المشاكل الثقافية في الترجمة

المشاكل الثقافية في الترجمة
ترجمة: هاشم كاطع لازم – أستاذ مساعد- البصرة
تأليف: د. عقاب شحرور
ورد تعريف (الثقافة) culture في القاموس الموسوم The Dictionary of Language Teaching and Applied Linguistics (Richardson et al, 1995: 94) بأنها (مجموعة المعتقدات والمواقف والعادات والتقاليد والسلوك والعادات الأجتماعية ، ألخ … المرتبطة بأفراد مجتمع معين). وتعتبر الثقافة ، للكثير من الناس ، مدخلا لمجتمع معين لبلوغ فهم معمق لهوية ذلك المجتمع.وقد أسهمت الترجمة كثيرا في نقل الثقافات عبر التاريخ وقدمت لنا ثقافات مختلف الشعوب في الزمن الماضي والحضارات الغابرة ناهيك عن الأحداث والأفكار والأنجازات ماقبل التاريخ. ولم تتطرق الى مشكلة ترجمة الثقافات سوى فئة قليلة من الكتّاب ومنظري الترجمة وعلماء اللغة الذين أسهبوا في مناقشة المشاكل المرتبطة بترجمة الثقافات ومن مختلف المدارس الفكرية. وتعاملت اعداد أقل من العلماء والباحثين مع ترجمة الجوانب الثقافية بالذات سواء تعلق الأمر بالترجمة من اللغة الأنكليزية الى اللغة العربية وبالعكس. وربما يعزى ذلك الى اسباب عديدة ، فأولا من الصعوبة بمكان تعميم أفكار أو آراء معينة ، ثم أن الأهتمام بالترجمة لم يكن أمرا أساسيا أنما كان تابعا ثانويا لأهداف أخرى.
المشكلة في الأمر أن بعض اللغات تضم تعبيرات ومفردات كثيرة (مميّزة للثقافة). ومثل هذه التعبيرات والمفردات تستعصي على الترجمة بل أن المترجمين المحترفين أنفسهم يواجهون عقبات ليست سهلة لدى التعامل معها. ويعزى مثل هذا الأمر الى أن السياق الثقافي يتسم بالغموض الكبير فهو يمثل وجهة النظر العالمية لهذا المجتمع أو ذاك فضلا عن تجسيد معتقداته وقيمه وعواطفه. وهو بذلك يتوفر على بعض العوامل المهمة التي تساهم في بلورة المعلومات الضرورية في تفسير الأفكار ، كما تمكّن المترجمين من ترجمة النصوص بيسر وفاعلية. لذا فأن أي تعبير أو كلمة يمكن أن توسم بكونها (مميزة لثقافة مجتمع ما) حين تدل على الأشياء المادية أو الجوانب التجريدية التي تتصل بالمعتقدات الدينية والعادات الأجتماعية والتقاليد والأعراف الأجتماعية والقيم الأخلاقية ونوع الملابس أو نمط الحياة والمباديء الأقتصادية والأيديولوجيا السياسية ألخ… التي ترتبط بالثقافة الهدف وتميزها عن غيرها من الثقافات. من هنا فأن ترجمة الثقافات تستوجب ربط العناصر اللغوية بالسياق الثقافي ذي الصلة. ويرى يوجين نايدا Eugene Nida (1964: 90) :(أن المترجم الذي ينهمك في ترجمة نص من لغة الى لغة أخرى لابد أن يكون على دراية متواصلة بالتناقض الموجود في مجمل النطاق الثقافي الذي تمثله اللغتان) ، وهذا يعني أن اللغة تشكل جزءا من الثقافة وكذلك هوية المجتمع. فعلى سبيل المثال يؤمن هنود المايا Maya Indians الذين يقطنون في المناطق المدارية بعدم وجود أي مكان دون حياة نباتية ألا أذا أزيلت هذه الحياة لتصبح حقلا للذرة. على أن الحقل الذي أزيل عنه الزرع لايمكن أن يكون مرادفا مناسبا للصحراء الفلسطينية ، لذا فأن مفردة desert (صحراء) تمثل جانبا يميز سياق اللغة المصدر لايمكن أن نجده في السياق الخاص باللغة الهدف. في هذا السياق يقول نايدا (1964: 91) :(أن الكلمات هي في الأساس رموز لمظاهر الثقافات) لذا لايمكن فهم أية كلمة بمنأى عن الثقافة ذات الصلة.
