الحسد وصيبة العين

ادهم ابراهيم

في مجتمعاتنا الشرقية عند شراء دار اوسيارة جديدة يقوم رب العائلة بذبح الخراف , درءا” للحسد من أعين الناس . وبعض الناس يستخدمون البخور ويحرقون الحرمل لدفع شر العيون الحاسدة .
وهناك من يكتب خلف سيارة الاجرة
الحسود لايسود . وعين الحاسد تبلى بالعمى .
والبعض يرسم على واجهة البيت كف فيه عين زرقاء . وهناك من يفسر الكف بانها كف النبي(ص) او كف فاطمة(ع) ، او مريم (ع) .
ويعتقد كثير من الناس أن لدى البعض خاصيـة الاصابة في عينه ، فاذا نظر إلى شيء ازاله واتلفه . واذا نظر الى انسان بعين الحسد أماته أو امرضه .

وما زالت الخرزة الزرقاء (ام سبع عيون) تعد دارئة للحسد .
وكثير من الشعوب تعلق النعل القديم على الابواب لمنع الحسد وتأثير العين .

هناك من يعتقد بان الحسد خرافة لا اساس لها في الواقع ، في حين يعتقد كثير من الناس بانه طاقة غامضة تؤثر في الإنسان المحسود .

والحسد في جميع الاحوال متأصل في النفس البشرية على مر العصور والازمنة ، وقد عاش الانسان في خوف من آثار الحسد والعين ، واخذوا يسترضون الآلهة بطقوس عديدة .

وقد برز موضوع الحسد والعين جليا في الحضارة المصرية القديمة . ففي أسطورة إيزيس وأوزوريس استعاد حورس حكمه من خلال عين زرقاء تمكن بفضلها من هزيمة عمه “ست” .
وعين حورس (اوجات) شعار مصري قديم يستخدم للحماية من الحسد ، وظهرت على شكل قلادة على صدر مومياء فرعون .

وفي العراق كانت الحضارتين البابلية والسومرية تؤمنان بوجود الحسد ، وقد اكتشفت كتابات قديمة في ألواح الطين تتحدث عن الحسد والعين الشريرة ، وهي تعود لحوالى5000 عام قبل الميلاد، وهناك طقوس لتجنب لعنتها ولديهم عين زرقاء ايضا للحماية من الحسد والعين الشريرة .

وفي الحضارة الرافدينية هذه ورد مصطلح “عين الموت” وهي تجسد التأثير السئ للعين والحسد على الضحية ، كما ظهرت الخرزة الزرقاء ذات السبع عيون عند البابليين حيث يعلقونها على الابواب ومداخل البيوت حتى تصد العين الشريرة وتمنع تاثيرها الضار .

وكذلك آمن الإغريق والرومان بالحسد والعين الشريرة . فقد جعل اليونانيون للحسد إلهًا اسموه فثونوس ، الذي يعني الحسد ، وآمن الرومان بالحسد والعين الشريرة ، وتاثيرها السئ على الانسان ومارسوا طقوسا خرافية لابعاد عيون الحسد عن اطفالهم واحبائهم . . واعتقدوا بان الحسد وحشا لا يمكن القضاء عليه .

وتعد تركيا من أكثر الدول ولعًا بالخرز الزرقاء لمنع تأثير العين المهلكة . وبناء على طلبها تم إدراجها على قائمة التراث الإنساني التابع لمنظمة اليونسكو للتراث الإنساني العالمي ..

أن عقيدة الحسد والإصابة بالعين شائعة في جميع المجتمعات في الشرق والغرب وكان الإيطاليون يحصنون أنفسهم وبيوتهم بالثوم . اما الأمريكان فانهم يستعينون بخشب الصندل .

كما ذكر الحسد والعين في كل الاديان تقريبا . فقد وردت كلمة الحسد ومشتقاتها خمس مرات في القرآن الكريم منها «ومن شر حاسد إذا حسد» علاوة على أحاديث نبوية كثيرة .

