بسبب هجمات ‹الكاتيوشا›.. الدرون عصا واشنطن في العراق لمواجهة الميليشيات

سادت حالة من القلق والترقب لدى قيادات الفصائل المسلحة في العراق، عقب تهديد واشنطن بمعاقبتهم؛ بسبب الهجمات المتكررة ضد السفارة الأمريكية وسط العاصمة بغداد، واستهداف قوافل إمداد التحالف الدولي.

ويعيش العراق حالياً، على وقع تداعيات أنباء عزم واشنطن نقل سفارتها من بغداد إلى أربيل احتجاجاً على الاستهداف المتكرر لها، وتفجير العبوات الناسفة على أرتال التحالف الدولي، في ظل التباطؤ الحكومي في الإجراءات العقابية لمرتكبي تلك الأعمال.

وتشهد المحافظات العراقية، مثل صلاح الدين وميسان وبابل والديوانية، هجمات بعبوات ناسفة ضد قوافل قوات التحالف الدولي، إضافة إلى هجمات الكاتيوشا المتكررة على السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء، والبعثات الأجنبية، ومطار بغداد الدولي.

تهديدات جدّية

وهددت واشنطن قبل يومين، باستهداف قادة المجموعات المسلحة، حال عدم إيقاف تلك الهجمات، وذلك خلال اتصال هاتفي بين رئيس الجمهورية برهم صالح ووزير الخارجية مايك بومبيو.

وتفرض واشنطن حالياً عقوبات على عدة شخصيات عراقية، بعضهم قادة فصائل مسلحة، مثل قيس الخزعلي قائد ميليشيات عصائب أهل الحق، وشقيقه ليث الخزعلي، إضافة إلى قائد أمن الحشد الشعبي حسين اللامي، وأكرم الكعبي، بسبب تهم الإرهاب، و«انتهاكات حقوق الإنسان».

وترد أسماء آخرين على الدوام في التقارير الأمريكية، كأبرز الشخصيات المناوئة للولايات المتحدة، خدمة لأغراض إيران في العراق، مثل قائد كتائب الإمام علي شبل الزيدي، وقائد خلية الصقور الاستخبارية أبو علي البصري، وأبو منتظر الحسيني، مستشار رئيس الحكومة السابق عادل عبدالمهدي، وهاشم بنيّان السراج الملقب أبو آلاء الولائي، قائد كتائب سيد الشهداء وآخرين.

وأصدرت أغلب الفصائل المسلحة، بيانات استنكار وتبرئة من الهجمات ضد السفارة الأمريكية، على رغم مباركاتها السابقة، وتبريراتها لهذا الاستهداف، لكن مراقبون يرون أن تلك «البراءة الجماعية» قد تكون محاولة للنأي بالنفس عن أية عقوبات محتملة.

ويدرك قادة تلك المجموعات المسلحة، قدرة واشنطن على فرض عقوبات ضدهم، سواءً اقتصادية، أو عسكرية أو حتى ملاحقتهم وتصفيتهم، خاصة مع رفضهم شعبياً، وهو ما يجعل احتمالية استهدافهم قائمة، خاصة وأن الولايات المتحدة نفذت سابقاً عدة عمليات في العراق.

ولا تزال الغارة الأمريكية في يناير/ كانون الثاني الماضي، التي أدت إلى مقتل الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس، نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي الذي ترعاه الدولة، ماثلة في أذهان المسؤولين العراقيين والجماعات المسلحة.

وبحسب ما صرح به مسؤول عراقي بارز لوكالة الصحافة الفرنسية، أمس، فقد «انتقمت واشنطن مرتين بضربات على كتائب حزب الله في العراق، وهددت في وقت سابق من هذا العام بقصف أكثر من 120 موقعاً آخر إذا أودت الهجمات الصاروخية بحياة أمريكيين».

حذر في صفوف المليشيات

من جهته، قال قائد كتائب الإمام علي الموالية لإيران شبل الزيدي، عبر ‹تويتر›: «أدعو الأخوة العقلاء إلى الانتباه والحذر من المخطط الأمريكي المشؤوم، فقد عقد العزم قادتها على استهداف قيادات جهادية، وسياسية، عراقية وطنية، رافضة للوجود الأجنبي المحتل والمسيطر على مقدرات البلاد، وما سحب السفارة إلا مقدمة ومؤشر على نواياهم الخبيثة خوفاً من ردود أفعال جماهيرية وحزبية».