ورغم أن بعض المفاهيم الثقافية تتسم بالعمومية والشمولية فأنها مع ذلك لاتفسر بالطريقة ذاتها ، فلكل لغة طريقتها الخاصة في التفسير استنادا الى طريقة التفكير لمتحدثي تلك اللغة ونمط حياتهم وحتى موقعهم الجغرافي. وقد أشار (آيفر) Ivir (1981: 56) من قبل الى أن اللغات تختلف في مابينها من حيث التراكيب اللغوية والمفردات اللغوية. وتلك التفسيرات ربما تكون مختلفة كثيرا لكنها في الوقت ذاته ربما تختلف قليلا الأمر الذي يتيح أمكانية التداخل غير العميق في ما بينها. ثم أن التباينات بين الثقافات والمدركات الحسية الحياتية من مجتمع لآخر ربما تتسبب في الكثير من المشاكل للمترجمين فقد تبرز الكثير من الفجوات التي تؤدي الى الكثير من التداخلات بين الثنائيات اللغوية الأمر الذي يضفي طابعا معقدا على مهمة الترجمة.
ويرى (تيليا) وآخرون Telya et al (1998: ص 58)أن الروس على سبيل المثال يفهمون (الضمير) conscience على انه يعني وجود الرب في روح الأنسان فيما ينظر الأنكليز الى الضمير بدلالته على الخير والشر. ويمكننا أن نلاحظ في هذا الشأن أن ادراك الروس لتعبير (الضمير) يشبه على وجه التقريب أدراك العرب والمسلمين له ، فالخير والشر كلاهما يتعلقان بالدين. ولأن الرب هو الحقيقة الوحيدة فأن فعل الخير يستدعي طاعة الرب أما عمل الشر فهو دلالة عدم طاعتك له ، لذا فأن الضمير يتمثل لهم بالشعور بوجود الرب في الأوقات كافة وفي كل مكان. عليه فأن المترجم الذي يعمد الى تجاهل مثل هذه الخصوصيات المميزة لكل ثقافة لن يتمكن من أدراك المدركات الحسية المختلفة التي تميز الشعوب واللغات والثقافات. وأن مثل هذا التباين سوف يجعل المترجم غير قادر على فهم مفهوم الضمير مما يؤدي الى ترجمة خاطئة لأنه يتصور أن المعنى نفسه في سائر اللغات ولكل الناس الذين يعيشون في مناطق مختلفة.
ولأن الثقافات تتسبب في الكثير من المشاكل فأنه يتعين على المترجمين أن يكونوا متمكنين ليس على المستوى اللغوي فحسب أنما على المستوى الثقافي أيضا. دعنا هنا نلقي نظرة على كيفية ترجمة الروس لتعبير House of Commons (مجلس العموم): لقد أعتاد الروس ترجمة هذا التعبير ب (رئيس جلسة) Chairmain ، وهي ترجمة لاتعطي المرادف المناسب أبدا فالترجمة لاتعكس دور المتحدث ، كما لاتوجد لمثل هذا التعبير تعبيرات مكافئة في اللغات الروسية والعربية والصينية.وتعبير (مجلس العموم) بدلالته اللغوية باللغة الأنكليزية يدل على مجموعة أشخاص يمتلكون الصلاحيات والتأثير في البرلمان (Mona, (1992: 21.
ومشاكل الترجمة الثقافية تنجم عن الأختلافات بين اللغات بصفتها تمثل مجموعات من الوحدات المعجمية lexemes والمعاني مثلما هو التباين بين الثقافات بصفتها وسائل للتعبير عن هوية المرء ونمط حياته. كما تحصل عوائق ترجمية حين يواجه المترجمون كلمة في سياق اللغة الأصلية تعبر عن مفهوم غير معروف تماما في سياق اللغة الهدف سواء كان المفهوم ماديا أو تجريديا.
وقد ذكرت (منى بيكر) Mona Baker في عام 1992 أن مفردة ما في اللغة الأصلية ربما تعبر عن مفهوم مادي أو تجريدي لاتعرفه الثقافة الهدف البتة. وربما يكون مثل هذا المفهوم دينيا أو دالا على عادة أجتماعية أو حتى على نوع من أنواع الطعام. وقد أوردت في كتابها الموسوم In Other Words (بمعنى آخر) أن المترجم لابد أن يواجه تعبيرات أو مفردات لايوجد لها مرادفات في اللغة الأخرى حيث أن كل لغة تحتفظ بسماتها الثقافية الفريدة. وقد أدرجت مثل تلك الأختلافات وفق التسلسل الآتي:
1. المفاهيم اللصيقة بهذه الثقافة دون غيرها.
