الامير كاميران بدرخان .. مهندس العلاقات الكُردية – اليهودية/ج36

الامير كاميران بدرخان
مهندس العلاقات الكُردية – اليهودية/ج36

أ.د. فرست مرعي
وفيما يلي نص برقية إستنكار من المكتب السياسي للحزب الديموقراطي الكردستاني موجهة إلى مراجع عديدة، ونسخة إلى السيد عزيز شريف ( = وزير الدولة العراقي) ومؤرخة في 1/10/1973م، جاء فيها:” حدث خلاف محلي قبل بضعة أيام في منطقة القوش بين أنصارنا وبين الشيوعيين في المنطقة المذكورة. وحظر إلى مقرنا فور وقوع النزاع ممثلون عن قيادة الحزب الشيوعي وتم الإتفاق على حسم المشكلة، إلا ان قوات الجيش إتخذت من الحادث العابر المذكور حجة لمهاجمة المنطقة وقصف القرى المحيطة بها بالمدفعية الثقيلة ولازالت الإشتباكات مستمرة هناك منذ ثلاثة أيام بسب إصرار قوات الجيش على مواصلة هجومها على المنطقة، إن المصلحة العامة وصيانة أرواح المواطنين وممتلكانهم تستلزم الإيعاز بوقف القتال فورًا والذي لم يكن له مبرر أصلاً لكي يتسنى لنا سحب أنصارنا من منطقة الإشتباك. إنبؤونا.
كما صدرت برقية من عزيز شريف في مقر البارزاني موجه إلى كل من الرئيس(= الرئيس العراقي أحمد حسن البكر) ورئيس اللجنة العليا (= صدام حسين) في التاريخ ذات، جاء فيها: “يؤكد الاخوان هنا بأن المدفعية مستمرة على قصف مقرات البيشمركه في منطقة القوش. وهذه الاخبار لا تنسجم مع مواقف الإخوان هنا، إذ قد ابرق المكتب السياسي للحزب الديموقراطي الكردستاني برقية عممت صباح اليوم إلى كافة منتسبيه بضرورة الحفاظ على الهدوء وتجنب كل إحتكاك تقديراً للظرف الذي تواجه فيه القوى العربية العدو الصهيوني. ارجو الامر بما ينبغي لإنهاء هذه الحالة.” عزيز شريف. ينظر: مذكرات عزيز شريف، ص 416.
وبخصوص موقف البارزاني من حركة تشرين الأول (= حرب تشرين الاول عام 1973م)، يقول ما نصه:” منذ حزيران 1968 أعلن البارزاني موقفه بأن لا تخوض الحركة القومية الكردية حرب ضد الجيش العراقي فيما إذا إشتبك مع إسرائي، وذلك برسالة وجهها إلى الرئيس(= السوري) نوري الدين الاتاسي في التأريخ المذكور، وقد تم الحديث عنها مفصلاً، وكرر موقفه هذا عند نشوب الحرب ضد إسرائيل في تشرين الاول 1973م، فقد كنت في مقره في 9/10/1973م وحرر إلى الرئيس البكر الرسالة التالية:
سيادة الاخ المهيب احمد حسن البكر المحترم
رئيس الجمهورية العراقية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن معركة المصير التي تخوضها الامة العربية الشقيقة وما يتصل بذلك من مضاعفات تحتم علينا جميعًا تقدير واجبنا التأريخي والعمل من أجل رص وحدتنا الوطنية وبذل اقصى ما نستطيع من جهود لتذليل المشاكل والعقبات الثانوية بيننا والعمل الجاد من اجل تعزيز جبهتنا الوطنية الداخلية وتوفيرمستلزمات التصدي الناجح لدرء المخاطر المحدقة ببلادنا وتصفية الجمود الذي يكتنف العلاقات بيننا وبين حزب البعث العربي الإشتراكي، والسعي من اجل دفع هذه العلائق بإتجاه إيجابي يضمن تقوية وحدة شعبنا العراقي الوطنية من جهة ويحقق المطامح المشروعة لشعبنا الكردي ضمن هذا الإطار من جهة أُجرى. وإننا لنتطلع إلى إجراء تلاقي أخوي جاد في أقرب وقت ممكن بين ممثلينا وممثلي الحكومة للتوصل إلى صيغة مرضية للحكم الذاتي لمنطقة كردستان تنسجم مع روح إتفاق آذار التأريخي ومن ثم إنجازالجبهة الوطنية التقدمية وتقبلو في الختام يا سيادة الرئيس فائق الإحترام والتقدير.
مصطفى البارزاني
ينظر: مذكرات عزيز شريف، ص 416 – 417.
