بعد مرور ثلاثة اعوام على اجراء الأستفتاء، مالمطلوب؟

جواد ملكشاهي
تمر هذه الأيام الذكرى الثالثة على اجراء استفتاء تقرير المصير في اقليم كوردستان الذي شارك فيه حوالي 93% من سكان الأقليم والمناطق الكوردستانية خارجه في كرنفال جماهيري وسط حماس شعبي قل نظيره.
رافق اجراء الأستفتاء مواقف متباينة من قبل الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في العملية السياسية والحكومة العراقية فضلا على القوى الأقليمية والدولية ومعظمه كان اما الرفض او المطالبة بتأجيله الى حين آخر،لكن قيادة الأقليم وعلى رأسها الرئيس مسعود بارزاني كانوا مصرين على اجراء الاستفتاء مهما كلف الثمن بأعتباره مطلبا جماهيريا ودستوريا وممارسة ديمقراطية حضارية لتحديد مستقبل العلاقة بين بغداد واربيل.
وفي صبيحة الخامس والعشرين من ايلول عام 2017 هب جموع المواطنين الكوردستانيين من حق لهم التصويت نحو المراكز المعدة مسبقا من قبل المفوضية العليا المستقلة للأنتخابات في اقليم كوردستان للأدلاء بأصواتهم وفي عملية حضارية منظمة ودقيقة وحضور فاعل وسط اجراءات امنية مشددة ،تمت العملية بنجاح ساحق بحضور ممثلي منظمات المجتمع المدني المحلية والأجنبية حيث صوت اكثر من 92% من المواطنين لصالح تشكيل كيان كوردي مستقل مما ولد ردود افعال سلبية من قبل الحكومة العراقية والقوى الاٌقليمية وبالاخص تركيا وايران.
وجراء هذه الممارسة الديمقراطية والتي تعد حقاً قانونياً و مشروعاً من حقوق الانسان والشعوب،فرض حصار محلي واقليمي على الأقليم وقامت الحكومة بالأستمرار بقطع موازنته وحرمان موظفيه من رواتبهم واغلاق المجال الجوي بوجه الطائرات المتجهة الى مطاري اربيل والسليمانية ما ادى الى اغلاقهما بالكامل فضلا على غلق المنافذ الحدودية بالتعاون مع ايران عقابا على ممارسة شعب كوردستان حقه الديمقراطي الطبيعي حيث كشفت تلك المواقف المخزية زيف الادعاءات التي كانت وماتزال تدعي ترسيخ الحرية والديمقراطية وحقوق الأنسان في العراق.
واثناء الحصارالظالم والأوضاع المعيشية الصعبة وبعد تحرير الموصل والانبار من تنظيم داعش الأرهابي شنت القوات المسلحة العراقية بمختلف مسمياتها وصنوفها وبتواطئ مع احد اجنحة قيادة الاتحاد الوطني الكوردستاني وبتنسيق وتعاون مع الحرس الثوري الايراني هجوما على المناطق الكوردستانية خارج الأقليم في 16 اكتوبر من عام 2017 وسط صمت اقليمي ودولي مدقع وتمكنت من السيطرة على كركوك وخانقين وشنكال والمناطق الاخرى وكانت تنوي السيطرة على اربيل ومحافظات الأقليم الاخرى لولا صمود وصلابة قوات بيشمركة كوردستان في ملحمة (بردي) التي تمكنت في معركة شرسة وغير متكافئة من وقف زحف تلك القوات نحو اربيل وارغامها على التراجع عن هدفها الاساس.
اليوم وبعد مرور ثلاثة اعوام على اجراء الأستفتاء يمر الأقليم بظروف سياسية واقتصادية صعبة جراء تهاوي اسعار البترول في الاسواق العالمية واستمرار قطع رواتب الموظفين من قبل بغداد فضلا على الآثار السلبية الكبيرة التي تركتها جائحة كورونا على الأقتصاد العالمي ومن ضمنه واردات اقليم كوردستان ،لذا تستدعي الأوضاع الحالية قيام الحكومة و القوى السياسية الكوردستانية بالخطوات التالية لأستعادة الأقليم عافيته وضمان مستقبله.
1-وضع الخلافات السياسية والصراعات الحزبية جانبا والعمل معا لعقد مؤتمر كوردستاني موسع بحضور جميع القوى السياسية بمختلف توجهاتها ومناقشة الأوضاع والتحديات من جميع الجوانب بشكل موضوعي ومسؤول ووضع الاشارات على مواطن الخلل ومن ثم البحث عن الحلول المنطقية والعقلانية خدمة لمصالح الاقليم وقضيتنا القومية في المنطقة بشكل عام.
