عودة متطوع السلام إلى المغرب: مارك أبيل، من هيئة السلام إلى برنامج “من فلاح إلى فلاح “

متطوع سابق في كل من هيئة السلام، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وبرنامج “من فلاح إلى فلاح “، يبحث مارك أبيل ويتأمل في الطريقة التي ينقل بها خبرة سنين من خدماته الإنسانية إلى المغرب. هذا المقال لم ينشر بعد.
عودة متطوع السلام إلى المغرب: مارك أبيل، من هيئة السلام إلى برنامج “من فلاح إلى فلاح ”

بقلم: إلين هيرنانديز وكاتي بيرسيغي
كلما سمع الكلمتين “الحمد الله وإن شاء الله” إلا وعاد الزمن بمارك أبيل سنوات عديدة، إلى فترة كان يقولها هو ويوسف بن مير، رئيس مؤسسة الأطلس الكبير، ينطقان بها امتنانًا للطعام الذي عرض عليهما أو أملًا في أن تثمر جهودهم كمتطوعين في هيئة السلام بشيء نافع. وعقب مارك في مقابلة أجراها مؤخرًا مع يوسف مير “إنها كلمات تجعلك تقدر الحاضر أكثر”.

ولد مارك في فرنسا لأب طيار قبل أن تعود عائلته إلى الولايات المتحدة حيث نشأ في إحدى ضواحي فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا. بعد مرور شهرين عن تخرجه بولاية بنسلفانيا عام 1982، انضم إلى هيئة السلام لينتقل إلى المغرب. عند وصوله، تمكن من تطبيق مهاراته في إدارة الموارد البيئية وتخصصه في إدارة الحياة البرية بعمله كمتطوع في مصايد الأسماك. كان هدفه في بداية مشواره هو أن يصبح طبيبًا بيطريًا، لكن طموحه واهتمامه الشديد بالحياة البرية والمتنزهات والمحميات دفعه إلى اختيار نظام أكثر شمولية.

كان مارك قد تقدم بطلب من أجل منصب لإدارة الحياة البرية في إحدى دول إفريقيا جنوب الصحراء، ليتفاجأ عندما عُرض عليه خيار المغرب، وهو بلد لم يكن يعرف عنه الكثير. لم يمنعه ذلك من قبول العرض على الفور لأن تركيزه كان على الخدمة أكثر من أي شيء آخر. قبل ذلك أجرى تدريبًا دقيقا مدته شهرين ونصف على مصايد الأسماك في أوكلاهوما. ويتذكر قائلاً: “كان الأمر أشبه بمعسكر التدريب، تحت إشراف نظام أقرب ما يكون للمتسلط”. مع ذلك، فهو لا ينكر دور هذه المرحلة في غرس قيم الاعتماد على الذات والقدرة على اكتشاف الأشياء لقيادة برامج جيدة في المغرب. وأضاف: “بفضل هذا التدريب، نظرا لقسوته، كان التأقلم اللغوي والثقافي بعد وصولي إلى وجهتي بغاية السهولة.”

بعد مرور عامين من عمله كمتطوع في مصائد الأسماك بورزازات، وبينما كان يستعد للمغادرة، علم مارك بطلب متطوع في مجال الحياة البرية صادر عن يوسف العلوي، مهندس في المندوبية السامية للمياه والغابات. ويتذكر أن هذه الأخبار أطربت مسامعه، فعبر عن استعداده “إذا كان هناك برنامج عن المنتزهات والحياة البرية، فأنا أعلن تطوعي”، مع العلم أن الأمر يستلزم البقاء لعامين آخرين. عقب ذلك، أصبح فردًا من أول مجموعات متطوعي الخدمة في الحياة البرية، وهو مجال كان حينها (الثمانينيات) في مراحل نشأته في المغرب. ويصف هذه المرحلة بتواضع: “لقد كنت بالمكان المناسب في الوقت المناسب”.

