القس الشاعر جوزيف إيليا: آن للكوردي أن ينسى الجبال

” آنَ للكورديّ أنْ ينسى الجبالْ

ورياحاً حملتْ شوكاً إليهِ ورمالْ

آن أنْ ينسى

ويعدوْ مثْلَ ظبيٍ قافزاً

ليسَ يخافُ الأسرَ

أو ضرْبَ النّبالَ

ويصلّيْ لإله يكرهُ الحربَ

وطغيانَ السّعالْ”

هكذا يخاطب الشعب الكوردي .. الشاعرالسوري، ابن مدينة ديريك الأب جوزيف إيليا أحد الشعراء الذين لهم حضورهم على المشهد الشعري في هذه الفترة العصيبة التي يتم الحديث فيها عن تراجع دور ومكانة الشعر، إلّا أنّ قصيدة الشاعر الأب جوزيف تؤكد أنّ الشعر ما يزال بخير، إذ يستقطب حوله جمهوراً من محبي الشعر: شعراء وقراء في آن واحد، وقد كسب هذا الجمهور لاعتبارات عدة: إنسانيته نبذه للعنف حبه لكل من حوله نشره لرسالة السلام بالإضافة إلى أنّ قصيدته الشفافة ذات الجرس الموسيقي، والصور الواضحة والمعاني الإنسانية جعلته اسما حاضرا بقوة، في المشهد الشعري

يتحدث الأب جوزيف عن قصيدته ( أنا ابن الشرق) قائلاً: “لقد أردت من خلال قصيدتي أن أقول ما قاله يومًا عظيمنا جبران خليل جبران لميّ زيادة وقد أحرقته نارالغربة في الغرب : ”

لا بدّ من العودة للشّرق يا ميّ”

وإنّني أعاني ما عاناه في اغترابي عن الشّرق وأتمنّى ما أتمنّاه فالشّرق كان مولد الحضارات وهو موطن الدّفء والحياة بمعناها الحقيقيّ على الرّغم ممّا فيه الآن من التّردي والخيبات والكوارث”.

ويقول القس جوزيف عن قصيدته ( أغلق الباب وراءك):

“لقد وجّهتها لكلّ من يعتبر نفسه مالكًا للحقيقة المطلقة وأفضل من غيره من البشر فيكفّر من لا يعتقد بما يعتقد ويعميه التّطرّف عن السلوك بسلامٍ ومحبّةٍ جانحًا للعنف ساعيًا لإلغاء الآخر المختلف”.

وعن تكرار اللّازمة في قصيدته ( سوريا هوّيتي) ثماني مرات يقول :

“أوّلًا لإعلاء صوت الجرس الموسيقيّ فيها باعتبارها نشيدًا آمل أنْ يغنّى يومًا ما وثانيًا للتّأكيد على هوّيتي السّوريّة الّتي أفخر بالانتماء إليها ولن أستبدلها بأيّة هويّةٍ أخرى”.

– وعن قصيدته ( حينما يصبح الوطن منفى )؟ حقاُ، وهل يصبح الوطن منفى؟ قال :

“يصبح الوطن منفى حينما لا تتوفّر فيه شروط المواطنة الأساسيّة من حقّ أبنائه في الأمان والسّلام والحريّة والكرامة والإحساس بالكينونة”.

وعن قصيدته (لماذا دمي مستباحٌ) ولدى سؤاله إن كان مهدّداً من الإرهابيّين؟ قال :

“إنّ الإرهابيّين يهدّدون الجميع وهم خطرٌ حقيقيٌّ على البشريّة كلّها وأنا واحدٌ من أبنائها لذلك أعتبر نفسي مهدَّدًا خاصّةً بما أحمله من أفكارٍ تخالف أفكارهم وتوجّهاتٍ تناقض توجّهاتهم”.

وأضاف عن قصيدته (شعبي يقاتله العطش) الّتي غنّاها الفنّان “طارق مراد” لم رمزيّة العطش فيها؟ قائلاً :

“لأنّه من العار والفظاعة أن يموت النّاس عطشًا وحولهم المياه جاريةٌ والموت عطشًا هو أقسى أنواع الموت وأبشعها ولأنّ الماء هو الحياة بكلّ تفصيلاتها الجميلة”.

وأضاف أيضاً عن قصيدته ( أنا سوريٌّ)؟ قائلاً :

“أريد أن نعلم ويعلم الآخرون عنّا أنّنا أبناء سوريا الحضارة والفكر والنّور منذ عهدٍ بعيدٍ وينبغي العودة إلى سوريّتنا هذه بصرف النّظر عن العرق والّدين والنّهج السّياسي لكلّ فردٍ فيها فقد ضعنا وأضعنا بعد ابتعادنا عن سوريّتنا وتبنّي البعض منّا لأنماطٍ من التّفكير لا تمتّ بأيّة صلةٍ للرّوح السّوريّة لهذا على واحدٍ في سوريا أن يقول ما قلته في قصيدتي هذه : أنا سوري ولن أخفي ذاتي وراء أحدٍ”.

