراتهم وثرواتهم ، استطاعت إيران تحقيق بعض أفكار أو أحلام الشباب التعطش لنزال الصهيوأمريكي والصهيوني وذلك من خلال دعم المقاومات بالسلاح والعتاد والتدريب والخطط العسكرية والإعلام والمال وغيره ، لهذا نجد اليوم في حلف المقاومة والممانعة عرب سنة وعرب شيعة يؤيدون النهج المقاوم والممانع ، لو استخدمت إيران نهج نشر التشيع في المنطقة سوف تفشل بالتأكيد ولكن استخدمت أسلوب مقبول لدى العرب والمسلمين وهي نصرة الشعوب المستضعفة دون النظر إلى لون وشكل ودين ومذهب وعرق هذا المستضعف .

5-الصهيونية العالمية لن تسمح ولن ترضا بحكومة مقاومة وممانعة في الشرق الأوسط بل في العالم حتى لو كانت سنية وليست شيعية ولن في جمال عبدالناصر خير مثال ، بينما الصهيونية العالمية كانت راضية كل الرضا على شاه إيران الشيعي الذي خدم الصهيونية العالمية ولقب بشرط الخليج والحكومات العربية والخليجية كانت تنال رضا الشاه وبركاته .
الخلاصة :- الصهيونية العالمية هي المتحكمة في العالم وهي التي تنصب الحكام ومن يعارضها تقوم بتدميره من الداخل وعبر الخارج باستخدام كل الأساليب القذرة واستخدام المصطلحات القومية والمذهبية وغيرها لتحقيق الهدف المنشود ..

-1إيران اخطأت أخطاء فادحة بأن أعطت المبررات للغرب لجعلها شماعة ابتزاز للخليج، وأنت تعرف أن إيران لو حرصت على علاقات طيبة مع الجيران لسقطت شماعة إيران التي تعترف أنت بدورها في خدمة الغرب.2-ايران استنزفت القضية الفلسطينية باستغلالها سياسياً واستفادت منها أكثر مما أعطتها، وإيران وإن كانت تزعم مقاومة قوى الاستكبار فذلك ليس لسواد عيون الشعوب العربية، ولكن لكي يحل النفوذ الإيراني محل النفوذ الأمريكي، وتلك الشعوب لا تريد استبدال نفوذ بنفوذ.إيران مسؤولة عن أفعال الفوضى وهي مشاركة في الحروب الأهلية في العالم العربي، وهذا أمر لا أظنك تنفيه.وإذا كانت إيران وردت بعض السلاح لحماس فإن الدول العربية تتكفل بمرتبات موظفين ومشاريع تفيد في صمود الفلسطينيين، دون أن نبرئ تلك الدول من بعض تصرفاتها ازاء القضية.3- أن إيران غلفت تدخلاتها في المنطقة باسم المقاومة، وهي في الحقيقة تدخلات طائفية في معظمها، تخدم السياسات الإيرانية في نشر الفوضى الممهدة لسيطرة طهران، وإيران أذكى من أن تكشف أهدافها بوضوح في نشر فكرها الطائفي ليكون وسيلتها للسيطرة.
لا تنخدع بالشعارات فإنها لا تفيد الا أصحابها من السياسيين، وانظر هل كان ضرر سياسات إيران غالباً على الدول العربية أم على إسرائيل.اخيراً ألا تتعجب من الطريق الإيراني إلى القدس الذي مر عبر بغداد وكربلاء ودمشق وصنعاء وحلب والموصل ودمرها قبل أن يصل إلى القدس.تلك إشارة واضحة “لمن ألقى السمع وهو شهيد”
لذلك كنا دائما نقول أن خطر إيران أكبر بكثير من خطر إسرائيل فإسرائيل لم تستطع طوال سبعين عاما من الصراع معها من الوصول إلى ما وصلت إليه إيران في أقل من ثلاثين عاما من تمزيق للمجتمعات العربية وتفتيتها داخليا وجعلها متصارعة فيما بينها في العراق وسورية واليمن ولبنان معتمدة على أذرعها من مرتزقة ما يسمى الحشد الشعبي ومليشيات حسن و الحوثيون ومليشيات بشار ، وأمريكا وإسرائيل اعطت الضوء الأخضر لإيران لتنفيذها مشروعها الهدام
فمشروع الفوضى الخلاقة الذي حدث في منطقتنا تم في جزئه على يد إيران و ليس أمريكا. عندما سقط الشاه نتيجة الثورة الايرانية كان ذلك بمثابة سقوط الصنم الاكبر الوكيل الرئيسي للغرب فاهتزت الاصنام الصغيرة و تزلزت مصالح الغرب و ساد الهلع..و مما زاد في الزلزال ان الثورة اخذت طابعا اسلاميا و رأى الناس الخميني يجلس على الحصير مع اتباعه مقارنة بالسلاطين الصغار الذين بالغوا في مظاهر الابهة و الترف على الرغم من فشلهم ومن الفاقة و التخلف السائد في بلاد المسلمين..ومما زاد في أثر الثورة في الشعوب العربية تحويل سفارة اسرائيل الى سفارة لفلسطين و اهانة امريكا . الحرب ضد ايران بررت قمع الاتجاهات المعارضة الداخلية و اعلت اسهم القوميين و المتعصبين مذهبيا. و تعلم الايرانيون من دروس الحرب المبادرة و نقل المعركة الى الخارج و بدأ ذلك بالتواصل مع ما يمكن التواصل معهم في لبنان و العراق و سوريا و اليمن .تناقض ايران مع الغرب هو نفس تناقض تركيا اليوم و تناقض مصر ايام عبد الناصر بالامس..هو الخوف من وجود اي دولة قوية في الشرق رائدة يمكن ان تهدد مصالحها و منها قاعدتها المتقدمة اسرائيل.للاسف فان الاعراب حاربوا ايران و اليوم ترد ايران الكرة و المستفيد من الحالتين هم اعداء المنطقة الحقيقيين ووكلائهم