وخلال المقابلة مع مؤسسة الأطلس الكبير، طلب يوسف من مارك التعقيب عن قابلية بعض الأمور والأحداث في المغرب للتواجد في المكان والوقت المناسبين أو كلما دعت الحاجة لتواجدها، فأكد مارك أن نفس الفكرة تجول خاطره مرارًا لأنه، كما عبر عن ذلك، “لقد جرت الأمور بالفعل بهذه الطريقة عدة مرات في مسيرتي المهنية”، بما في ذلك منصبه الحالي كمنسق لشؤون البيئة في مقاطعة كوتشايز (أريزونا). وأوضح: “إذا ركزنا قدرًا معينًا من الطاقة النفسية على غاية معينة، خاصة إذا كان الأمر يهم الآخرين أو إذا كانت خدمة ما للصالح العام، فإن هذا الهدف سيتحقق. بهذه الطريقة، لطالما شعرت بأن الحظ يصاحبني على مر السنين”.

هكذا انتهى به المطاف في أريزونا، بعد بضع سنوات من عودته من عمله مع هيئة السلام في المغرب. حيث كان أول منصب له هناك هو العمل مع منظمة الحفاظ على الطبيعة في محمية طبيعية. ويوضح: “إن الأمر ببساطة مرتبط بتصورك لتفاصيل ما تريد تحقيقه”. فالانتقال من الجانب الغربي، مع زوجة حديثة العهد، إلى منطقة نائية للغاية يشكل تحديًا كبيرًا يتطلب التكيف مع ظروف معيشة مخالفة لحياة المدن في فيلادلفيا، لكنها لا تختلف كثيرًا عن ظروف الحياة في دوار تاسا ويركان بين جبال الأطلس الكبير.

خلال فترة تطوعه الثانية مع هيئة السلام، مُنح مارك صلاحيات تشكيل برنامج جديد واختيار موضوع معين لمشاريعه. وقع اختياره على محمية تخرخورت للضأن البري، فركز كل جهوده على التوفيق بين نمط عيش الناس في دوار تاسا ويركان وبين سبل الحفاظ على حيوان الموفلون (الضأن) داخل المحمية وحماية وسط عيشه. لم تجري الرياح كما كانت سفن مارك تشتهي آنذاك. فعلى الرغم من أنه كان قادرًا على طلب منحة لدعم هذا المشروع، إلا أن الحكومة المحلية رفضت الترخيص للمشروع بدعوى تاريخ من النزاعات مع سلطات خارجية حول المياه وبسبب التخوف من استغلالها. لكنه ممتن، مع ذلك، لأن المشروع يرى النور الآن مع مؤسسة الأطلس الكبير داخل الوسط صديق البيئة الذي توفره المنطقة.

في سنة 1986، عاد مارك إلى الولايات المتحدة واختار الالتحاق بكلية الدراسات العليا في جامعة أوهايو، والتي كان بها عدد كبير من المتطوعين السابقين في هيئة السلام. كانت تجربة مرضية للغاية لمارك الذي تمكن من تأمين منصب في خدمة المتنزهات الوطنية على الرغم من تأخره ستة أشهر في التقديم (بسبب تجميد التوظيفات الاتحادية). ويصف تلك اللحظة بأنها “نقطة بداية وانطلاق” مسيرته المهنية. تمثل مهامه مع برنامج الأنهار البرية المحمية (Wild and Scenic River) بدول وسط المحيط الأطلسي في دراسة نهر جريت إيج هاربور جنوب نيوجيرسي. “يعتقد الناس أن نيو جيرسي ولاية صناعية. ولكن جزئها الجنوبي منطقة قروية يغلب عليها الطابع البري، حيث هناك بعض الأنهار الصغيرة والروافد، مكان تجديف القوارب الصغيرة أو الكاياك، إنها مكان رائع حقًا”. ساهم هذا المنصب كثيرا في لقاء مارك بشخصيات وفعاليات أخرى في عالم المحميات والبيئة. وأتيحت له الفرصة للذهاب إلى عدة مؤتمرات، بما في ذلك مؤتمر الفضاء المفتوح في ألباكركي بولاية نيو مكسيكو. كان لزيارة أماكن مختلفة ومقابلة عدد من الناس في تلك المنطقة وقعه على مارك الذي اقتنع أنه يمكن أن يعيش في الجنوب الغربي. ويشعر أن أريزونا ونيو مكسيكو متشابهتان بشكل كبير من الناحية البيئية، حتى لو لم اختلفتا سياسيًا وثقافيًا.

