الدوائر الانتخابية المُتعددة والسقوط نحو الأعلى!

محمد وذاح

مساعِ مجلس النوّاب العراقي إلى أعتماد الدوائر المُتعدّدة أو الترشح الفردي في الانتخابات البرلمانية العراقية المبكرة، المؤمّل إجراءها في حزيران المقبل 2021 -الذي يعد من أبرز المطالب التي رفعها المتظاهرون وأكدت عليه المرجعية الدينية العليا- برأيي هي سقطة ستؤسس وترسخ إلى الطائفية والمناطقية والعشائرية بدل الخلاص منها!

لان العراق لا زال يحبو في العملية الديمقراطية وتراكم تجربته لازالت بسيطة ولم تأخذ مداها الواسع والكبير، والأهم من ذلك كله؛ العراق يعد من البلدان المقسمة على أساس عشائري ومناطقي وعرقي وطائفي، فأعتماد الدوائر المُتعدّدة بالأنتخابات؛ يعني أن خيار الناخب سيكون محدود جداً بالتصويت على مرشحي محافظته أو قضاءه وناحيته وفق الدائرة الانتخابية التي ستُعتمد، ولا يمكنه التصويت على غريهم في حال كان الناخب يؤمن بشخصية وطنية في نينوى وهو من أهالي بغداد أو هو من أهالي البصرة كـ(ناخب) ويؤمن بمرشح نزيه وشريف وشجاع وغير انفصالي وتابع من اقليم كردستان أو من الجنوب، وهكذا الحال على باقي المحافظات.

ترجيح كفة الزعامات المناطقية!

ويتوقع مراقبون، أن البرلمان العراقي إذا ما اعتمد الدوائر المتعدّدة في الانتخابات المقبلة، ستكون كف وحظوظ الزعامات العشائرية والقبلية والقومية، هي الأرجح على حساب الشخصيات السياسية الوطنية والمستقلة والنزيهة، لأن الخيار الأول- بالنسبة للناخب- معروف في وسطه المجتمعي ولهُ تأثير بدافع القومية او العشائرية أو الدينية، أما الخيار الثاني، الشخصيات الوطنية والنزيهة، على الرغم من مريديها الكثيرون، إلّا أنهم يبقون موزعون على مستوى العراق ولا فرصة امامهم -اي الناخب- للتصويت لتلك الشخصيات لأنه مُحددة بالدائرة الانتخابية.

هذا الرأي ذهب اليه السياسي المستقل، ومؤسس (الحراك الشعبي للتغيير والتنمية)، الدكتور ليث شبر، في تغريدة على موقع “تويتر”، بقولهِ: “أخالف الكثيرين ممن يعتقدون ان الدوائر المتعددة على اختلاف توزيعها هي الطريق الأسلم للقوى الوطنية، وهو وهم كبير فالطريق الصحيح هو أن تكون المحافظة دائرة واحدة ويصعد منها الأعلى من الرجال والكوتا الأعلى من النساء لنقضي بذلك على مساويء سانت ليغو والقوائم المفتوحة.. هذا هو الحل الأسلم”.

زيادة الكتل النيابية وشراء الأصوات!

وفي السياق ذاتهِ، هناك من يؤكد من داخل العملية السياسية والعارف بخبايها، أن الدوائر المُتعدّدة ليست هي الخيار الأمثل للعراق والخروج من أزمته الممتدة منذ 17 عاماً، فقد أعتبر رئيس كتلة السند الوطني، النائب أحمد الأسدي، أن اعتماد الدوائر المتعددة في قانون الانتخابات تخدم المواطن بالدرجة الأولى وتتضمن جوانب سلبية على العملية السياسية!