تحتفل إيران لقيام ثورتها التي سعت لتصديرها إلى محيطها الإقليمي باستخدام أدوات استطاعت بواسطتها التغلغل في دول عربية عدة ولعب دور مثير للجدل. لكن هل لا تزال طهران قادرة على الاستمرار باللعب بتلك الأدوات؟

قبل أربعين عاماً، عاد آية الله الخميني من منفاه في فرنسا إلى إيران، معلناً عن أولى تباشير الدولة الإيرانية الجديدة بعد نهاية نظام الشاه رضا بهلوي. بيدَ أن انطلاق هذه الدولة لم يكن شأناً داخلياً خاصاً بالإيرانيين، ففضلاً عن كونها أول كيان ينشأ عن ثورة دينية في منطقة الشرق الأوسط، اهتم النظام الإيراني بتصدير نموذج ثورته المثير للجدل إلى الخارج، معتمداً في البداية على آليات مذهبية، ما أجّج التوتر بينه وبين عدد من دول الجوار، خاصة الجيران السنة الذين تقودهم العربية السعودية.

مناطق التمدد الإيراني- مدّدت إيران نفوذها في عدد من مناطق النزاع بالعالم العربي، مستغلة في ذلك ظروف الحروب الأهلية والأزمات الداخلية. بدأت أولاً في لبنان، إذ قامت خلال فترة الحرب الأهلية بدعم التنظيمات الشيعية، خاصة حركة أمل، أو حتى المساهمة بقوة في إنشائها كما كان الحال مع حزب الله، ما مكّن إيران من موطئ قدم في لبنان ما بعد الحرب. وتكرّر المشهد ذاته في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، حيث استفادت إيران من الحضور القوي للمكوّن الشيعي لأجل دعم أحزاب وحركات أضحت اليوم رئيسية في المشهد العراقي. والأمر ذاته جرى في اليمن، حيث تتهم إيران على نطاق واسع بدعم الحركة الحوثية، رغم نفي طهران لذلك, بيدَ أن أبرز تدخل عسكري إيراني حدث في السنوات الأخيرة، كان في سوريا، إذ شكّل وقوفها إلى جانب نظام الأسد، أحد الأسباب الرئيسية التي ساهمت في استمراره رغم كل التوقعات بنهايته بعد فقدانه السيطرة على أراضٍ كبيرة. والمثير أنه في الحالة السورية، لم يتوقف الرابط بين إيران والنظام على المذهب الشيعي فقط، بل تجاوزه لإقامة تحالف مع روسيا، ثم تفاهمات واسعة مع تركيا وفضلاً عن تبني سياسة تصدير الثورة، يرى خالد الحروب، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة نورثويستيرن في قطر، وزميل باحث في جامعة كامبردج، أن التدخل الإيراني في دول الجوار تفاعل مع تقدير إيران للمخاطر والتهديدات التي تواجهها من قبل الولايات المتحدة واسرائيل، ما جعل طهران تبّرر التدخلات في الاقليم بمسوغات دفاعية ووقائية. ويخلص الحروب لـDW عربية إلى أن: “هذا التدخل نتاج مزيج من الثقة الأولية بالنفس والتوتر وردود الفعل الدفاعية اللاحقة”.

