أفلاطون مؤسس الشيوعية

محمد كريم إبراهيم – محلل وكاتب عراقي

لمذهب الشيوعية عديد من الأبطال، كثير من المساهمين، ومزيد من الناشطين، لكن لو سألت أي مواطن عادي أن يسمي لك شخصية شيوعية مميزة تبرز من كل هؤلاء، لأجابك بكارل ماركس، العالِم الذي حاك الشيوعية وشكلها وزينها وعمل قاعدة سياسية واقتصادية لها.

ماركس أصبح مرادفاً لكلمة الشيوعية، لا يمكنك فصله من المذهب، كما لا يمكن فصل المذهب منه، جزءان يكملان بعضهما البعض عند نظر الناس. بل يعتقد معظمهم إن كارل ماركس هو المؤسس الأول لمذهب الشيوعية ومخترعها، حيث لا يوجد أي إنسان قبله دافع عن هذا المذهب و‌‌‌أضاف إليه ليشترك معه في براءة الأختراع.

ينذهل الناس عندما أقول لهم إن فكرة الشيوعية كتبت لأول مرة جنباً إلى جنب مع فكرة ملكية الخاصة. انتبه، ليس مع ملكية الخاصة نفسها، بل مع فكرة ملكية الخاصة. ملكية الأشياء والمطالبة بالأراضي تواجدت لآلاف السنين ولربما منذ نشوء الإنسان.

نعم، فكرة الشيوعية والملكية الخاصة لم تأتيا إلى عقل ماركس من الفراغ، بل كانتا موجودتان في زمن أختلف تماماً عن عصر الذي كان يعيش فيه، في مجتمع ومكان مختلفان جداً، في دولة عريقة وعظيمة، دولة ذات سياسة ديموقراطية شبه حرة، وجاءت الفكرة من فيلسوف لا يزال أسمه يحمل ثقلاً في مسامعنا اليوم.

إنها أثينا، الأغريق القديمة، في عام 375 قبل الميلاد، قبل أكثر من 2100 سنة من ولادة كارل ماركس، والفيلسوف الذي ذكر الشيوعية وجادل من أجله هو أفلاطون في كتابه الجمهورية.

كان أفلاطون رجل علم لا يحب الإدعاءات التي لا تدعمها أدلة أو التي لا معنى لها ولا فائدة، كان يحب علم الرياضيات كثيراً لدرجة أنه كان مكتوباً فوق باب مدرسته (لا يدخل هنا من يجهل علم الهندسة), فقد وجد في الرياضيات الوحدة والأستمرارية؛ حيث لا يتغير أساس تكوينها من إنسان إلى آخر، وتبقى شكلها ثابتاً مع مرور الزمن. تماماً مثلما أراد كارل ماركس بدوره وضع نظرية علمية للشيوعية ليفسر تغيرات التاريخ ومسارها في المستقبل، وليضع حداً نهائياً لسياسة الظلم والأستبداد.

مشكلة الظلم والأستبداد في السياسة كانت قائمة ربما من زمن نشأة السياسة. كانت مدينة أفلاطون (أثينا) مليئة بسياسيين الفاسديين، وبأشخاص محتالين لا يطمحون سوى بكسب المال لإشباع رغباتهم الأنانية، والمدينة نفسها كانت منقسمة إلى قسمين: جانب الفقراء وجانب الأثرياء، لا يتخالطان سوى ندرةً.

سقراط، معلم أفلاطون، وواحد من أكبر المفكرين في وقته، تحدث في كتاب أفلاطون (الجمهورية) عن بناء مدينة افتراضية، فاضلة ومثالية، لا تملك فيها الطبقة الحاكمة – المكونة من كافة السياسيين، ومشرعي ومنفذي القانون – ممتلكات خاصة، من الأراضي والأموال وحتى العوائل. الغرض من إلغاء ملكية الخاصة لهذه طبقة هو لمنع أصحاب السلطة والنفوذ من سرقة أموال الشعب أو أخذ الرشوة من الأغنياء.

لقد سئم وتعب سقراط من الملوك والرؤساء الفاسدين الذين يظلمون شعبهم من أجل جمع ممتلكات لأنفسهم وأزواجهم وأبناءهم. أثينا عاشت حياة بئيسة ولسنوات طويلة تحت وزن فساد السياسيين والبرلمانيين ورجال الأعمال، حان الوقت لتغييرها للأبد، ويأتي هذا التغيير فقط عندما يتغير عقل الحاكم ورغباته. يجب أن يعيش هؤلاء الحكام في حالة من اشباع الحاجات وليس اشباع الرغبات.

نلاحظ في مدينة أفلاطون الفاضلة إن فكرة إلغاء الملكية الخاصة تنطبق فقط على الطبقة الحاكمة وليس جميع الطبقات. وهذا هو واحد من الفروقات بين شيوعية أفلاطون وشيوعية ماركس. لكن بالرغم من ذلك، فهي لا تزال فكرة شيوعية تضعُ كاتبها (أفلاطون) في مرتبة المكتشف الأول للشيوعية.

هل نجح سقراط وتلميذه أفلاطون في إقناع أهالي مدينة أثينا الأغريقية بأفكارهم المثالية؟ للأسف لم يقدروا عليه، فقد نال السياسيون الفاسدون من سقراط في الأخير، وأتهموه بإفساد عقول شباب المدينة، وحكموا عليه بالإعدام، فمات متجرعاً سم الشوكران. لكن عاشت فكرته بفضل أفلاطون، ونجت حتى هذا اليوم لتنقل لنا أول وميض للشيوعية في تاريخ البشرية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here