في عام 1994، أصبح مارك مستشارًا بيئيًا في بلدة أريزونا الصغيرة على نهر سان بيدرو، وكام ذلك أول موعد له مع يوسف. ظلت علاقة مارك بالمغرب تنمو مع كل زيارة في “حب واحترام عميق وثابت لشعب المغرب”، رغم أنها رابطة لم تنشأ بين ليلة وضحاها. كما حضي بفرص مشاهدة والاستماع إلى الأجيال اللاحقة من متطوعي هيئة السلام الذين كرسوا مهاراتهم لخدمة وإشراك المجتمعات في الوعي البيئي والحفاظ على المنتزهات. “عودتي هنا ومساهمتي كمدرب كانت تجربة مرضية للغاية.”

أثمرت هذه العلاقة لاحقا بعودة مارك إلى المغرب كمتطوع في برنامج من فلاح إلى فلاح مع هيئة مؤسسة الأطلس الكبير. وكانت طرق معاملة المرأة من بين بعض العوامل المزعجة التي جعلته يفكر بجدية في مغادرة المغرب عند نهاية عمله مع هيئة السلام. لكن سرعان ما عدل عن تلك الفكرة بعد عمله بهذا المنصب الجديد داخل برنامج من فلاح إلى فلاح، حيث كانت التطورات الثقافية الملحوظة، وتكوينات مؤسسة الأطلس الكبير لتمكين المرأة، وتوظيف النساء عوامل مشجعة حفزته للمواصلة. “هكذا فقط يمكن أن نحقق تحررا فعليا على هذه البسيطة.”

كان العمل مع برنامج من فلاح إلى فلاح بمثابة فرصة للعودة من أجل إتمام عمل ظل يشعر بأنه لم يكتمل في دوار تاسا ويركان. رحب رئيس جمعية القرية بمارك أحسن ترحيب وعبر له عن امتنانه على مبادرته في تطعيم الأشجار بمشتل الأشجار المثمرة وعلى مجهوداته مع المجتمع المحلي لحماية الحقول الزراعية المجاورة للنهر وكذا الجدران الترابية المتآكلة. وصف مارك ذلك بقوله: “كنت محظوظا بعودتي هنا واستمتعت بفرصة تقديم مزيد من الخدمات المفيدة وتقديم المساعدة حيثما أمكنني ذلك. وينتابني الشعور بأنني أنجزت في الشهرين اللذين قضيتهما هناك مع مؤسسة الأطلس الكبير في برنامج من فلاح إلى فلاح (F2F) أكثر من ما قمت به في عام ونصف من التطوع في تلك القرية مع هيئة السلام. أحسست بفخر وارتياح كبيرين لأنني استطعت إتمام ما بدأته وحاولت تقديم المزيد”.

يضيف مارك: “لكنني أعتقد أن الشيء الذي عزز تقديري للمغرب وشعبه وثبته أكثر هو زيارتي عامي 2017 و2018 كمتطوع في برنامج من فلاح إلى فلاح مع مؤسسة الأطلس الكبير، أضف إلى ذلك عملي الآن كمتطوع افتراضي (عن بعد) خلال عام 2020. لاحظت أن المغرب عرف بعض التحولات الثقافية والاجتماعية المذهلة حديثا وذلك أدهشتني حقًا”.

خلال إحدى فترات خدمته في برنامج من فلاح إلى فلاح، حرر مارك مقالة ركز فيه على النساء والأشجار. يصف المقال كيف أن تمكين المرأة هو الحل الأنسب، ليس للمساواة بين الجنسين فقط، بل ومن أجل استدامة العالم ككل. شكل هذا المقال ومراحل إعداده لحظة تأمل حقيقية، أشعلت فيه رغبة إتمام عمل شغله لفترة طويلة، ذلك لأنه أدرك الجهود الإيجابية المبذولة للتنمية والتطوير في خدمة الصالح العام في المجتمع العالمي عامة والمغربي خاصة. “تدرك مؤسسة الأطلس الكبير والعديد من نظيراتها حول العالم أن تمكين المرأة هو مفتاح إنقاذ الكوكب. كانت المقالة مبعث راحة واطمئنان بالنسبة لي إذ اكتشفت أن هناك من يشاطرني نفس الشي