ويؤكد الحروب أن نقطة التحوّل الكبرى في التدخلات الإيرانية بالمنطقة كانت في “نتائج الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2009، حيث كانت إيران أكبر مستفيد منه”. ويضيف: “قدمت الولايات المتحدة العراق محطماً ومشرّع الابواب لإيران، ومن خلال البوابة العراقية تواصل النفوذ الايراني الى سوريا وترسخ وتعزز في لبنان عبر حزب الله”.

أدوات التمدد – استخدمت إيران عدة آليات لتمديد نفوذها في المنطقة، من أبرزها رفعها راية نصرة المكوّن الشيعي الذي عانى من التضييق في عدد من المناطق العربية، ومن ذلك ما عاناه الشيعة من مظالم في العراق في ظل نظام صدام حسين. الأمر ذاته تكرّر في البلدان الخليجية، حيثُ تتزعم السعودية محور العالم السني الإسلامي، وترّكز منذ عقود على تحجيم أيّ تنامٍ ممكن للمكون الشيعي، وهو ما ردت عليه طهران بدعم حركات شيعية في الخليج، منها ما هو مسلح كـ”حزب الله الحجاز” في السعودية، أو بدعم ورقة المجموعات الدينية، خصوصاً في البحرين حيث تقول إحصائيات إن الشيعة أكثر عدداً من السنة.

كما تقمصت طهران دور حامل لواء “مقاومة إسرائيل” كوسيلة لتوسيع شعبيتها في المنطقة العربية، ليس فقط على مستوى الشعارات التي ترفعها إيران وحلفاؤها، حتى منهم البعيدون جغرافياً عن النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي كالحوثيين، بل كذلك على مستوى المواجهة العسكرية عن طريق حزب الله. ولم تكتفِ طهران بذلك، فقد فهمت مبكراً انتشار لغة السلاح في المنطقة، ودعمت بذلك ميليشات مسلحة في أكثر من بلد، حيث سعت هذه الحركات إلى إحكام قبضتها على المجال المسلح، ما مكنها من دور أكبر في المجال السياسي.

ويشير الباحث الحروب إلى عامل أساسي قوّى للأدوات الإيرانية، هو استغلال طهران للتفكك العربي واستثمارها الخلافات العربية الحادة حتى تحوّلت إلى قائدة لما يسمى بـ”محور الممانعة”. ويشير المتحدث إلى أن استغلال طهران لهذا العامل بدأ من تأييد سوريا لإيران خلال حربها مع العراق، إذ “شكّل هذا الموقف حالة استثنائية لإيران في قلب المشرق العربي أتاح لها تعزيز نفوذها في كل الاتجاهات. وما يؤكد كلام الحروب أن إيران، وفي سعيها لتلميع صورتها عربياً، روّجت نموذجها في التصنيع قرب دولٍ عربية جلّها تعتمد فقط على النفط في بناء دورتها الاقتصادية، ووصل التصنيع الإيراني حدّ المجال العسكري، فضلاً عن أن دخولها المجال النووي ساهم في مزيدٍ من تلميع صورتها في المنطقة باعتبارها خصماً قوياً للولايات المتحدة التي تهمين سياسياً على قرارات الكثير من الدول العربية.