وللقرطبي المتوفى سنة ٦٧١هـ رأي في تفسير هذه الآية، بقوله: “الحاسد لا يضر إلا إذا ظهر حسده بفعل أو قول، وذلك بأن يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود، فيتبع مساوئه، ويطلب عثراته”.

وفي اليهودية انتشر الاعتقاد في صيبة العين . .
وقد أوصى النبي يعقوب عليه السلام أولاده عندما أرسلهم لمصر لزيارة النبي يوسف بعدم الدخول من باب واحدة خوفا من الحسد وصيبة العين .
وجاء في سفر التكوين من أن النبي إبراهيم الخليل سأل أين اسحق؟ فكان الجواب إنه أرسل في الليل خوفا من العين .

وتأتي حكاية قابيل وهابيل لتصور ماهية الحسد وما يمكن أن يفعله لشخص ما .
والقصة تقول أن كلاًّ من قابيل وهابيل قدَ قدما قرابين إلى الله سبحانه ، فتقبل الله قربان هابيل؛ لصدقه وإخلاصه، ولم يتقبل قربان قابيل . فقال قابيل -على سبيل الحسد- لأخيه هابيل لأقتلنك ، بسبب قبول قربانك، ورفض قبول قرباني ، فكان رد هابيل على أخيه إنما يتقبل الله من المتقين .

ولعل الانانية وحب الذات هي اساس الحسد .

وقد كان الحسد عبر التاريخ خطيئة تؤدي دائمًا إلى الكراهية ، وبالتالي قد تدفع إلى ارتكاب أعمال اجرامية .

تقول موريا سارنر محررة الغارديان البريطانية ان الشعور بالحسد ليس مجرد اشتهاء ما لدى الآخرين .
الحسد الحقيقي هو الرغبة في عدم حصول شخص ما على نعم وخيرات . ولا يريد له أي شكل من أشكال النجاح .
فالحسد الحقيقي هو شكل من اشكال الالم ينتاب الشخص عند رغبته الشديدة في الحصول على مالدى الاخرين ، دون ان يحصل عليه لنفسه . ولذلك يتمنى زواله .

اما الدكتور مارسيلو سيبيريو اختصاصي علم النفس فيقول ان
الحسد هو الشعور بعدم الرضا الذي ينتابك عندما لا تمتلك شيئًا موجودا عند الآخر ، وكذلك الرغبة في امتلاك هذا الشيء إلى حد حرمان شخص آخر منه .

اظهرت دراسة هولندية أن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي غالبا ما يشعرون بالحسد، بسبب الاطلاع على حياة ونشاطات الاخرين مثل السفر ووسائل الرفاه المادية والمعنوية الاخرى .
ويعتقد فان دي فين عالم النفس الهولندي أن هناك نوعين من الحسد ، الأول خفيف، ويظهر عندما ينتاب الشخص قلقا من أن الآخر يملك ما يتمناه هو ، وهذا اقرب للاعجاب . وهذا النوع يرافقه دافع إيجابي بالرغبة في التطور ومحاولة تحقيق نتائج مماثلة .
أما النوع الثاني الصعب من الحسد فهو الخبيث ، عندما يرافقه السعي للامتلاك عن طريق السلب ، اوإثارة المشاكل للشخص المحسود . ويرافق هذا الشعور الشماتة عندما يفرح الإنسان لحزن المحسود .
وهذا النوع من الحسد يأتي بنتائج عكسية حيث يؤدي إلى العداء بين الزملاء و الاقرباء .

وغالبا مايصاحب الحسد امراض وعقد نفسية مثل الاكتئاب . ولكن الناس السعداء هم الأكثر قدرة على توجيه مشاعر الحسد نحو تطوير الذات .

