أينَ أقلامكَ يا عراق؟!!

أينَ أقلامكَ يا عراق؟!!
الأقلام العراقية الأصيلة تكاد تغيب , ولا تجد منها إلا النادر القليل , وما يسود الواقع الثقافي أقلام تحوم حول الكراسي وتتسول , فتزيِّن المظالم وتسوِّغ المآثم وتبرر الخطايا والويلات المدلهمات , المنبثقات من حميم الصراعات الهوجاء ما بين الكراسي الحمقاء.
أقلام العراق في غيبوبة , وأقلام الكراسي الآثمة مطلوبة ومرغوبة!!
أقلام العراق تحقًّ الحق وتزهق الباطل , وتصول على الكذب والدجل وتمحقه بأنوار الحقيقة الساطعة المؤيدة بالحجة والبرهان والدليل.
أقلام العراق لا تخاف وتتمتع بجرآة وشجاعة وقدرة على التحدي والمواجهة والمطاولة والتصدي للظلم والتزييف والعدوان والبهتان المقيت؟
أين أقلامك يا عراق؟
فالوسط الثقافي يحتشد بأقلام تناهض العراق وتنسف قيمه وأخلاقه ومبادءه ومعاييره الحضارية , وتقاليده السلوكية التي أدامت وجوده الباسق النضير.
أقلام تكتب بمداد الكراسي والعمائم وغيرها من الحالات التي تمولها وتطعمها , فهي أقلام مرتزقة بلا ذمة ولا ضمير ولا موقف إنساني بصير , إنها أقلام حرباوية , تميل أينما الريح تميل.
وتحضرني هذه الحادثة التي حصلت معي في ثمانيات القرن العشرين , إذ كانت هناك مسابقة للرواية في دائرة الشؤون الثقافية , وقد إشتركتُ فيها لأربع مرات متتالية , ولم تفز أي من رواياتي , فانزعجتُ كثيرا وحملت غضبي وبراءتي وذهبت إلى أمين لجنة التحكيم أو سكرتيرها (صديق أحد أقاربي المعروفين في الأوساط الثقافية) متسائلا عن سبب عدم فوز أي من رواياتي , وكنتُ هجوميا وتكلمت بلغة النقد اللاذع للروايات التي فازت , على أنها بلا لغة ولا فكرة ومحشوة بالأضاليل والأكاذيب , وكاد أمين اللجنة أن يضع يده على فمي ويصمتني , فاندهشت وتحيّرت , وبعد أن هدأت , إقترب مني وقال هامسا: إنه أدب حرب ومعركة , وأنت تكتب عن موضوعات إنسانية بحتة , إياك أن تتواصل بهذه الكتابات أو تحاول طبعها ونشرها , لأنها ستأخذك إلى سوء المصير!!
ومضى ولأن فلان الفلاني قريبك صديقي أود أن أنصحك وأحذرك!!
في ذلك الحين إستيقظت من براءتي وسذاجتي , وأدركت أن الأقلام متسولة وممولة وتكتب وفقا لمناهج الكراسي , وتحابي ذوي القوة والسلطان.
وأجدنا اليوم أمام ذات الحالة التي تكررت على مر العصور والأزمان , فلكل كرسي أقلام تنعق وتتمرغ بالرذيلة والسوء من أجل أن تغنم وتتكرم , وتتوهم الجاه والقدرة والقوة والشهرة وتتصدر وسائل الإعلام.
وما هي إلا سلوكيات بهتان ومذلة وخذلان , وإستهانة بالكلمة والإنسان , وهؤلاء هم الذين يجنون على المجتمع , ويتآزرون مع السلطان لتدمير حرية وكرامة وحقوق الإنسان!!
فلماذا نعتب على الكراسي الظالمة الفاسدة , وحولها ألف قلم وقلم يصلي في محاريبها ويقبّل أقدامها بإمتنان؟!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here