2. المفهوم القائم في اللغة المصدر الذي لايتوفر تعبير معجمي له في اللغة الهدف.
3. المفردة الموجودة في اللغة المصدر التي تتصف بالتعقيد من الناحية الدلالية.
4. تعكس كل من اللغتين المصدر والهدف تمييزا مختلفا في ما يتصل بالمعنى.
5. تفتقر اللغة الهدف الى كلمة شاملة super ordinate.
6. تفتقر اللغة الهدف الى تعبير ذي معنى محدد hyponym.
7. الأختلافات في وجهات النظر المادية وتلك الخاصة بالعلاقات بين الأشخاص.
8. الأختلافات في المعنى التعبيري.
9. الأختلافات في الجانب الشكلي.
10. الأختلافات في التكرار وكذلك في الغرض من أستخدام أشكال محددة.
11. أستخدام كلمات مقترضة loan words في النص الأصلي.
وتذهب منى بيكر ايضا الى الأعتقاد بضرورة أن يلم المترجمون بعلم الدلالة semantics والمفردات لأن ذلك يمكّن المترجمين من تقدير (قيمة) الكلمة في ضوء السياق الذي تستخدم فيه فضلا عن أختلاف التراكيب اللغوية بين كل من اللغة المصدر واللغة الهدف. وبامكان المترجمين ايضا ان يطوروا ستراتيجيات تعينهم على التعاطي مع الحقل الدلالي المتعلق بالأفتقار الى الترادف بين اللغات المختلفة. وهذه الأساليب مرتبة بشكل هرمي أبتداء من العام أو الشامل الى الخاص.
في أدناه بعض الستراتيجيات التي طرحها نيومارك Newmark للتعامل مع الفجوة الثقافية:
1. أدخال الألفاظ الى لغات اخرى Naturalization
وهي ستراتيجية يتم بموجبها نقل مفردة من اللغة المصدر الى اللغة الهدف مع الحفاظ على شكلها الأصلي.
2. الثنائية أو الثلاثية أو الرباعية
وهذا اسلوب آخر يستخدمه المترجم لدى عملية نقل اللفاظ الى اللغات الأخرى أو أدخالها أو اقتراضها لتحاشي أي احتمال لسوء الفهم. ويمثل هذا الأسلوب بالنسبة للمترجم عددا من الستراتيجيات المتظافرة التي تستخدم لمعالجة مشكلة ما.

3. المحايدة Neutralization
هي شكل من أشكال أعادة الصياغة على مستوى الكلمة. وأذا جرت العملية على مستوى عال فأنها سوف تأخذ شكل أعادة صياغة تامة paraphrase . ولدى تعميم (أو محايدة)كلمة ما فعندئذ تتم أعادة صياغتها بأستخدام كلمات ثقافية حرة.
4. المرادف الوصفي والوظيفي
لدى توضيح المفردة الثقافية في اللغة الأصلية يبرز عنصران احدهما وصفي descriptive والآخر وظيفي functional ، حيث يعبّر المرادف الوصفي عن الحجم واللون والتركيب أما العنصر الوظيفي فيعبر عن هدف الكلمة في اللغة المصدر المرتبطة بالثقافة.
5. أستخدام الهامش للأيضاح
ربما يرغب المترجم بتزويد قاريء اللغة الهدف بمعلومات أضافية من خلال أستخدام الهوامش. وقد تستخدم الهوامش داخل النص ذاته أو في نهاية الفصل أو نهاية الكتاب.
6. المرادف الثقافي
وفق هذا الأسلوب تتم ترجمة كلمة ثقافية ما في اللغة المصدر بكلمة ثقافية في اللغة الهدف.
7. التعويض
هذه الطريقة يلجأ اليها المترجم حين يحصل فقدان للمعنى أو تأثير للصوت أو تأثير تداولي pragmatic أو استخدام الأستعارة في اي جزء من اجزاء النص ، عندها يتم تعويض المفردة أو المفهوم في جزء آخر من النص.