تحديات أمام تصدير الثورة – غير أن طهران تصطدم بالكثير من التحديات والمشاكل في مسعاها نحوَ تمديد نفوذها، أولها النقاش الداخلي الواقع حول تأويل مفهوم تصدير الثورة الذي أتى به الخميني والقاضي بدعم “المستضعفين”، فقد أضحت السياسة الإيرانية أكثر واقعية ببحثها عن إقامة تحالفات مع قوى إقليمية ودولية تتيح تمديد النفوذ بعيداً عن القالب الديني الذي جاءت به الثورة، أو عن التدخل المباشر في شؤون دول الجوار، بما يتيح تخفيف الانتقادات الموجهة إليها, إلّا أن اختيار القيادة الإيرانية لنموذج أكثر واقعية أتى كذلك لأسباب اقتصادية، إذ تعترف طهران بوجود انكماش اقتصادي حقيقي في البلاد من أسبابه العقوبات الدولية والأمريكية التي فرضت في السنوات الماضية وأعيد فرضها مؤخراً. وتدرك إيران أن سلاحها النووي، وإن جعلها نموذجا متفرداً وسط المنطقة، فإنه في الجانب الآخر، جرّ عليها غضباً دولياً أثر عليها اقتصادياً. كما تعاني طهران من ارتفاع وتيرة استعداء عدد من جيرانها العرب لها، إذ يدعمون الحركات الانفصالية داخل حدودها كما عليه الحال في الأحواز، فضلاً عن وقوع احتجاجات دورية في البلاد ضد السياسات الاقتصادية للحكومة، زيادة على التكلفة الباهظة لتدخلاتها العسكرية في سوريا , غير أن خالد الحروب، يشير إلى أن الولايات المتحدة مسؤولة بشكل كبير عمّا يجري في إيران حالياً، مستحضراً أحداثاً تاريخية من قبيل “دعم واشنطن للانقلاب على حكومة مصدق الوطنية في خمسينيات القرن الماضي بسبب رفض الحكومة استغلال الشركات الأمريكية والأوروبية للنفط الإيراني، وكذلك دعم واشنطن لديكتاتورية الشاه وإجراءاته القمعية”. ويرى الباحث الحربو أن إيران استخدمت البرنامج النووي لأجل تفكيك الحصار عنها، وهي الآن في طور تفكيك هذا الحصار حسب تعبيره، بل إنها “لم تعد خاضعة للإملاءات الغربية خاصة مع صعود النفوذ الروسي في المنطقة وتعقد معادلات القوى الكبرى فيها”.

فشل النظام الإيراني المأزوم اقتصاديا في تفادي امتداد الاحتجاجات في كل من العراق ولبنان إلى الداخل بعد أن تفجرت الأورام الاجتماعية هناك على إثر قرار الحكومة الترفيع في أسعار المحروقات. وسرعان ما تحوّلت مطالب المتظاهرين الاجتماعية إلى رفع شعارات سياسية تطالب بإسقاط النظام والتخمة الحاكمة الفاسدة بمن فيهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في تطور غير مسبوق. وتذكر هذه الموجة من الاحتجاجات بآخر أيام شاه إيران محمد رضا بهلوي، فهل يعيد التاريخ نفسه ويعيد الإيرانيون الكرّة؟ يبدو ذلك غير بعيد المنال، فالمسألة مسألة وقت لا أكثر.

طهران – في 13 يناير 1979، تظاهر مليونا شخص في ثلاثين مدينة إيرانية، مطالبين بعودة الخميني، وطرد الشاه. وفي 16 يناير غادر الشاه البلاد، قائلا “أشعر بالتعب، أنا بحاجة إلى الراحة”. رحل الشاه إلى منفاه، وخرج مئات الآلاف من الناس إلى الشوارع للاحتفال بالحدث.

وفي 1 فبراير 1979، خرج أكثر من ثلاثة ملايين شخص إلى الشوارع، للترحيب بعودة الخميني. عاد آية الله روح الله الخميني إلى إيران، بعد 14 عاما في المنفى، معلناً عن تباشير الدولة الإسلامية الجديدة، بعد نهاية نظام الشاه رضا بهلوي. حدث لم يكن شأناً داخلياً خاصاً بالإيرانيين وحدهم، بل هو حدث دفعت ثمنه شعوب المنطقة على مدى أربعين عاما.

منذ اليوم الأول وسعت إيران نفوذها، مستغلة في ذلك ظروف حروب أهلية وأزمات داخلية. بدأت من لبنان، بتقديم الدعم لتنظيمات شيعية، خاصة حركة أمل، وساهمت بإنشاء حزب الله. وتكرّر المشهد ذاته في العراق، حيث استفادت إيران من الحضور القوي للمكوّن الشيعي، فعملت على تدعيم أحزاب وحركات أضحت اليوم لاعبا رئيسا في المشهد العراقي. الأمر ذاته جرى في اليمن، وفي سوريا.

نقطة التحول الكبرى كانت في العراق، الذي قدمته لها الولايات المتحدة مجانا، ومن خلاله تمكّنت إيران من بسط نفوذها على دول الجوار واليوم، بعد مرور 40 عاما، يخرج الشارع الإيراني محتجا، مرددا هذه المرة شعارات مناهضة لآيات الله ورجال الدين مطالبا بتنحيتهم، وتحولت بعض الاحتجاجات إلى العنف.