وأردف قائلاً حول قصيدته ( وصيّة شاعرٍ ) وحجم التشاؤم والأسى في أشعاره:

“لأنّ ما أصابنا شيءٌ فظيعٌ فوق طاقة التحمّل وبعد ملايين القتلى والجرحى والمهجّرين والخراب والدّمار والجوع والخوف كيف لا يبكي الشّاعر على وطنٍ ما عاد وطنًا ولأنّني لا أعلم توقيت موتي فقد كتبت وصيّتي لتقرأها الأجيال القادمة وتعرف أنّنا أبناء هذا الجيل قد متنا قبل موتنا مرارًا وكنّا دائمًا مشغولين بكتابة وصايانا”.

وبصدد حواريته الشعريّةٍ ( حوارٌ شعريٌّ بين مسيحيٍّ ومسلمٍ) بينه بين الشاعر نبراس عربان، يقول :

“أردت من خلالها الوصول إلى القول بضرورة التواصل مع الآخر المختلف من خلال الحوار الإيجابيّ البنّاء الذّي يقودنا إلى العيش معًا ومدّ جسور السّلام والمحبّة بين جميع شعوب الأرض وليس الجدل العقيم الّذي يهدم أكثر ممّا يبني ويوقظ الكراهية والأحقاد والمرارات ويمهّد للحروب”.

وعن الكورد وكتاباته حولهم، يقول الأب جوزيف: “لقد كتبت الكثير وسأكتب بعد فأنا قريبٌ منهم جدًّا وأقدّرهم وأثمّن دورهم في بناء الحضارة الإنسانيّة فما أكثر المبدعين منهم في شتّى أنواع الإبداع وهم واعون متحضّرون مثقّفون مجتهدون ومعشرهم طيّبٌ وفي رفقتهم غنًى وقد كانوا مثلنا ومثل باقي الأقلّيات ضحايا ألعاب الأمم ومظلومين حتّى ولو بدوا في فترةٍ من فترات تاريخهم ظالمين”.

وعن قصيدته الجديدة (آن للكورديّ ) التي أهداها للمفكّر الكورديّ “إبراهيم محمود”، يقول: “أنامع ماقاله يوماً شاعرنا الخالد نزار قبّاني أنّ الشّاعر ليس معنيّا بتفسير قصيدته فهو يلدها تاركاً تفسيرها للقرّاء والنّقّاد وليفهمها كلّ واحدٍ كما يشاء لقد كتبت هذه القصيدة لصديقي الأستاذ “إبراهيم محمود”تقديراً لقلمه وتشجيعاً للخروج إلى مستقبلٍ أفضل نعيشه جميعاً معاً بسلامٍ ومحبّةٍ واحترامٍ”.

وعن ديوانه الرّابع المعنون بعنوان قصيدة فيه ( امرأةٌ من بنفسجٍ) أضاف أيضاً :

“إنّ الدّيوان هذا معنونٌ بعنوان قصيدةٍ فيه نظمتها تحيّةً لسيّدة أعمالٍ مصريّةٍ تدعى “عزّة محمود” ومعروفةٍ بلقب “ماما زوزو” تهتمّ بالفقراء والمحتاجين والمساكين وقد رأيت فيها مثالًا يحتذى وصورةً نقيّةً للمرأة فأحببت أن أهدي لها هذا الدّيوان تكريمًا لجهودها الطّيبة في الحقل الإنسانيّ وتشجيعًا لغيرها من النّساء لكي يسرن على منواها”.

وعن ما قدمه لحرائر الكورد (لبوات الكورد) وخاصّةً هفرين الشّهيدة بعد أن تمّ التّمثيل بجسدها، أردف قائلاً : “لقد أردت من خلالها وعبر قصيدةٍ أهديتها لروحها الطّاهرة أن أعبّر عن تقديري واحترامي لجميع نساء الكورد وغيرهنّ من المكوّنات الأخرى الّلواتي وقفن بعزيمةٍ فاقت أحيانًا عزيمة الرّجال في وجه الإرهاب ورجاله”.

وبصدد كتابته كثيراً عن مدينة “ديريك” يؤكد الأب إيليا :

“إنّها بلدتي الحبيبة الّتي قضيت فيها أخصب أيّام حياتي وأجملها وهي الّتي أنمتني وجعلتني كما كنت أتمنّى وأشتهي أن أكون وفيها ثماري وأهلي وخيرة أصدقائي لهذا ستحيا فيّ حيثما كنت”.

وعن كتابته عن مجزرة “شنكال” وغزوها وحسناواتها الّلواتي سبين وأطفالها ورجالها الّذين نحروا تابع :

“بالتّأكيد كتبت عنها وعن الإبادة الّتي تعرّض لها شعبها الطّيب الأصيل النّبيل الّذي أكنّ له كلّ الحبّ والتّقدير لأقول : إنّ الحياة للشّعوب والموت للطّغاة طال الوقت أم قصر”.

