حكايات التوافق بين المركز والاقليم الفيدرالي

سامان نوح

في العراق الاتحادي، يتوجه زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي الى ايران لاجراء فحوصات طبية، ليس لعدم توفر العلاج، لا قدر الله، في سلسلة المستشفيات التي بناها في فترتي ولايته والنظام الصحي المذهل الذي أسسه في البلاد، بل فقط لكي لا يزاحم عراقيين آخرين من متوسطي الدخل على العلاج في هذا الوقت العصيب ولا يكلف الدولة ثمن علاجه.

طبعا النظام الصحي العظيم الذي أسسه لا يضاهيه سوى النظام الرائع في محاصصة المغانم والذي تم تثبيته بكل قوة خلال فترة الولايتين، ومعه تحولت الأحزاب الى شركات مقاولات، مكنت حتى صغار المسؤولين من تقديم خدمات جليلة للشعب عبر بناء متاجر ومولات وجامعات ومدارس خاصة ومستشفيات أهلية لتطوير كل مناحي البلاد.

وفي العراق الاتحادي أيضا، وبعد اشهر من اعلان فتح ملفات قتل أكثر من 500 متظاهر وسلسلة عمليات اغتيال تالية، تبشر الحكومة الجديدة النشطاء والمواطنين عن “قرب تشكيل لجنة تقصي حقائق لمعرفة قتلة المتظاهرين”، وتؤكد بكل ثقة وحماسة انها أمسكت “ببعض الخيوط” التي يمكن ان تحدد هوية بعض القاتلين. وتضيف “قريبا قد تسمعون” أخبار عن الاطاحة باسماء مهمة واحالتها للقضاء نتيجة ملفات فساد.

وفي الاقليم الفيدرالي شمالاً، حكمت محكمة دهوك على المُعلِم والناشط المعروف بدل برواري، بدفع مليوني دينار، بعد مطالبته “غير المسؤولة” لحكومة الاقليم ودون تفهم الوضع العصيب الذي تمر به، بتسديد رواتب الموظفين بشكل شهري ودون قطع. وجاء قرار المحكمة في اطار حرصها الكبير على تطبيق مواد قانون “إساءة استخدام الأجهزة الإلكترونية”.

ورفضت المحكمة الافراج عن برواري بالكفالة في قضية اخرى يحاكم عليها “لدعوته الخطيرة” الى تجمع للموظفين للمطالبة برواتبهم المتأخرة والمقطوعة. المحكمة في اطار حرصها على القانون وأمن الاقليم ورفاه أهاليه رأت في دعوة برواري للتجمع (الذي لم يشارك فيه بسبب اعتقاله المسبق) دعوة للتظاهر غير المرخص وخرقا فاضحاً للقانون.

ذات الحكومة التي تؤكد دائما في كل محفل دولي وأمام كل مسؤول غربي، على حق التظاهر وحق المواطن في حرية التعبير، رأت أن توقيفها لعشرات النشطاء طوال ايام كان “إجراء احترازيا لمنع جهات معادية من استغلال التظاهرات ولمنع تعكير اجواء الأمن والرفاه في الاقليم”. لكنها لا تتذكر متى آخر مرة وافقت فيها على تجمع مطلبي او تظاهرة احتجاجية على قرار حكومي، ليس لرفضها حق التظاهر، لا سامح الله، بل لكون المطالب السابقة جميعا ظلت تنقصها تفاصيل فنية ولم تتوافق مع القوانين ودائما كانت هناك أيادي خارجية وراءها.

وفي ذات الاقليم وبعد ست سنوات من الصرف دون موازنة، تقدم 16 نائبا (فقط) وفي خطوة ثورية تقدمية غير مسبوقة بطلب الى رئاسة البرلمان من أجل مطالبة الحكومة واقناعها بالتفضل مشكورة بتقديم مشروع قانون موازنة للاقليم للعام 2021. ويبدو ان 95 نائبا آخر غير مهتمين ولا مقتنعين بتقديم موازنة، ويرون ان الأمر متروك لتقدير الحكومة ورؤيتها الحكيمة، كما الحال مع القطع غير القانوني للرواتب بنسبة 21% والتأجيل المستفحل لقرار الغاء رواتب الفضائيين ومزدوجي الرواتب، ففي تأجيل تلك الملفات حكمة عظيمة لا يفقها نواب ومواطنون بسطاء محدودي التفكير.

كما ان البرلمان الكردستاني ليس لديه وقت لمناقشة مثل هذه الأمور الشكلية البسيطة، خاصة مع انشغال معظم النواب في ادامة أعمالهم السابقة كفنانين ورياضيين وصحفيين واعلاميين وخطباء جوامع وكتبة تقارير ومحرري بيانات حزبية، ولا وقت لهم “للمراقبة والتشريع واقرار الموازنات” فهذا ليس من صلب مهامهم الوطنية.

ولا ننسى ان تلك الملفات يحاول البعض اثارتها “بدواعي خبيثة” في ظل الانقطاع الاضطراري لأشهر عن الدوام بسبب كورونا، ومع قرار رئاسة البرلمان بعقد الجلسات مساءً بعد عجز النواب عن الحضور في الساعة 10 صباحاً “بسبب التزاماتهم القومية الكبرى” وعجزهم عن الحضور في الموعد الجديد الذي حددته الرئاسة في الساعة 11 صباحا، واستمرار التغيب عقب الاتفاق على عقد الجلسات بعد الساعة الواحدة ظهرا. مع التمنيات بالنوم الهنيء لجميع المجاهدين على حفظ مصالح الرعية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here