الشرق الأوسط وصراع الأيديولوجيات

عباس الكتبي
صراع سياسي محتدم بين الدول العظمى على الشرق الأوسط، والسيطرة على هذه المنطقة لأهميتها الإقتصادية والإستيراتيجية.
يكفي في معرفة أهميتها أنها كانت هدفاً ومطمعاً للأعداء حتى غزتها بجيوشها، كما أنها محط أنظار للقوى العالمية فسارعت هذه القوى إليها، بعقد التحالفات والإتفاقيات الإستيراتيجية في مجالات الحياة الهامة مع الأنظمة الحاكمة فيها، والعراق يمثل قلب هذه المنطقة لذا أصبح له موضع إهتمام كبير من قبل الدول العظمى.
انتهجت القوى الكبرى المتنافسة على هيمنة العالم وقيادته أيديولجيات مختلفة، والايدبولجية بالمعنى الذي أفهمه عبارة عن: مجموعة من الأفكار يؤمن بها اصحابها ويتخذونها سلوكاً سياسياً عاماً في التعامل مع الآخرين، ويقومون بتصديرها ثقافياً الى بقية الشعوب لجذب المجتمع الدولي نحوهم، بغية الحصول على أكبر عدد من الحلفاء والأصدقاء وتقليص الأعداء ودورهم في العالم.
الولايات المتحدة الأمريكية، دأبت وعبر عقود من الزمن على طرح أفكارها التبشيرية من مبادئ الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحرية، والمساواة، وغيرها من المفاهيم البراقة في أوربا وآسيا، ومن خلالها أصبحت لها اليد الطولى والكلمة العليا في القضايا المصيرية التي تهم العالم، بل وصل بها الأمر إلى التدخل العسكري والثقافي للبلدان في سياستها الخارجية، والإطاحة بالأنظمة المستبدة التي لم تتفق معها.
أمريكا بالوقت الراهن، تشعر بقلق شديد من تنافس بعض القوى الدولية لها، على المستوى الفكري وتبادل المعلومات، وهي تستعد لهذه المواجهة بتغيير وتطوير أيديولجيتها، لتكييف سياستها مع المتغيرات الحاصلة في أفكار المجتمعات، وما تطبيع العلاقات مع إسرائيل من بعض الدول العربية، وحديث الرئيس الأمريكي عن السلام في الشرق الأوسط، إلا برهان واضح على ذلك.
تحت إطار هذا التنافس والتصارع القائم على المصالح المادية، عرضت كل من روسيا والصين افكار بديلة للنظام الدولي القائم، فالصين طرحت عدة مفاهيم للعالم الجديد، خاصة في عهد الرئيس”شي جين بينغ”،
 منها:(التأكيد على التنمية البشرية والسيادة الوطنية) بخلاف حرية النظام الليبرالي الأمريكي، و(مجتمع المصير المشترك للبشرية المبني على الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة)و(الأمن المشترك الشامل والتعاون المستدام) خلافاً للتدخلات العسكرية الأمريكية في تغيير الانظمة الداخلية للدول الفردية، ولم تسع الصين إلى هذا الامر فهي تفضل المصالحة مع الأنظمة القائمة حتى ولو كانت دكتاتورية.
الصين، كقوة عسكرية واقتصادية ضخمة مؤهلة لقيادة العالم، ومع كونها أمبريالية ناشئة تحاول التوغل برفق”كقوة ناعمة” الى منطقة أوراسيا عن طريق مبادرة “الحزام والطريق” ومن المؤكد ان المبادرات التجارية الكبرى تتزاوج معها القوة الأمنية، كأرسال البوارج الحربية أو أرساء القواعد العسكرية في البلدان التي يتم التعاقد والأتفاق معها تجارياً لحماية مصالحها.
روسيا، تعتبر نفسها قوة عالمية مؤثرة بالمنطقة، وتمارس دور الضابط فيها، وتدعوا الى جعل أوراسيا منفصلة، متساوية، يحق لكل كيان فيها اختيار بنيته السياسية والإقتصادية والثقافية والأمنية، والحفاظ على القيم الراسخة لشعوبها، لتجنب نفسها التهديدات التي قد تحدث بالمستقبل من الكيانات المجاورة لها، كما أنها تعارض التدخل الجيوسياسي والثقافي للولايات المتحدة الأمريكية في الشأن الداخلي للدول.
إيران اليوم ليست إيران الأمس، أصبحت تعتنق فكرة تصدير الثورة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، فقامت بدعم كل حركة أو تنظيم اسلامي – سواء كان شيعياً أو سنياً وأن كان متطرف فكرياً – بالمال والسلاح، لمقاومة النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، وحماية أمنها القومي ونظامها الإسلامي، وقد صرح بهذه الحقيقة الجلية منذ بضعة أيام قائد الحرس الثوري”سلامي” بقوله:( نقاوم ونزداد قوة يوما بعد يوم، مضيفا: لقد صنعت مكتسبات الثورة وزوايا تأثيرها، القوة حتى شرق البحر المتوسط ​​وشمال إفريقيا، وهذه القوى تعمل اليوم).
أردوغان التركي، يمارس في سلوكه السياسي أزدواجية المعايير بين النظرة الدينية المتطرفة والنظرة الليبرالية المرنة، وهو نوع من الدهاء والمكر السياسي لنيل ما يبتغيه من مطامع مادية وأهداف توسعية في المنطقة، فهو يدعم أي طرف او جهة تحقق رغباته السياسية سواء كانت أغلبية أو أقلية.
الشرق الأوسط مصائبه لا تنتهي، شهد بالماضي وسيشهد بالمستقبل صراعاً شديداً ومريراً، وتصادماً بالأيديولوجيات، لأنه يعج بالموارد المالية الكبيرة خاصةً مع الأكتشاف الحديث لكميات هائلة من الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، وأعتقد أن من يقبض على الشرق الأوسط بيده يقبض على العالم برمته.
كان الله في عون العراق فهو المحور في هذا الصراع، نأمل من القائمين على إدارته النأي بالنفس عن التجاذبات والصراعات الإقليمية والدولية القادمة، وإتخاذ سياسة وسطية ومتوازنة في علاقاته مع الجميع، وأن يكون سيد نفسه ويخرج من التبعية أو الوصاية الأمريكية والإيرانية.
سؤال في نهاية الختام: هل حققت أو ستحقق الأيديولجيات السابقة والحديثة، السلام، والأمن، والأمان، والأستقرار، والأزدهار ، والرفاهية والسعادة للبشرية أم ستملأ الأرض ظلماً وجوراً ؟
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here