محاولة لدفع (رشوة) لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب

عبدالأمير الخاقاني

الكثير ممن هم في موقع المسؤولية او في وظيفة عامة يطالب ( او ينتظر ) ان يُدفع له (رشوة ) مقابل أن ينجز ما هو مطلوب منه أن ينجزه او أن يمنح دافع الرشوة ما لا يستحقه ، ويعرّفون الرشوة قديماً على انها ( الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة، وأصله من كلمة الرِّشاء وهو الذي يُتوصل به إلى الماء)كما يقول ابن الاثير والرِّشاء هو حبل الدلو في البئر وفي معجم الغني ( هي مال او هبة تعطى لمسؤول لقضاء حاجة او مصلحة حقاً او باطلاً ) وهي محرمة قطعاً وشيوعها يدل على شيوع الفساد في المجتمع قال تعالى:
﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 188]
والادلاء في قوله تعالى ( وَتُدْلُوا بِهَا )هو ارسال الدلو في البئر لنزح الماء كني به عن مطلق تقريب المال إلى الحكام ليحكموا كما يريد دافع المال حقاً او باطلاً.
الغريب أن البعض (ومنهم من المتدينين جداً ) يقول إنه إنما يأخذها بعنوان الهدية لا بعنوان الرشوة والهدية جائز اخذها ولا ينسوا أن يصرخوا في وجوهنا باطمئنان شديد أن النبي (ص) قد قبل الهدية ولم يرفضها في تحايل وخلط مقصود وواضح . ولطالما تسائلت مع نفسي هل هناك من حاول أن يقدم رشوة للإمام علي بن ابي طالب ايام خلافته بل هل هناك من تجرأ على ذلك وماذا كانت ردة فعله (عليه السلام) حيث لا يُعقل أنه اكتفى برفضها ببرود مثلاً ودون تعليق ، حتى قرأت في إحدى خطبه في نهج البلاغة ما يتحدث به عن ذلك بوضوح حيث يروي -عليه السلام – بنفسه ما حدث ليترك لنا -كما هو دأبه – قطعة بلاغية رائعة ودرساً أخلاقياً خالداً.
يشير الامام الى بطل هذه الحادثة التاريخية ( الاشعث بن قيس ) دون أن يسميه عندما اراد أن يقدم له (رشوة ) عبارة عن نوع من الحلوى يقال أنها كانت تعرف ب( الملفوفة ) كما يشير صاحب شرح النهج فماذا قال الإمام وهو يصف ماحدث:

(( وأعجب من ذلك ، طارق طرقنا بملفوفة في وعائها ،
ومعجونة شنئتها
كأنما عجنت بريق (حيّة) أو قيئها،
فقلت : أ صلة ؟!
أم زكاة ؟!
أم صدقة ؟!
فذلك محرم علينا أهل البيت.
فقال: لا ذا ولا ذاك ،
ولكنها هدية.
فقلت : هبلتك الهبول ،
أعن دين الله أتيتني لتخدعني ؟!
أمختبط أنت ؟!
أم ذو جنة ؟!
أم تهجر ؟!
والله ، لو أُعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت ،
وإن دنياكم عندي لاهون من ورقة في فم جرادة تقضمها ،
ما ل(عليّ) ولنعيم يفنى ولذة لا تبقى ؟!
نعوذ بالله من سبات العقل
وقبح الزلل
وبه نستعين ))(1)
—————————————————————————————————-
(1) نهج البلاغة – خطب الإمام علي (ع) – ج 2 – الصفحة 218

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here