وجد الشاه، الذي أراد أن يرتاح، بلدا يستضيفه بعد أن اضطره الشارع الإيراني إلى الرحيل، فهل سيجد حكّام طهران من يستضيفهم إذا اضطروا هم أيضا تحت ضغط الشارع للرحيل

الدكتاتور، عادة، يجد ملجأ له إن اقتصرت شروره على البلد الذي حكمه، ولكن عندما تطال الشرور دولا جارة له، وتتوسع أحلامه للسيطرة على العالم، من خلال تصدير الثورة، يكون هناك أمل ضعيف في أن يجد بلدا يستضيفه.

هذا لا يعني أن نهاية ملالي إيران أصبحت وشيكة، من كان مثلهم لا يرحل بسهولة.

يحرص رجال الدين، الذين يحكمون إيران اليوم، على منع تكرار الاضطرابات التي حدثت أواخر عام 2017، عندما خرج الإيرانيون في 80 مدينة وبلدة بسبب تدني مستوى المعيشة، مرددين شعارات تطالب رجال الدين بالتنحي عن الحكم. لقي فيها 22 شخصا حتفهم. بينما استمر حكم الملالي ومن المؤكد أن الولايات المتحدة جادة اليوم في وضع حد لطموحات طهران، رغم الأحاديث الصادرة عن أكثر من جهة، والتي يشكك أصحابها بنوايا واشنطن، ومدى جدية التهديدات التي تطلقها حكومة الرئيس الأميركي ترامب اختارت أن تتعامل مع طهران بسلاح المقاطعة والحصار الاقتصادي، الذي أثبت فعالية، على الأقل وفق ما نراه يحدث اليوم في مدن إيرانية مكرهة، اضطرت طهران لتقنين توزيع البنزين ورفعت أسعاره بنسبة 50 بالمئة، أو أكثر، في خطوة حاول مسؤولون إيرانيون تبريرها بالقول إنها تهدف إلى خفض الدعم المكلف، الذي تسبب بزيادة استهلاك الوقود، وتفشي عمليات التهريب. وقال الرئيس، حسن روحاني، إن الزيادة في سعر النفط ستتيح مساعدة فئات المجتمع التي تواجه صعوبات، أي 70 في المئة من الإيرانيين والغريب أن روحاني يصر على نفي الصعوبات الاقتصادية، مؤكدا أن كلّ من يتصور أن الحكومة تلجأ لزيادة الأسعار بسبب الأزمة الاقتصادية واهم.

يبدو أن الأرقام لا تعني شيئا في القاموس الاقتصادي للسيد روحاني، وإلا كيف يفسر انهيار الريال مقابل الدولار، منذ تخلّت واشنطن عن اتفاق 2015 النووي. وارتفاع نسبة التضخم التي تبلغ أكثر من 40 بالمئة، بينما توقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد بنسبة تسعة بالمئة هذا العام، وأن يشهد ركوداً في عام 2020.

للمرشد الأعلى علي خامنئي، نظريته حول ما يحدث في إيران اليوم، فهو يلقي باللوم في “أعمال التخريب” على معارضي الجمهورية الإسلامية وأعدائها الأجانب. مؤكدا أنه يدعم قرار رؤساء السلطات الثلاث في ما يتعلق برفع أسعار الوقود ولأن سياسة النكران هي أفضل خيار لمن كان مثلهم، اختاروا حجب الإنترنت، لينساهم العالم , واشنطن مصرة على ألا تنساهم، وسارعت تدين محاولتهم حجب الإنترنت، مؤكدة أنها “تقف إلى جانب الشعب الإيراني الذي طال أمد معاناته في الوقت الذي يحتج فيه على أحدث المظالم من نظام السلطة الفاسد. إننا ندين محاولة قطع الإنترنت. اتركوهم يتحدثون واهم من يظن أن مسؤولين يفكرون بطريقة خامنئي وروحاني سيتخلون عن السلطة طوعا. على العكس، سيحاربون حتى آخر رمق، حتى لو كان الثمن تحويل المدن الإيرانية إلى أنقاض وشاه إيران “المتعب”، وجد من يستضيفه عندما أراد أن يرتاح. عاجلا أو آجلا، سيأتي اليوم الذي يضطر فيه حكام إيران إلى الرحيل.. فهل يجدون من يقبل استضافتهم؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here