عرب الاسلام وعرب الاستسلام

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ

ان المرء ليبقى حائرا أمام تداعي دول عربية كثيرة متجهة إلى العبودية والاستسلام والردى. لقد وصل اليأس والقنوط إلى درجة باتت الشعوب العربية لا تصدق امجاد تاريخها القديم والحديث. فعلى الرغم من أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان عربيا قريشيا. يرجع نسبه إلى عدنان ثم اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام. وان الله تعالى امر المسلمين أن يطيعوه ويتخذوه قدوة حسنة لهم. كما ان اخلاقة وشيمه تعتبر مثلا اعلى للانسانية في الرحمة والتسامح والشجاعة والكرم والصدق والاخلاص والوفاء والامانة الخ. كما ان رسالته رفعت من شان العرب حتى جعلهم قادة للامم إلاخرى واوصلتهم الى بر الامان والتقدم.
اصبح العالم لا يصدق أن العرب ومن يتعايش معهم كانت لهم امبراطورية مترامية الأطراف. منذ الخلافة الراشدة والدولة الاموية والعباسية والعثمانية. لقد اسسوا أيضا في قلب اوربا دولة حضارية في الاندلس حملت واشاعت العلم والمعرفة. اضحى العرب لا يستوعبون أو يصدقون كيف انجبوا ابطال مسلمين رفعوا من قدر العرب في زمن قوة المستعمرين وطغيانهم. فقد طردوا الصليبين من القدس الشريف في عهد صلاح الدين الايوبي. كما ظهر ابطال آخرون جاهدوا وانتصروا على الاستعمار البريطاني والفرنسي والايطالي والامريكي رغم جبروته وسطوته. كعمر المختار وعبدالقادر الجزائري وعبدالكريم الخطابي والشيخ ضاري والخالصي. اؤلئك الذين قاوموا المستعمرين ومهدوا لاستقلال اوطانهم. كان في هذه الامة ولا يزال رجال لا يخافون في الله لومة لائم كالطاهر بن عاشور ومحمد الغزالي ومتولي شعراوي الخ. اضحى العالم المتحضر اليوم يستغرب ويتعجب كيف افرزت هذه الامة رجال مصلحين غيروا مجرى التاريخ. لقد امسى العرب لا يصدقون تاريخهم وما يقرؤوه من بطولات اجدادهم وجهادهم لمقارعة المستعمرين.
ان ما نراه اليوم من الأحوال الماساوية للعرب لا يمكن أن يصدقه حتى العدو فضلا عن الصديق. فمسيرة الذل والهوان المجانية تسير بصورة لا يمكن أن يدركها حتى اولي الالباب. من المثير للعجب أن عملاء اليوم على استعداد لخسران الدنيا والاخرة في حين كان العميل سابقا يأخذ اجر عمالته ويشتري دنياه باخرته. ان مستعمري اليوم بخلاء ويريدون الاستحواذ حتى على الثروات الشخصية للحكام العرب فضلا على سيطرتهم على ثروات دولهم. شهوة السلطة جعلت الحكام العرب على استعداد للتضحية بكل شئ. بعد أن نزعوا من قلوبهم الخوف من الله جعلهم الله يخافون ويرتجفون من اسرائيل وأمريكا. كما أن التاريخ يسطر لنا ويؤكد بأن المستعمرين لا ولن يحموا عملائهم اذا جد الجد. ومن الممكن أن يستغنوا عن خدماتهم متى شاءوا.
في نهاية المطاف أن القران الكريم قص علينا ما حصل لبني اسرائيل بعد ان كانوا خير الامم. لكن مجرد عصيانهم لنبيهم موسى غضب الله عليهم وباتوا عبيدا لشهواتهم. مما جعلهم اذلة صاغرين وفرض عليهم الذل والمسكنة والتيه ومسخ بعضهم. ان ما حدث لبني اسرائيل يمكن أن يحدث ايضا للعرب المسلمين اليوم. لانهم امسوا اسوء حالا من اليهود الصهاينة. فاليهود رغم انحرافهم لا يزالون متشبثين بدينهم وسموا فلسطين المحتلة باسم اسرائيل احد انبياء الله الصالحين. لقد وصل بعض الحكام العرب إلى درجة من الذل والهوان والعبودية بحيث ارتد بعضهم عمليا عن دينه وفقد هويته. اصبح بعض العرب أعداء أنفسهم وتاريخهم وحضارتهم ويشعرون بالدونية أمام الصهاينة والامريكان. لقد استبدلوا الايمان بالله بحب الدولار والشهوات واستبدلوا حب الرسول والمسلمين والاوطان بحب الطغيان والظلمة والمستكبرين. اما الوفاء والتسامح والاخلاص للوطن والاستقامة اضحت مفردات لا قيمة لها عندهم ولا يترجموها إلى أفعال في حياتهم اليومية.
اليوم ينبغي أن لا يلوم العرب الا أنفسهم بعد ان ظلموا أنفسهم بأنفسهم. “وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون”. لنعود من حيث بدأنا لتفسير عنوان المقال الذي هو الاية القرانية 112 من سورة النحل. انها توضح بجلاء بأن ما يحل بالدول العربية كان نتيجة طبيعية لجور حكامها وتخلي شعبها عن مسؤولياته. لذلك جعل الله الجوع والخوف ملازما لها كاللباس. بعد أن كفروا بأنعم الله ولم يحسنوا التعامل لاستمرارية ديمومة الامان والطمئانية. لتختتم السورة الكريمة بعبارة بما كانوا يصنعون أي أنهم كانوا يداهنون الباطل ولا يكترثون بانتشاره. وتركوا قول الحق واهملوا قول رسول الله خير الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.
الدكتور نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here