الغيرة والحسد
الحسد يشمل الشخص الحاسد والشخص الذي يحسده .
في حين تتطلب الغيرة ثلاثة أطراف ، يخشى أحدهم أو يغضب من أن يحل محله شخص آخر في مشاعر الطرف الآخر . مثل شعور الرجل بالغيرة لأنه رأى صاحبته مع رجل آخر . وكذلك بالنسبة للمرأة اذا رأت زوجها يلاطف امرأة اخرى .

ويعتقد بعض العلماء أن الجذور النفسية للحسد عميقة ، وربما كانت عنصرا مساعدا لتطور الانسان .

وعلى العموم فان الحسد عاطفة غير حميدة ، وتعتبر نوعا من العار الاجتماعي ؛ حيث يفترض بالانسان ان يحب لاخيه مايحب لنفسه ، ويفرح لنجاحه . ولكن علماء النفس يعتقدون ان ادمغتنا غالبا مالاتعمل على وفق هذا المنطق . .

إذن ما هي القصة الحقيقية وراء الحسد ووظيفته في الدماغ ؟

يقول الدكتور كليفورد سيجيل طبيب الاعصاب في مركز سانت جون الصحي : ( تشارك القشرة الحزامية الأمامية في العديد من الوظائف المعقدة مثل العاطفة واتخاذ القرار”. هذا الجزء من دماغك يتحكم في سبب الشعور بالحسد والألم الناتج عنه .
هذه القشرة الحزامية الأمامية تضيء عندما نشعر بالألم . ولذلك فهي تضيء ايضا عند شعورنا بالحسد ) .

هذا من الناحية الفسيولوجية . ولكن لا أحد ، حتى أفضل علماء النفس ، يستطيع الإجابة على الأسئلة الناشئة عن سلوك الحسد غير المفهوم . ومع كل العلم والمعرفة الحديثة ، لا يزال المرء غير قادر على اقتحام الدماغ البشري وقراءة الأفكار لمعرفة ماهية الحسد بدقة .

يعتقد نيتشه بقدرة الإنسان على الوصول لأي هدف يريده، ولكن ما ينبغى على الإنسان فعله هو أن يتحمل ما بداخله من الحسد والغيرة، وأن ينظر إليهما كمؤشر لما يريده ، وأن يبذل كل ما يستطيع للوصول لأهدافه، وهذا هو معنى الوصول لكينونة “الإنسان الأرقى”.
اي انه يجعل من الحسد دافع للرقي وليس للحقد والكراهية .

هناك تعريف مختلف وأكثر قتامة لمفهوم الحسد بالنسبة لباتريشيا بولدري ، أخصائية التحليل النفسي ومؤلفة كتاب الحسد في الحياة اليومية ، حيث تقول ان الحسد يشير إلى شيء خطير للغاية ، يمكن أن يتخذ شكل الإساءة العاطفية وأعمال الإجرام العنيفة . “الحاسد يريد تدمير ما لدى شخص آخر من حاجات وامتيازات . وهو لا يكتفي برغبته للحصول عليها فحسب ، بل يريد أن لا يمتلكها احد غيره . إنها مشكلة عميقة الجذور ، حيث الشعور بالاستياء الشديد من رفاهية شخص آخر – سواء كان ذلك مظهره أو وضعه أو السيارة التي يمتلكها. إنها صامتة ، مدمرة ، مخادعة – إنها خبث محض ، كراهية خالصة .
وتعتقد أن الحسد ليس فطريا ولكنه يبدأ بتجربة الحرمان المبكر عند الانسان .

وهناك من يعتقد بان الحسد نوع من الطاقة وان عين الحاسد تتفاعل مع الالوان عدا اللون الازرق ولذلك يعلق الناس الخرز الزرقاء لدرء عين الحاسد !
وربما للحسد وصيبة العين قوانينها الطبيعية التي لم تكتشف بعد ! .

ويبقى موضوع الحسد اعتقادا شخصيا خاضعا لتقاليد اجتماعية على مر العصور .
ادهم ابراهيم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here