في عام 1992 تطرق لورينس فينوتي Lawrence Venuti الى القوى الفاعلة المهيمنة على الترجمة. وهو يرى ان الحكومات وكذلك المؤسسات ذات الصبغة السياسية ربما تقرر مراقبة بعض المطبوعات أو الترويج لها أضافة الى الجماعات والمؤسسات الأجتماعية التي تضم مختلف (اللاعبين) في مجال المطبوعات بمجملها ، فهناك الناشرون والمحررون الذين يتولون عملية انتقاء الأعمال المطلوب ترجمتها ويقومون بدفع أجور المترجمين ، وغالبا مايملون الطريقة المطلوبة في الترجمة. وهناك أيضا الوكلاء الأدبيون والجماعات المسؤولة عن التسويق والبيع والنقاد. ولكل واحد من أولئك دور ومهمة ضمن البرنامج الثقافي أو السياسي السائد في الزمان والمكان المحددين. ويمثل (التلاعب بالقوة) power play موضوعا مهما للمعلقين الثقافيين والعلماء في مجال الترجمة. وفي الجانبين النظري والعملي للترجمة تكمن القوة في نشر اللغة بأعتبارها سلاحا أيديولوجيا لأستبعاد القاريء أو نظاما قيميا ما أو مجموعة معتقدات أو حتى الثقافة بمجملها أو استقطابها.
في عام 1988 عرّف نيومارك الثقافة بما ياتي:(هي أسلوب الحياة وتجلياتها التي تميز جماعة ما تستخدم لغة خاصة وسيلة للتعبير) ، وهو بذلك يقر بأن كل لغة تتميز بجوانبها الثقافية المحددة. كما أنه طرح تعبير (الكلمة الثقافية) cultural word التي لايفهمها القراء على الأرجح وأن ستراتيجيات الترجمة لمثل هذا المفهوم تعتمد على نوع النص ومتطلبات القراء والزبائن وأهمية الكلمة الثقافية في النص. كما قام نيومارك أيضا بتصنيف الكلمات الثقافية وفق الآتي:
1. البيئة: الحياة النباتية flora والحياة الحيوانية في منطقة ما fauna والتلال والرياح والسهول.
2. الثقافة المادية: الطعام والملابس والبيوت والمدن والنقل.
3. الثقافة الأجتماعية: العمل وأوقات الفراغ.
4. العادات والنشاطات والأجراءات المرتبطة بمنظمات معينة.
المفاهيم:
1. السياسية والأدارية
2. الدينية
3. الفنية
الأيماءات والعادات
أقترح نيومارك عوامل سياقية لعملية الترجمة تشمل الآتي:
1. الهدف من النص.
2. الحافز ومستوى القراء الثقافي والتقني واللغوي.
3. أهمية المدلول referent في نص اللغة الأصلية.
4. ظرف الحدث (هل توجد ترجمة معترف بها؟).
5. حداثة الكلمة / المدلول.
6. المستقبل أو المدلول.
كما ذكر نيومارك بكل وضوح أنه من الناحية العملياتية لايعتبر اللغة مكونا أو مظهرا للثقافة ، وهذا يتناقض مع وجهة نظر (فيرمير) Vermeer (1989: ص 222) الذي أشار الى أن (اللغة جزء من الثقافة). ووفق ماذهب اليه نيومارك فأن موقف فيرمير يتضمن أستحالة الترجمة فيما يذهب نيومارك الى أن ترجمة اللغة الأصلية الى شكل مناسب في اللغة الهدف تمثل جزءا من دور المترجم في عملية التواصل عبر الثقافات.
في الختام ترتبط اللغة بالثقافة أرتباطا وثيقا ولابد من أخذهما بعين الأعتبار لدى الشروع بالترجمة. وقد طرح نيومارك طريقتين متناقضتين حين فكر مليا بترجمة الكلمات والمفاهيم الثقافية هما: النقل transference والتحليل التكويني componential analysis. والنقل يضفي وفق منظور نيومارك (الصبغة المحلية) من خلال الأبقاء على الأسماء والمفاهيم الثقافية. وقد أدعى أن هذه الطريقة ربما تتسبب في أحداث مشاكل لعموم القراء وتحدد الأستيعاب لبعض الجوانب رغم التركيز على الثقافة وهو امر مفهوم للقراء الملقّنين. ثم أن أهمية الترجمة في عملية التواصل دفعت نيومارك لطرح التحليل التكويني الذي وصفه بأنه (أكثر أجراءات الترجمة دقة وهو يستبعد الثقافة ويسلط الضوء على الرسالة message).

https://translationjournal.net/July-2018/cultural-problems-in-translation.html

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here