وقال الأسدي في لقاء متلفز على قناة السومرية في برنامج “المناورة” قبل عدّة أيام، إن “الدوائر الانتخابية المتعدّدة تخدم المواطن على اعتبار أن النائب سيكون مسؤولاً أمام الناس التي انتخبته على مستوى المنطقة أو القضاء وسيساعد على تقديم خدمات أكبر للناس بخلاف الدائرة الكبيرة”، لافتا إلى أن “الجانب السلبي في الدوائر المتعدّدة، أنها لا يخدم العملية السياسية فستزيد أعداد الكتل السياسية وبالتالي سيصعب التفاهم فيما بينها وقد نرجع لقضية شراء أصوات النوّاب مقابل تصويتهم على قرارات المجلس!”.

ونوه رئيس كتلة السند، إلى أنه “ومن أجل ضمان عدم العودة للوراء، تضمن قانون الانتخابات شرط اساسي؛ أنه في حال تم تسجيل المرشح في كتلة أو قائمة لا يسمح الخروج منها بعد الوصول إلى البرلمان إلّا بعد تشكيل الحكومة”.

دائرة أنتخابية واحدة

بالمقابل، يرى مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، المفكر والكاتب؛ الدكتور عزمي بشارة، أن “ما يحصل في لبنان والعراق منذ تشرين الماضي 2019، هي ثورة ثقافية جديدة يقودها الشباب، رداً على النظام الطائفي والمحاصصاتي المترسخ في الدولتين”، مبيناً أن “النظام لا يمكن تغييره في ثورة وما يحصل في الشارع العراقي والبناني هو تغير الثقافة بالشارع ضد النظام الطائفي والدعوة أن تكون فيها المواطنة هي حجر الاساس وليس الطائفة”.

ويقترح الدكتور بشارة، أن “الحل الأمثل والأنجع للدول التي تعاني من المحاصصة على اساس طائفي كالعراق ولبنان، يكون عبر أعتماد قانون انتخابات تكون البلاد فيه منطقة واحدة أو دائرة انتخابية واحدة ويكون الفوز للمرشح الأعلى اصواتاً من أجل أن تستطيع القوى غير الطائفية أن تتمثل بنسبتها الصحيحة والحقيقية”، داعياً إلى “الأخذ بتجربة الدول مثل المانيا والولايات المتحدة والتي كانت دول متعددة وتحولت لدولة واحدة فدرالية، يكون فيها برلمانين، برلمان ينتخب بشكل نسبي يعبر فيه المواطن عن نفسه وليس عن طائفته، وبرلمان آخر يمثل المناطق او الطوائف”.

يشار إلى أن القوى السياسية في البرلمان أجرت خلال الأيام الماضية حوارات للتوصل إلى اتفاق بشأن تحديد شكل الدوائر الانتخابية من حيث العدد والحدود الجغرافية لكل محافظة، حيث تتباين الآراء بين اعتماد الدوائر الواحدة أو المتوسطة أو المتعددة لكل محافظة، ومنع حالات التزوير.

وتسعى الرئاسات الثلاثة إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في يونيو/حزيران 2021 بنظام انتخابي يضمن حقوق الجميع، دون وقوع عمليات تزوير وبإشراف دولي.

فيما أعلنت المفوضية العليا للانتخابات، قبل أيام عن استعدادها لإجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، محددة عدة شروط، تتلخص في أن ينجز البرلمان قانون الانتخابات، وتشريع قانون المحكمة الاتحادية على اعتبار أنها الجهة المخولة بالمصادقة على نتائج الانتخابات، ودعت الحكومة لتهيئة الموازنة الانتخابية وتوفير المستلزمات التي طالبت المفوضية بها سابقا من الوزارات المعنية.

وطالبت مفوضية الانتخابات كذلك الحكومة بالمصادقة على تعيين المديرين العامين المنتخبين من قبل مجلس المفوضين.

وأنهت شروطها بدعوة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى المختصة لتقديم المساعدة الانتخابية، وتوفير الرقابة اللازمة لإنجاز انتخابات حرة وشفافة ونزيهة عن طريق زيادة عدد خبرائها وتوزيعهم ميدانيا بين المحافظات كافة وعدم اختصارهم في عدد قليل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here