الحفاظ على الأسوأ

الحفاظ على الأسوأ

علي علي

باستطلاع سريع واستقراء بسيط لما مر به العراقيون منذ سبعينيات القرن المنصرم حتى اليوم، نلمس بشكل واضح أن الحال يتأرجح بين ثلاث، فهو تارة سيئ، وأخرى أسوأ، وثالثة أكثر سوءا، والمؤسف والمؤلم أن المتسببين في تدهور الحال على هذا المنوال ليسوا أغرابا عليه، بل هم عراقيون ولدوا على أرض العراق، وشربوا من مائه وأكلوا من ثمراته، وهم كما نقول: (من حبال المضيف). وأناس مثل هؤلاء يكون ردعهم أقسى من ردع الغريب على حد قول مثلنا: (العضة بالجلال) إذ من المفترض أن يكونوا هم أول الرادعين لمن يحاول مس كيان البلد ووجوده وسيادته، حتى لو كان المساس بكلمة.
في الأعوام السبعة عشرة الماضية، مر العراق -ومازال- بأصعب الظروف السياسية والأمنية، له تداعيات خطيرة، تهدد حاضره ومستقبله، وتمس سيادته وكيانه ووجوده، ومع هذا نرى كثيرين يصدحون بأصواتهم، وينعقون بكل ما أوتوا من قوة، لرشق الشرفاء من أبناء البلد بما أمكنهم من نعوت ووصف بعيد عن الوطنية، ولنا في هذا شهود كثيرة، جسدها شخوص لهم تاريخ في التنابز والمناكفات تحت قبب المجالس وخارجها، كذلك لهم باع طويل في التدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في تردي الحال السيئ، والحفاظ على الأسوأ، كذلك المساهمة في ديمومة الأكثر سوءا.
إن تصرف الساسة الذين يحسبون أنفسهم وطنيين مسيئا، بكل ماتحمله الكلمة من معنى بحق البلاد والعباد، إذ أن بعضهم صار بوقا لأجندات تملي عليه تصريحات يرددها كالببغاء، أمام مايكروفونات الفضائيات المغرضة التي تبث سموما مدفوعة الثمن، فيقذف من منصاتها ما شاء من حجر بلا خجل، وفي حقيقة الأمر أن موقفهم هذا ليس جديدا ولا غريبا، فبنظرة خاطفة الى ماضيهم نرى أن هذا كان ديدنهم على مر السنين. ومنذ عام 2003 تتكالب على العراق قوى حزبية وأخرى فئوية، منها من تدفعها جهات طائفية وأخرى مناطقية وأخرى سياسية، وأخريات أكثر ضلالة، بأهداف لاتخدم فردا واحدا يعدّ نفسه عراقيا ينتمي لهذه الأرض، هي قوى لايمكن التقليل من شرها أو الاستهانة بها، لاسيما وقد تعاونت في نشأتها وتغذيتها ودعمها وجلبها الى العراق، من الداخل أحزاب وكتل وشخصيات، ومن الخارج دول وجهات إقليمية وشخصيات أيضا، كانت قد نأت عن أرض العراق، بعد ان ضُربت مصالحها الشخصية والفئوية، أو لكون الطيور على أشكالها تقع، إذ أن مثيلاتها لم تجد لها عشا داخل العراق يؤويها، بعد أن هُجمت أعشاشها عام 2003. وكلها تعاونت بغية إيصال العراق الى وضع لاتحمد عقباه، وهي في رهان لإيصاله الى نتائج وخيمة، مستقتلة بالإجهاز عليه.
لذا فهي تتعمد السير عكس تيار العملية السياسية، وتسعى في طريق الخراب من دون حسابات أخلاقية، ومن هؤلاء اليوم نجد كثيرين ممن يصفقون لأي خلل او تقهقر، في وضع أمني او تلكؤ سياسي او عثرات في سير عجلة البلد، وكان حريا بهم أن يكونوا (عون) وليس (فرعون) والأولى بهم طرح الحلول ووضع الخطط لتقويم الخلل، بدل اتباع سبل التشهير والتنكيل، والصراخ بما ينم عما في دواخلهم من نيات وغايات.
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here