لا يهمهم غير تمسك شكلي بالأشياء !
بقلم مهدي قاسم
كان التلميذ النجيب مارتينوس في صحبة معلمه الحكيم ثيودوروس ارسيوس في رحلة استطلاعية حول بعض أقوام وملل ، لمعرفة حقيقة أخلاقهم و ماهية عاداتهم وسلوكهم اليومي ، فلاحظ التلميذ مارتينوس عند بعضهم غشا واحتيالا في طبيعة سلوكهم وتعاملهم مع الآخرين .. كما رأى في بعض الساحات و الميادين قسوة وعنفا في مواقفهم و ردة فعلهم حتى مع بعضهم .. و نفاقا في ادعائهم المبدئي و القيمي .. حتى أن مشاعرهم بدت له و كأنها زائفة ومصطنعة ، غير أنه ما أدهشه أكثر أن ضجيجهم الكلامي هو السائد والمهيمن على قلة فعل مفيد أوجميل ، فاندهش من ذلك جدا ، فسأل معلمه عن السبب الكامن وراء ذلك ؟..
فأجاب ارسيوس مبتسما ابتسامة ذات مغزى :
ـــ يسعدني يا تلميذي النجيب أنك قد لاحظتَ كل هذه الأمور المهمة وهي دلالة على نباهتك و حسن نظراتك الثاقبة إلى عمق الأمور بدلا من رؤية سطحها فحسب ، وهو الأمر الذي يثبت أن جهدي في تدريسك لم يذهب عبثا أوهباء منثورا ، أما ما يتعلق الأمر بجوهر سؤالك ، فيجب عليك أن تعرف أن هؤلاء القوم ـــ طبعا ليس كلهم إنما في غالبيتهم ــ أناس ــ أبا عن جد وفق توارث عجيب !ــ يفضّلون كثرة الكلام على قلة العمل ، حتى إنهم مغرمون بالكلام ويتفنون بدباجة أجمله وأحلاه ، بل و حتى الأمي بينهم ــ الذي قد لا يجيد القراءة والكتابة ـ ولكنه مع ذلك يجيد قول أجمل الكلام بل و أفضل الحكم البليغة ، فقد سبق لي أن سميتهم ذات مرة ب” القوّالين والببغائيين ” لشدة عشقهم و إفراطهم في حب الكلام ، وفي الوقت نفسه مقتهم وبغضهم لكثرة الفعل و العمل والإنتاج ، وأكثر ما يحبونه هو التظاهر ، أي تمسك ظاهرو شكلي بعقائد و قيم وأفكار ، و أن تجد بينهم الأكثر وضاعة أن يتحدث عن قمة أخلاق ونزاهة و استقامة ، و كذلك التظاهر بالعمل الإنساني ، ، و بالعطف و بالرحمة ، ، ولكن ذلك لا يمنعهم و بدم بارد من ذبح إنسان ـــ كشاة ـــ وهو حيَّ يُرزق ! ، أو إذلال الناس جوعا فقرا و حرمانا ، لذا فلا تندهش إذا أويت واحدا ــــ منهم وهو قرير و بردان و جوعان وتعبان ـــ أن يخطط ــ فيما بعد لقتلك ــ أو قتل أفراد عائلتك ، بعدما يكون قد استقر وهو شعبان ومرتاح ..
انكمشت أسارير وجه مارتينوس قرفا و اشمئزازا فعلق بخيبة وأسى :
ــ إذن فيا لهم من قوم قساة و غلاظ !
فرد المعلم تعقيبا وبلهجة تنبيه :
ــ نعم إن البعض الكثير منهم كذلك !.. ولكن إياك التعميم !..فيتحتم عليك أنت تعرف أنه إذا وجُد بريء واحد بين كل الناس فينبغي عليك جعله استثناء ، وأن تجنب التعميم المطلق بحق الجميع .
* النص من نسيج خيال وكذلك الأسماء أيضا
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط