” مواقف ومواجهات في حال الحركة الثقافية ” كتاب …

” مواقف ومواجهات في حال الحركة الثقافية ” كتاب للدكتور نبيه القاسم جدير بالقراءة

بقلم : شاكر فريد حسن

كان قد صدر قبل سنوات، عن دار الهدى للطباعة والنشر كريم في كفر قرع، كتاب “مواقف ومواجهات في حال الحركة الثقافية ” للناقد الفلسطيني المعروف نبيه القاسم، المقيم في بلدة الرامة الجليلية.

وقد عرفنا لقاسم كاتبًا وقاصًا وباحثًا وناقدًا جادًا، وكأحد الناشطين والفاعلين في المجال الثقافي والادبي والجانر النقدي في الداخل الفلسطيني في اراضي العام 1948.

جاء الكتاب في 228صفحة من الحجم المتوسط والورق الاصفر الصقيل، وطباعة انيقة ولافتة، وهو عبارة عن جهد تجميعي للحوارات والمواجهات الصحفية والمعارك الادبية، التي جرت بين الكتاب والمبدعين والمثقفين الفلسطينيين حول مختلف الأجندة والقضايا والمسائل الفكرية والثقافية والادبية والسياسية المرتبطة والمتعلقة بحركتنا الثقافية والأدبية داخل الحصار . وقد كان لنبيه القاسم حصة الاسد فيها، ولعب دورًا كبيرًا في هذه المعارك والمواجهات، التي شهدتها صحافتنا وأدبياتنا في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين الماضي، وشكل احد اقطابها ومحاورها الرئيسية .

ولا شك ان هذه الحوارات ذات أهمية قصوى ولها قيمة تاريخية وادبية وفكرية وتسجيلية، وقد تركت اثرًا بالغًا على تطور وازدهار النهضة الادبية والثقافية الفلسطينية ومدتها بالحيوية والاستمرارية والغزارة .

وهذه المداخلات والمناقشات والمواجهات الحوارية كانت اثارت حينئذ اهتمام القراء وكل المشتغلين والمهتمين بالشأن الثقافي وقضايا الفكر والادب، وقد تميزت – كما يقول القاسم في مقدمة كتابه- بحدة بعضها وقسوة الكلمات وكثرة الاتهامات والتشكيك بالمصداقية والدفاع عن الذات، لكنها في معظمها حافظت على عمق التناول للقضية المثارة وعلى الابقاء على العلاقة الشخصية والاحترام المتبادل.

وقد نشرت هذه السجالات والمطارحات الادبية في الصحف والادبيات والدوريات الادبية والثقافية الفلسطينية، التي لا يزال جزء منها يواصل الصدور، والجزء الآخر احتجب وتوقف، وهي :”الجديد، الغد، الاتحاد، فصل المقال، كل العرب، الصنارة، صدى الجليل، العربي، الاسوار، الوطن، جفرا”. بالإضافة الى مجلة “البيادر الادبي” المحتجبة التي كان يصدرها الصحفي المرحوم جاك خزمو في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967.

يوزع نبيه القاسم هذه الحوارات والمواجهات والمواقف، التي ساهم فيها وانتقاها، وفق المواضيع التي دارت حولها، على عدة محاور وهي:

*مركزية الشعراء الاربعة سميح القاسم ومحمود درويش وتوفيق زياد وسالم جبران في ترسيخ واستمرارية الحركة الشعرية العربية داخل حدود دولة اسرائيل .

*مواجهات نقدية حول نقده لمؤلفات واصدارات اصدقائه وزملائه الكتاب والشعراء والادباء، المرحوم الشاعر فوزي عبداللـه، الكاتب فهيم ابو ركن، القاص جمال بنورة، الشاعر فاروق مواسي، الشاعر شفيق حبيب.

*حوارات ومداخلات حول الأدب والسياسة وسياسة الأدب وغير ذلك من قضايا مطروحة، للشعراء والكتاب: المرحوم جورج نجيب خليل، سلمان مصالحة، ادمون شحاده، وناجي ظاهر.

*مواجهة مع صديقه اللغوي الاستاذ الياس عطا اللـه حول الاعتداء والتعدي ومسائل نحوية مختلفة.

ويشير الناقد نبيه القاسم إلى أن هذه المواجهات والمعارك الثقافية الحادة والساخنة والصاخبة، التي شارك فيها العديد من اصحاب الفكر والموقف الادبي النقدي، كانت تؤدي احياناً الى القطيعة بين المتحاورين، ولكنها قطيعة الى حين مع احترام الواحد للثاني وتثمين مواقفه ودوره وعطائه. لم يحاول الواحد محو الآخر، بل ينحصر الجدل والحوار والاختلاف في الموقف والرؤية والغاية، التي يدعو اليها كل منهما ولا يتعداها الى شخصية الآخر، وخصوصياته الا فيما ندر .

غني عن القول، ان كتاب “مواقف ومواجهات في حال الحركة الثقافية ” للدكتور الناقد نبيه القاسم يستحق القراءة والاهتمام والتقدير، ويسد فراغاً في مكتبتنا النقدية وسجالنا الثقافي والفكري والادبي، فهو مرجع هام وجهد فائق مشكور يسجل لحقبة تاريخيه مفصلية، ويلقي الضوء على النقاشات المشحونة والمواجهات الحادة والمعارك الادبية السجالية، التي اثارت الاهتمام والمتابعة في حينه. انه كتاب يعيدنا الى الزمن الجميل، لتلك الايام الخصبة الغنية من حياتنا الثقافية وتاريخنا الادبي الربيعي الاخضر، التي كانت تعج بالحراك الثقافي والحوارات والندوات والمهرجانات والحلقات الادبية والنشاط الادبي المبارك، وتزهو بمختلف الوان الكتابة الادبية والابداعية، بعيداً عن المظاهر والقشور والزيف الادبي، والانا الفارغة، والضجيج الاعلامي، وتزخر بالمعارك الثقافية والايديولوجية، التي بتنا نفتقدها اليوم في زمن الفضائيات والانترنت، وزمن النفاق الثقافي والعهر الادبي .

وإننا نتفق مع طرح القاسم الذي جاء في نهاية مقدمة كتابه، حيث يقول :” أملي ان تكون هذه المواقف والمواجهات دافعًا ومحفزًا للكتاب الشباب لتناول القضايا الفكرية والثقافية والادبية في ايام دراسية وندوات دورية لتعميق المعرفة وترسيخ الثقافة وانفتاح للفكر لينطلق بحرية ورغبة ومحبة وشوق ليلتقي ويتلاقح ويغنى مع الحضارات الانسانية كلها”.

ختاماً نحيي الصديق الدكتور نبيه القاسم على مؤلفه القيم، ونشد على يديه متمنين له الحياة والعمر المديد والمزيد من العطاءات والمنجزات البحثية والنقدية لما فيه خير ومستقبل ادبنا وثقافتنا العربية الفلسطينية .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here