ويذكر السيد عزيز شريف أنه بعد عودته من لقاء السيد البارزاني في مقره في كلاله، قدم قدمت تقريرًا مؤرخًا في 10/10/1973م بنسختين إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس اللجنة العليا لشؤون الشمال:” قدمت ضمنه رسالة البارزاني . ومما بينت فيه … ان البارزاني وجه برقية إلى جميع منتسبي الحزب الديموقراطي الكردستاني بضرورة إتخاذ موقف تضامني مع الشعب العراقي وتجنب الإحتكاك، وأن الرسالة التي وجهها السيد مصطفى البارزاني إليكم تعرب عن تقدير الواجب التأريخي في رص وحدتنا الوطنية في هذا الظرف وإني لأرجو ان تحظى هذه المبادرة بالإهتمام الضروري، وإني مستعد للعودة لأجل مواصلة تطوير العلائق بينكم وبين الإخوان الاكراد في الطريق الإيجاني الذي نرجو، ولأرجوا ان احمل تجاوبًا من جانب السلطة الوطنية لتلك المبادرة، وأن تثمن الإجراءات لأجل التلاقي الايجابي الجاد الذي أشار إليه الاخوان الكرد من اجل تصفية نقاط الخلاف التي قد تعترض الإتفاق بين الجانبين. وفيما يتعلق بتوتر العلائق بين الحزب الديموقراطي الكردستاني والحزب الشيوعي جرى الإتفاق على تحاشي اسباب التوتر. ولقد ابديت للإخوان الكرد إستعدادي لمواصلة العمل من الناحيتين: أي في موضوع إزالة الخلاف بينهم وبين كل من الحزبين الآخرين، فرحبوا بذلك. إني أرى أن الوقت ليس في جانب مصالحنا الوطنية العليا إذ تركت المظاهر السلبية دون العمل الجاد لتصفيتها. ولكن السلطة لم تعر أي أهمية لموقف القيادة الكردية ولم ترسل إلى البارزاني رسالة حول الرغبات والموقف الذي إتخذه. وإنما مضت في المفاوضات بمشاركة عناصر معادية للقيادة الكردية، بينما كانت قواتها مشاركة في جبهة القتال ضد العدوالصهيوني. ينظر: مذكرات عزيز شريف، ص417.
ويشير السيد عزيز شريف الى أنه بعد خمسة ايام كانت طويلة في ذلك الظرف وبناءً على رغبة الرئيس البكر بأن يصدر عن البارزاني تصريح شخصي ضد إسرائيل، وبأن لا يكتفي بما تصدره صحيفة الحزب الديموقراطي الكردستاني(= التآخي) من تصريحات مناهضة لاسرائيل وللحركة الصهيونية. لذلك أرسل السيد عزيز شريف رسالة الى السيد البارزاني في15/10/1973م، جاء فيها: “يسرني ان اعرب عن جزيل شكري وتقديري للموقف النضالي المشرف الذي اعربتم عنه عند لقائنا الاخير بشأن معركة المصير التي تخوضها الامة العربية. وهذا تعبير عن الروح الحقيقي وعن المصالح الحيوية لقضية تحرره المرتبطة إرتباطًا جوهريًا بمصالح التحرر العربي. لا سيما وأن المعركة الشرسة التي يواجه فيها الشعب العربي عدوانًا إمبرياليًا رجعيًا. وان هذه المعركة لن تقتصر نتائجها على مصير الشعب العربي، بل ستأثر بشكل مباشر على مصير الشعب الكردي وشعوب المنطقة كافة. إن جريدة التآخي تعرب بإستمرار عن هذا الروح التضامني . ولكن انظار جميع المواطنين المخلصين وجميع اصدقاء الشعبين الشقيقين تتجه اليكم شخصيًا، وتأمل ان يصدر تصريح حازم حاسم بالتضامن مع الكفاح العربي في المعركة الضارية الحالية. وإني لأُعبر ايضًا عن هذه الرغبة وأملي ان تصدروا تصريحًا بهذا الخصوص. لقد كان هذا طلبًا وحيد الجانب.