2-استمرار ودعم عملية الاصلاح ومكافحة الفساد التي بدأتها الكابينة التاسعة برئاسة السيد مسرور بارزاني ومحاسبة كبار الفاسدين بغض النظر عن مكانتهم الحزبية والحكومية والاجتماعية وترسيخ العدالة الاجتماعية بغية تعزيز الوحدة الوطنية وثقة المواطن بالنظام السياسي في الأقليم.
3-السعي من اجل تصحيح المسار الاقتصادي الحالي الذي يعتمد على الأقتصاد الريعي وموارد البترول بموارد اخرى مثل الزراعة والسياحة والصناعة بأعتبار ان موارد النفط غير مضمون لخضوع انتاجه وتصديره لضغوطات من قبل اطراف اخرى كتركيا والحكومة العراقية والشركات المنتجة و المستوردة للبترول وكل من تلك الأطراف ممكن ان يشكل عقبة في استمرارعمليات الانتاج والتصدير اذا اقتضت مصالحها واستخدام البترول كورقة ضغط على اربيل،لذلك الأعتماد على موارد البترول بالدرجة الاساس سيعرض اقتصاد الأقليم والامن القومي الكوردستاني للأبتزاز والخطر ويجهض اية محاولة مستقبلية لتنفيذ نتيجة الأستفتاء.
4-الامن الغذائي يعد الركيزة الأساسية لأدارة الدولة والحكومة ومن دون ضمان الأمن الغذائي لايمكن ضمان الأمن القومي بمفهومه العام، وللوصول الى مستوى مقبول من الأمن الغذائي ،على حكومة الأقليم ان تضع تأمين المياه على صدر برامجها،لأن المياه تشكل العامل الاساس للأمن الغذائي ،عليه ينبغي لحكومة اقليم كوردستان ان تضع خطة متكاملة لبناء السدود في كل منطقة يمكن بناء السدود عليها لخزن المياه واكمال السدود التي شرعت ببنائها في الاعوام السابقة وبناء سدود جديدة ،لضمان الامن الغذائي الكوردستاني واستخدام المياه ورقة مؤثرة عند الحاجة اليها،بأعتبار المياه تشكل المشكلة الاساسية والورقة الرابحة في مستقبل الشرق الاوسط والعراق على وجه الخصوص.
5-استمرارالمشاركة في العملية السياسية والتعاطي مع الحكومة العراقية في الوقت الحاضر طبقا للدستور والعمل على تقوية البنى التحتية وتوفير الخدمات الاساسية للمواطنين وتوفير فرص العمل للشباب وبالاخص الخريجين منهم في القطاعين الحكومي والخاص والارتقاء بالجوانب التعليمية والصحية وبالاخص التعليم العالي وانشاء مراكز بحوث رصينة لدراسة وتقييم جميع جوانب الحياة و وضع الحلول لها من خلال خبرة الشخصيات الاكاديمية والعلماء واصحاب الاختصاصات.
6-السعي لربط المصالح الأقتصادية والأمنية للعراق والقوى الاقليمية وبالاخص تركيا وايران وسوريا مع مصالح الأقليم من خلال بناء علاقات متوازنة بشكل تتأثر مصالح تلك الدول مع اي اية مؤثرات على مصالح الأقليم فضلا على السعي لتعزيز وتقوية العلاقات مع الأطراف الدولية المتواجدة في المنطقة كالولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين ودول الاتحاد الاوربي والعمل المشترك معها لتأمين مصالحها من خلال التعاون الأمني والعسكري،بالأضافة الى تعزيز العلاقات مع جميع الدول العربية ولاسيما المؤثرة منها كالمملكة العربية السعودية والامارات وقطر ومصر.
7-محاولة بناء تفاهمات مشتركة مع القوى الكوردستانية في الأجزاء الاخرى والتنسيق معها بغية حل المشاكل مع ايران وتركيا وسوريا عبر الحوار والتخلي عن الكفاح المسلح قدر الأمكان،لأن الخيار العسكري معروف النتيجة مسبقا نظرا لعدم تكافؤ القوى بين القوى الكوردستانية والامكانيات والقدرات العسكرية والبشرية الهائلة التي تمتلكها تلك الدول.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here