وأضاف، «لدينا مخاوف حقيقية بناءً على معطيات ومتابعة لنشاطاتهم أن لهم النية لنشر الفوضى والصراع في المناطق الجنوبية كما نشروا داعش في المنطقة الغربية من البلاد والتي ذاقت الأمرين بها».

ولم يستبعد المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأمريكية ساميويل وربيرغ  أن تفرض بلاده عقوبات على قادة الفصائل المسلحة، عندما سُئل عن ذلك.

وقال في تصريح لتلفزيون محلي عراقي، مساء أمس: «كل شيء ممكن»، كما شدد على أنه «من الممكن القول إن التنسيق القريب بين قوه الأمن الأمريكية وقوات الأمن العراقية في هذه الأمور يستمر، وسنشارك المعلومات ونناقش من هم الذين يشنون الهجمات».

الدرون .. عصا العقوبات

ويشير خبراء أمنيون إلى أن واشنطن قد تستخدم طائرات الدرون في استهداف قادة المليشيات العراقية، لحين إقصائهم من المشهد الأمني والسياسي، انطلاقاً من قواعد كبرى ما زالت حاضرة في البلاد، مثل قاعدة عين الأسد الجوية، وقاعدة حرير في أربيل عاصمة إقليم كوردستان.

وشهد العراق خلال عام 2019 عدداً من الهجمات ضد معسكرات المليشيات المسلحة، مثل حزب الله، والنجباء، على الحدود مع سوريا، وفي محافظات الأنبار وصلاح الدين، بطائرات دون طيار، وهو ما أدى إلى مقتل العشرات من عناصر تلك المجموعات، دون أن تتبنى الولايات المتحدة تلك الأعمال، لكن تلك الفصائل تتهم واشنطن بتنفيذ تلك الهجمات.

ويؤكد العميد المتقاعد حميد العبيدي، أن «واشنطن لديها برنامج خاص بطائرات الدرون، يعمل في العراق، وينطلق من عدة قواعد، ولديها القدرة على تنفيذ عمليات بدقة عالية، وهو ما يجعل الاحتمالات في العراق مفتوحة على مصراعيها، في ظل التشدد الحاصل بين الأطراف».

وأضاف لـ (باسينوز)، أن «تلك المجموعات المسلحة تتبع لمراجع عدة في إيران، وهي تنفذ واجبات مناطة بها، ما يعني صعوبة إقناعها بإلقاء سلاحها والدخول في العمل السياسي»، مشيراً إلى أن «الأيام المقبلة قد نشهد أولى تلك العمليات مع التلويح الأمريكي باستهداف قادة تلك الفصائل، ما يضع العراق في موقف محرج أمام المجتمع الدولي، والمحيط الإقليمي».

وتتخوف واشنطن من أن يمثل سيناريو مشابه لما حصل في السفارة الأمريكية في طهران في سبعينيات القرن الماضي، ضربة قاصمة للرئيس الأمريكي دونالد ترمب، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، خاصة أن الإيرانيين وعلى لسان المرشد علي خامنئي نفسه، لا يخفون حماسهم لخسارة ترمب الانتخابات، ورغبتهم في وصول مرشح ديمقراطي، ربما يحيي الاتفاق النووي ويقلص القيود ويعيد إطلاق إيران في المنطقة على طريقة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.

هذا التخوف في واشنطن، يقابله تخوف آخر لدى الفصائل المسلحة الموالية لإيران، التي تعتقد أن كل هذا الضجيج والتحذيرات قد لا يكون سوى حملة منسقة تحضّر الأجواء لاستهداف شخصيات بارزة في تلك الفصائل.

في المقابل، تشير وسائل إعلام مقربة من إيران، إلى أن الفصائل التي تنفذ الهجمات هي مجرد واجهات إعلامية للفصائل المعروفة التي تصدر بيانات تتبرأ فيها من تلك الهجمات، كما يرد في تقرير لصحيفة على صلة بحزب الله اللبناني، نقل تصريحات عن «مسؤول بارز في مجمع الفصائل».

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here