إستفتاء شعب كوردستان في الميزان

فلسفياً يقال بأن العقل الجدلي ليس إلا دینامية الفکر، والفکر يکون جدلياً إدا ما کان يمیل بإستمرار الی أن يتجاوز نفسە سواء في ذهابه الی أقصی حد تسمح به المتضّمنات المنطقية لما سبق له أن أکتشفه، أو بإنتقاله الی وجهات نظر جديدة تعارض القضايا التي کانت قائمة في البداية.

مسألة إستفتاء شعب كوردستان بقيادة الرئیس مسعود بارزاني (الذي أجري في الخامس والعشرين من سبتمبر/أيلول 2017 بمشاركة 27% من أصل 4.5 مليون ناخب من الإقليم وخارجە، حيث بلغ عدد المصوتين بـ”نعم” 29%)، هي بجانب حقوق طبيعية لشعب ناضل زهاء قرن من الزمان مجرد تفاعل شعب كوردستان مع الواقع السياسي والأمني غير المستقر في محيطها.

من حق الکوردستانیین، الذين يتمتعون بلغة وحضارة وتاريخ وعادات تختلف عن البقية الباقية من الشعب العراقي، أن يسعوا إلى المحافظة على هويتهم وحقوقهم ويظل حلم الدولة الكوردستانية المستقلة حاضراً في أدبيات ذاكرتهم السياسية.

نعم لايزال شعب كوردستان متسمك بمخرجات الاستفتاء المذکور وليس من حق أیة جهة رسمية (حكومة وبرلمان الإقليم) أن تلغي نتائج الإستفتاء وبطلانه، بل تجميده فقط، هذا الذي حدث.

قانونياً لایمکن أن تلغی النتائج إلا بإستفتاء جديد، لکن هل تجرؤ جهة ما أن تقف ضد رغبة هذا الشعب المناضل، الذي يمکن أن يطالب بتفعیلها في المستقبل؟

بعض نظريات العلاقات الدولية تقول لاتحارب الديمقراطيات بعضها البعض و نحن نقول أن السلم والإستقرار السياسي والاقتصادي والثقافي مهما كان نوعه وشكله لن يعم في العراق وفي الشرق الأوســط دون إيجاد حل سياسي جذري ونهائي للقضية الكوردستانية، التي إتخذت طابعاً دولياً وتحولت إلى قضية ساخنة في الشرق الأوسط والأدنى، أو دون الإعتراف الکامل بحقوق شعب كوردستان، الذي وصفهم المفكر الأرمني خجاتور أبوفيان (1805ـ1846) في مقالته تحت عنوان “الأكراد”، بـ”فرسان الشرق”.

يعتبر إقلیم كوردستان الواقع في قلب الشرق الأوسط اليوم نقطة إلتقاء المصالح الدولية والإقليمية بسبب موقعها الجيوبوليتيكي، وهو عامل مؤثر أساسي في التحولات الديمقراطية في الشرق الأوسط، حیث يشکل طاقة أساسية إقتصادية وبشرية، لايمكن الإستفادة منها إلا بعد حل قضيتها القومية.

أما قادة الإقلیم رئاسةً و حکومةً، فلهم بحکم عقلانتیهم في التعامل مع الواقع و سياستهم المعاصرة وعلاقاتهم المتعددة والمتشعبة في المنطقة وعلی الصعيد الدولي، تأثيرهم على الفواعل الدولية ومراكز صنع القرار الاقليمي والدولي والنفوذ السياسي.

إذن من مصلحة الأطراف الداخلية في العراق والإقليمية والدولية الإستفادة من هذه العلاقات التاريخية وحل هذه القضية ليعم الأمن والسلام والإستقرار في المنطقة.

نعم إن إستمرار تحکم الأنظمة الإقليمية بالسلطات القائمة بالعراق وسيطرتهم علی القرار السياسي والامني والعسكري العراقي، وعلى كافة المستويات الحكومية والحزبية والعسكرية والامنية والاقتصادية والتجارية وضياع السيادة و إستقلال الدولة والحکومة فيە، کلها عوامل غير مساعدة لتهیئة الظروف والمناخ الملائم لحل المشاکل العالقة بين الإقلیم والعراق الإتحادي، لکن مع کل هذا نری بأنه من الضروري الآن الإتجاه

إلى مفاوضات سياسية للاتفاق على إعادة تعريف العلاقة بين الإقليم والإتحاد والاتفاق على تنظيم العلاقة بين حكومة العراق الإتحادية وحكومة إقليم كردستان للحفاظ على النموذج الفدرالي للعراق وإخراجه من بُوتَقة ونفوذ وتدخلات الدول المجاورة وارساء مقومات نهضة تنموية وصحوة تقدمية وفق منظور استراتيجي جديد وفق معطيات واقعية ودستورية وإقامة نظام ديمقراطي وإقتصادي عادل يخدم الشعوب في العراق الإتحادي.

ختاماً: علی الفاعل الكوردستاني في عصر التکامل الذي يضاعف الفرص وطاقات القيادة الشجاعة والحکيمة في تسطير تاريخ زاهر العمل علی تماسك الجبهة السياسية الداخلية و بناء هيکل سياسي متين قادر علی ترشيد إدارة الإقليم و دفعه نحو عقلانية وبراغماتية سياسية أكثر للوصول الی التمثيل الداخلي القوي و إرساء العلاقات الجيدة بدول الجوار والدعم الدولي المبني على المصالح المتبادلة للحفاظ علی مکتسبات الإقلیم الدستورية والتقرب من حلول ناجعة تدعم مطالب شعب كوردستان والاستقرار والسلام.

الدکتور سامان سوراني

Image preview

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here