ظل مارك لسنوات يشعر بأن مشاعره تجاه المغرب مرتبكة قليلًا، وهو إحساس نابع بطريقة ما من الصعوبات التي تواجهها المرأة المغربية. وجسدت تجربته في برنامج من فلاح إلى فلاح تقدمًا كبيرًا في زراعة الأشجار والتعاونيات النسائية. وهناك حالياً، كما أوضح يوسف في المقابلة، مشتل أشجار تشرف عليه النساء اليافعات في قرية تاسا ويركان، المكان الذي عمل به مارك كمتطوع في هيئة السلام منذ سنوات. هذه القرية، والمشتل، هي الآن موقع مشروع جديد ممول من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كنتيجة مباشرة للتحليل الذي أكمله مارك على مدار عدة زيارات كمتطوع في برنامج من مزارع إلى مزارع بعد عقود من خدمته الأولى هناك. ولم يكن من الممكن توقع أو التخطيط للطريقة الكاملة التي صارت بها الأمور بشكل أفضل أو أكثر شاعرية مما حدث عفويا. إن هذا الشعور بالإنجاز قد نشأ بعد سنوات عديدة من تفاني يعض الأشخاص في هذا المكان المحدد لدرجة جعلت أشياء جميلة تتحقق، ولو بعد حين.

أما الرسالة التي يوجهها إلى متطوعي هيئة السلام العائدين والذين يفكرون في التطوع مجددًا من خلال برنامج من فلاح إلى فلاح، فهي ببساطة: “لا تترددوا، افعلوها فحسب.” فعلى الرغم من أن مارك نفسه تردد في البداية قبل العودة لخدمة مدة أقصر في عام 2017، ومع أنه لم يدري ما إذا كان سيحصل على الدعم والمهارات الكافية لقضاء مهامه وتسيير حياته اليومية، إلا أن مخاوفه سرعان ما تلاشت بمجرد لقائه مع “حسن ورشيد” فريق مؤسسة الأطلس الكبير المشرف على برنامج من فلاح إلى فلاح حين أقلاه من المطار. “شعرت وكأنني عدت لمنزلي مرة أخرى.”

ويشجع مارك بشدة العائدين من متطوعي هيئة السلام على التعبئة والانخراط في برنامج من فلاح إلى فلاح الذي تديره مؤسسة الأطلس الكبير في المغرب: “فكرة عودة متطوعين سابقين في هيئة السلام إلى المغرب للعمل مع مؤسسة الأطلس الكبير كمتطوعين في برنامج من فلاح إلى فلاح أمر رائع فعلًا. فالأمر أكبر بكثير من أن تكون مجرد مزارع. حين عدت تمكنت من تقييم مؤشرات الاستدامة وإجراء مقابلات مع أعضاء التعاونيات النسائية، وهذه فرص لم تتح لي أبدًا في هيئة السلام – فرصة الجلوس مباشرة إلى بعض النساء واستجوابهن، وملاحظة الراحة والانفتاح وحريتهن في التعبير كما يشأن. لقد كانت تجربة مذهلة ورائعة في نفس الوقت.” كما أن فرصة العمل في برنامج من فلاح إلى فلاح قد توطد علاقات العائدين من متطوعي هيئة السلام مع المغرب أو تكمل حلقة تجاربهم تمامًا كما فعلت مع مارك.

إلين هيرنانديز، أستاذة مساعدة في اللغة الإنجليزية، كلية مقاطعة كامدن، نيو جيرسي، الولايات المتحدة الأمريكية. كاتي بيرسيغي، مديرة التنمية في مؤسسة الأطلس الكبير ومتطوعة سابقة في هيئة السلام بالمغرب. مارك أبيل هو الشخص الثاني من اليسار في الصورة أدناه (مؤسسة الأطلس الكبير 2018).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here