و عن موقفه من ثورات الربيع العربي، وهل يعتبرها ثورات، تابع أيضاً : “إنّ الثّورة الحقيقيّة الّتي أهلّل لها وأصفّق بحرارةٍ هي تلك الثّورة الّتي تأخذ الشّعوب لغدٍ أفضل وأكثر غنًى والّتي تخلو من مظاهر العنف والقتل والتّرهيب أمّا تلك الّتي تلقي بالشّعوب في مستنقعات الماضي العفنة وتجعل حياته جحيمًا فهي ثورةٌ على الثّورة ولايمكن الركون إليها والتّعويل عليها ومن الخطأ وصفها بأنّها ثورةٌ بعد كلّ ما رأيناه من الكوارث والفواجع الّتي الّتي تفتّقت عنها”.

القس جوزيف يشتغل على المضمون الإصلاحيّ التّربوي أكثر من الجماليّ الإنشائيّ، حيث يقول: “إنّ القضيّة الّتي حملتها وما زلت وجعلتها محور أشعاري هي التّبشير بالإنسانيّة ودعوة الإنسان للعودة لإنسانيّته بعيدًا عن لغة التّطرّف الدّينيّ والمذهبيّ والفكريّ والقوميّ والسياسيّ ومحاولات طمس معالم الآخر وإلغاء كينونته”.

وعن مصاعب كتابته أشعاراً للأطفال قال :

“لا ريب في أنّ الكتابة للأطفال غايةٌ في الصّعوبة لهذا قلّ من يكتبون لهم إذ يلزم أن يعود الكاتب هنا طفلًا ليكتب بلغة الأطفال أشياء يفهمونها ويحبّونها ويطربون لها وأتمنّى أن يكون ما كتبته وأكتبه للأطفال مقبولًا منهم”.

وبصدد كتابته أشعاراً عن بلاد الشّرق وبالأخصّ عن دولٍ عربيّةٍ، وهل في نيته أن يكتب عن إقليم كوردستان ..قال :

“حينما كتبت عن هذه الدّول كان قصدي من وراء ذلك أن أخاطب الشّعوب فيها وليس قادة هذه الدّول ولا سياساتها ولقد كتبت كثيرًا عن الشّعب الكورديّ شريكنا في التّاريخ والجغرافيا والوجع وسأتابع الكتابة إنْ قيّض لي العيش ودعت الظّروف”.

وعن مشاريعه المستقبليّة يقول :

“أهمّ مشروعٍ أفكّر فيه هو جمع شعري كلّه في مجلّدٍ واحدٍ وطبعه تحت عنوان : الأعمال الكاملة للقس جوزيف إيليا”.

وتابع عن علاقاته مع الشّعراء الكورد قائلاً :

“إنّها وطيدةٌ قويّةٌ متينةٌ أساسها الحبّ والاحترام كعلاقتي بجميع الشّعراء من المكوّنات الأخرى”.

وختم الأب جوزيف إيليا قائلاً :

“أكثر من تحيّة شكرٍ لك على هذا الحوار الطّيّب الّذي أسعدني جدًّا متمنّيًا لك ولجميع أحبّتي القرّاء دوام الخير والهناء والفلاح”.

 

القس جوزيف إيليا شاعرٌ سوريٌّ من مواليد مدينة المالكيّة التّابعة لمحافظة الحسكة ١٩٦٤ كان رئيسًا للطّائفة الإنجيليّة فيها لمدّةٍ اقتربت من ربع قرنٍ حتّى نزوحه عنها بسبب مخاطر الحرب وتبعاتها إلى ألمانيا حيث يقيم فيها حاليًّا يكتب الشِّعر العموديّ وقصيدة التّفعيلة وقد شارك في العديد من الأمسيات الشّعريّة وأجريت معه عدّة لقاءاتٍ تلفزيونيّةٍ وإذاعيّةٍ سوريّةٍ وعربيّةٍ وعبر مجلّاتٍ وجرائد عديدة وتثبّت اسمه في أكثر من موسوعةٍ شعريّةٍ وقد تمّ تكريمه من بعض المحافل الأدبيّة في سوريّة والوطن العربيّ والعالم وغنّى من شعره كثيرون من المطربين والمطربات على امتداد الوطن العربيّ وصدر له خمس مجموعاتٍ شِعريّةٍ حتّى الآن : أنا لغةٌ أخرى أحبّكَ حتى وإن إنّي هنا امرأةٌ من بنفسجٍ نمضي ولا نمضي وديوانٌ خاصٌّ بالأطفال قيد الطبع كما شارك بنصوصٍ له في دواويين مشتركة مع كبار الشّعراء والشّاعرات.

 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here