لا مستقبل للعراق في ظل منظومة الفساد والتبعية

لا مستقبل للعراق في ظل منظومة الفساد والتبعية

سعد الكناني

ماذا أكتب عن حال العراق اليوم؟ .هل هناك ما لم يكتب عن دمار البلاد والعباد ؟ .هل هناك ما لم يناقَش بعد عن الوضع العراقي الراهن في ظل منظومة الفساد والتبعية الجاثمة على صدر الشعب العراقي منذ سبعة عشر سنة ؟.هل هناك شك في انتهاك سيادة البلد وفقدان هيبته؟ .هل هناك شخص ما زال يصدق بتصريحات معاول تهديم العراق؟. في ظل مشاعر الخواء والعجز المقيت، أشعر بأن الكتابة عن الوضع العراقي وما وصل إليه يمثل صرخة الألم بحجم معاناة الشعب العراقي بسواده الأعظم.

لم يعد حاضر العراق المؤلم ما يؤرق العراقيين فحسب بل المستقبل وأحلام الأجيال، تراجيديا أعظم من تلك التي تقول أن نظاماً طائفيا فاسدا فاشلا سرق الماضي الجميل وحاضره، وسيسرق مستقبله أيضاً على طريقة “حرق البلد” من أجل إيران وانتفاخ الجيوب وتكريس التخلف .

ومن يتابع تطورات الأحداث في العراق يسيطر عليه شعور باليأس والإحباط وفقدان الأمل بمستقبل أفضل، ويوم بعد يوم تزداد المشكلات وتتعقد المسائل وتتلاشى الحلول في ظل مشهد غير منتظم يحمل في جنباته مخاطر جمّة.

أحد أهم أسباب مأساة العراق سياسيا ًهو في طبيعة نظامه الطائفي تحت حكم العوائل المذهبية والعنصرية والميليشيات الحشدوية وأحزابها المتنفذة (الدولة العميقة) التي لا تخضع لسلطة الدولة . وكذلك مؤسسات عسكرية وأمنية خاضعة لإرادة أحزاب التبعية. أما اقتصاديا ، رغم امتلاك العراق ركائز اقتصادية قوية فلبلد منهوب من خلال أدوات التخريب السياسي وتدمير المعامل واحراق الحقول والمزارع والبساتين ومنع استثمار غازه الوطني وكذلك رفض إيران اصلاح المنظومة الكهربائية رغم الصرف عليها اكثر من 62 مليار دولار بحسب تصريح للكاظمي .وهذا القرار الايراني اكد عليه اكثر من نائب عراقي خلال حوارات متلفزة ،وكذلك إماتة القطاع الخاص لذات الأسباب. وتشكيل ذيول إدارية وجيوش” مسلحة” لا داعي لها لتشكل اكبر تحدي مالي واقتصادي على الدولة التي أصبحت عبارة عن محرقة لمدخولات العراق النقدية ، وعجز مالي كبير ومديونية داخلية وخارجية وصلت إلى 134 مليار دولار في ظل استمرار عمليات تهريب النفط ورفع قيمة الصادرات الايرانية الى 24 مليار دولار سنويا على حساب المنتوج الوطني.

العراق في ظل هذه العملية الفاسدة التبعية الطائفية استحالة ان يتقدم خطوة واحدة نحو الاستقرار والتطور. فاليوم هو افضل بكثير من يوم غد لغياب الإرادة الوطنية المستقلة في تحرير البلد من هذه الطغمة الحاكمة التي تعتبر العراق مجرد محطة قطار عابرة لتأسيس الامبراطوريات المالية كما الأن ومن ثم العودة إلى بلدانهم الثانية.

لانعرف هل هو حظ العراق العاثر ، بحيث أصبح البلد يتنقل من مشكلة إلى أخرى ، حتى صارت أزماته كالسلسلة التي لا تنفك حلقاتُها، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الشعب هو جزءٌ لا يتجزأ من تلك المشكلات التي تعصف بهذا البلد، ويتحمّل جزءاً من المسؤولية عمّا وصل إليه البلد من وضع خطير بسبب سكوت الأغلبية من الشعب على هذا الظلم والفساد والدمار ، حتى ثورة تشرين 2019 رغم تطويقها وقمعها بأساليب خارجة عن الدستور والاعلان العالمي لحقوق الانسان من قبل ” الطرف الحكومي الثالث” ، لم تتخذ حكومة العراق وبرلمانها الفاسد الإجراءات الإصلاحية المطلوبة . واصبحت هذه الثورة الشابة في نظر الأحزاب المتسلطة عامل تخريب وانتهاك للسيادة خلاف للحقيقة. لأن الإصلاح يشكل تهديداً لوجودها.

من يتأمل الواقع جيدا قد يصل إلى الحقيقة المتمثلة بأن من يتحمّل الجزء الأكبر من المسؤولية عن الأزمات المتتالية في العراق هي الأحزاب المتنفذة التي هيمنت وتفردت بالسلطة وإدارة الدولة القائمة على الاشخاص والتي بدورها عززت الانقسام المجتمعي وأدت إلى انعدام الثقة بين مكونات الشعب العراقي وهذا انعكس على طبيعة العلاقة بين اقطاب العملية السياسية الذين اختلفوا على الكثير من جوانب العملية السياسية واتفقوا فقط على توزيع مغانم السلطة فيما بينهم في وقت يعيش غالبية الشعب في ظروف معيشية سيئة جداً.

غياب القرار السياسي الوطني وطبيعة بنية النظام القائم على الطائفية والمحاصصة والتبعية وسيطرة الميليشيات على قرار الدولة وإصرار مجلس النواب على حماية الفاسدين سياسيا وتغليف عمل الميليشيات بقانون سمح لها تمارس عمليات الاختطاف والقتل والسرقة بهوية الدولة وسلاحها لتؤكد هيهات ثم هيهات ان يستقر العراق ويتقدم خطوة نحو الاصلاح بكافة جوانب الحياة بوجود هذه العملية السياسية الفاسدة الفاشلة ذات الاجندات الخارجية. وهذه ليست نظرة يأس أو تشاؤم بل الحقيقة المؤلمة و” الشمس لا تغطى بغربال”.

ومن يريد الخلاص من هذا الوضع السيء عليه ان يبحث عن إرادة سياسية وطنية مخلصة من خارج العملية السياسية الفاشلة محورها ثورة الشباب التشرينية لتعيد للدولة سيادتها وهيبتها بقرارات شجاعة تعمل لأجل العراق وشعبه فقط وليس عبر الانتخابات المزيفة تحت فوهات الكواتم وأحزاب الخزي والعار ، ولا ننسى أن الشعب كلما كان أكثر وعياً وأعلى ثقافة سيكون وقت الخلاص قريباً.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here