وإذ لم تبد أي مبادرة السلطة تتجاوب مع مبادرات البارزاني، لذلك قدمت (= والكلام للسيد عزيز شريف) إلى (= الرئيس) البكر رسالة ونسخة منها إلى صدام حسين(= نائب رئيس مجلس قيادة الثورة) في اليوم ذاته 15/10/1973م، ومما جاء فيها:” يا سيادة الرئيس إني أُؤكد تقديري لمدى الضرر من إستمرار الوضع الحالي وما يشير إلى تردي اخطر، صحيح ان الضرر يعم الشعب العراقي بأجمعه عربة وكرده … إلخ … فحري بالسلطة الوطنية ان تكون اكثر تقديرًا للمخاطر … لا سيما وإنها مشتبكة في حرب ضارية مع العدو الصهيوني. وعليها بالدرجة الاولى واجب المبادرات الإيجابية ومن مصلحتها آنيًا ومستقبلاً لا ان تتجاوب مع الجانب الكردي فحسب، بل ان تفوقها كثيرًا. فمن مصلحتها وواجبها ان تضع حدًا لكل المشاكل الجانبية التي تعيقها في معركة المواجهة. وأن تنظر إلى ما بعد هذه المعركة. إن المبادرات الإيجابية من جانب السلطة ستؤثر في المنطقة. فهي تمهد لعمل اوسع لتصفية المشاكل. وقبل ذلك ستضعف نشاط العناصر الفاسدة في أجهزة الدولة في المنطقة، وفي الوقت ذاته ستضعف نفوذ العناصر السلبية بين الكرد. واكدت على ضرورة العدول عن مواصلة العمل لاجل تحديد الحكم الذاتي بالاعتماد على ج. و. ق. ت. (= الجبهة الوطنية والقومية التقدمية) والعمل بدلا من تلك الجبهة في جبهة تضم ممثلي البعث العربي الاشتراكي، والقيادة الكردية والوطنيين والمستقلون حقا. فهذه الاطراف وحدها يمكن ان تكون اتحادا وطنيا يمثل الشعب العراقي ويسند جيشه ويواصل العمل نحو حل افضل لمسالة الكردية غير ان دولاب التردي واصل دوراته. عود الى الاحتكاك بين مسلحي الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديموقراطي الكردستاني في نشرة للمكتب السياسي للحزب الاخير محررة بانفعال يوم 17/ 11/ 1973 تدعى ان منتسبي الحزب الشيوعي إحتلوا بعض الازقة في دربندي خان ووجهوا النار على مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني. اثنان ذكر التقرير اسميها ، كما ذكر اسماء اربعة اختطفوا. وفي تقرير سري من مديرية الامن العامة الشؤن السياسية عدد: ش 3 – 21701 بتاريخ 9/10/1973م الى وزارة الداخلية جاء ما يلي: “… بالرغم من تعزيزات المسلحين الاكراد فقد احتل مسلحوا الحزب الشيوعي بعض المناطق التي تراجع عنها البارتيون(= جبل القوش والمناطق المحيطة بها)، بعد أن اصيبت فصائلهم بخسائر في الارواح حيث أدخلوا سبعة من جرحاهم الى مستشفى دهوك، مما دفعهم الى القيام بحملة اعتقالات على منتسبي الحزب الشيوعي…”.
ثم يذكر التقرير تعزيزات قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني في دهوك والشيخان وتصادم مع الشرطة. وفي رسالة من المكتب السياسي للحزب الديموقراطي الكردستاني اللجنة المركزية للحزب صادرة في بغداد بالعدد 1623 بتاريخ 11/ 11/1973م، يذكر فيها “اللقاء في ناوبردان(= احدى مقرات البارزاني المخصصة للاجتماعات المهمة، ومعناها الطريق بين الجسرين) مع الشيوعي العراقي (ابوحكمت) حول ما سمي (خطورة تسليح الحزب الشيوعي) في منطقة قره داغ على اعتبار ان المنطقة تعود الى البيشمه ركه ” … ( ونظرا الى مواصلة تسلح الشيوعيين فقد فرض البارت عليهم الحصار. وفي اليوم التالي شرع الشيوعيون بالانسحاب ولكن جرى تبادل اطلاق الرصاص بينهم والبيشمركه وتطور الامر الى وقوع ضحايا من الجانبين). ينظر: عزيز شريف، مذكرات عزيز شريف، ص418 – 419.
ولذلك يمكن القول أن السيد عزيز شريف وزير الدولة العراقي والشخصية اليسارية المشهورة، كانت أفكاره النيرة والشفافة والقريبة من الوجدان والعقل الكردي، كان وسيطاً ناجحاً، ورجل المهمات الصعبة في تلك المرحلة الحرجة من تاريخ العراق المعاصر؛ لذلك كان يقوم بجولات مكوكية بين الجانبين الحكومي العراقي وبين القيادة الكردية على أمل نزع فتيل التوتر بين الجانبين الذي كان قد بلغ أشده، ولا سيما التصريحات والمقالات النارية التي كانت تجري بين الصحيفيتين: الثورة الناطقة بلسان حزب البعث، والتآخي الناطقة بلسان حزب البارتي، والابقاء على شعرة معاوية، على غرار ما كان يفعله هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكي آنذاك من محاولات احلال إتفاقية هدنة دائمة بين مصر وسوريا من جهة واسرائيل من جهة أخرى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here