( الجوار الصعب ) ما بين الدول الإقطاعية ( تركيا – ايران ) ..!

د . خالد القره غولي
انهيار وإعادة العلاقات بين تركيا وحكومة العراق , يذكرنا بانهيار مثيلتها بين حكومة الرئيس صدام حسين وجارتها الكويتية في مدينة الطائف برعاية العاهل السعودي الملك فهد بن عبد العزيز قبل الغزو العراقي للكويت بيومين فقط مفاوضات الطائف انهارت لان الطرف الكويتي الذي مثله الشيخ سعد العبد الله ولي العهد في حينه ، لم يستجب للمطالب العراقية ، مثل مساعدة العراق ماليا ، ووقف سحب النفط العراقي من حقل الرميلة وعدم إغراق الأسواق العالمية بكميات إضافية من النفط أدت إلى انخفاض أسعاره بشكل كبير، فقد اعتبر الكويتيون أن هذه المطالب مبالغ فيها ولا يمكن تحقيقها ، وأطلق الشيخ سعد العبد الله تصريحه الشهير الذي قال فيه أن الكويت لا تخضع للابتزاز ففوجئ بالدبابات العراقية في قلب عاصمة بلاده فجر اليوم التالي .الحكومة التركية ، وبعد أيام من المحادثات المكثفة مع القادة العراقيين في بغداد ومن خلال زيارة رئيس الإقليم السيد مسعود البارزاني الأخيرة إلى تركيا ، قالت أن المقترحات العراقية بشأن التعامل مع المطالب التركية بتسليم عناصر حزب العمال الكردستاني وتدمير قواعده في شمال العراق غير مرضية ، لان تطبيق هذه المقترحات يحتاج إلى وقت طويل ، وتركيا في عجلة من أمرها ولا تستطيع الانتظار انهيار المحادثات كان متوقعا ، لان تركيا وببساطة شديدة ، كانت تتفاوض مع الطرف الخط فحكومة العراق المركزية التي مثلها الوفد المفاوض لا تستطيع تحريك جندي واحد في الشمال ، ولا تسيطر على الحدود مع تركيا بالتالي ، بل أن علمها لا يرفع في جميع المناطق الكردية العراقية , رجب طيب
ارد وغان الرئيس التركي يواجه ضغوطا شعبية وعسكرية متعاظمة لاجتياح الجيب الكردي في شمال العراق ، وفي أسرع وقت ممكن ، فتردده في الأقدام على هذه الخطوة بدأ ينعكس سلبا على شعبيته في الشارع التركي ولمصلحة المؤسسة العسكرية , حزب العمال الكردستاني بعملياته ضد الجيش التركي قلب كل المعادلات في المنطقة ، وأضاف صداعا جديدا لإدارة دولة رئيس وزراء العراق هي في غني عنه ، ليس لأنه جاء في التوقيت الخطأ ، حيث بدأت حظوظها تتحسن في العراق بعد نجاح مخططها في تأليب بعض القوى المتصارعة في الشمال , وإنما لأنها وضعت أمام خيار حرج للغاية إي عليها أن تختار بين حليفين احدهما استراتيجي كبير هو تركيا ، وثانيهما استراتيجي صغير هو الأكراد في شمال العراق الذين كانوا اللاعب الرئيسي في تسهيل غزو العراق ،
ومن ثم احتلالها للعراق . أدارة دولة الرئيس في بغداد ستخرج الخاسر الأكبر من إي اجتياح تركي لشمال العراق ، لأنها ستخسر تركيا إذا تصدت له ، وستخسر الأكراد أذا لم تفعل ومحاولاتها لحث الحكومة التركية على ضبط النفس قد لا تعطي ثمارها وان أعطت فلفترة قصيرة.
اردوغان كان فجا ، ومصيبا في الوقت نفسه ، في رده على دعوات وزير الخارجية الأمريكية بالتريث وإعطاء الدبلوماسية مساحة أطول من الوقت عندما قال أن الولايات المتحدة لم تتردد لحظة في غزو العراق ، ولم تستمع لكل الدعوات التي تطالبها بضبط النفس وقالت أنها تدافع عن مصالحها وأمنها ، رغم أنها تبعد عشرة آلاف كيلومتر عن العراق ، فكيف تحاضر على تركيا بأشياء لم تفعلها هي . الأكراد ورطوا واشنطن في حرب دموية في العراق استنزفنهم ماديا وبشريا ، دون أن يلوح في الأفق أي أمل بكسبها، وهم على وشك توريطها في حرب أخرى ضد اقوي حلفائها في المنطقة ، ودون أن يكونوا مستعدين لتحمل عواقب أي خطوة يقدمون عليها سواء التصدي للغزو التركي أو التخلي عن الانجاز الأكبر والوحيد لغزوهم للعراق أي إقامة دولة شبه مستقلة ومستقرة للأكراد في شمال هذا البلد المنكوب , ومن المفارقة أن قادة حزب العمال الكردستاني يشاركون في توريط أمريكا أكثر وأكثر في حروب المنطقة ونزاعاتها الإقليمية ، وسواء فعلوا ذلك بتخطيط مسبق ، أو دونه ، فان النتائج تصب في هذا الهدف , تنظيم القاعدة نفذ غزوتي نيويورك وواشنطن بهدف جر الولايات المتحدة وقواتها إلى حروب في الأراضي الإسلامية والعربية ، حيث يستطيع شن حرب استنزاف ضدها ، وقد حقق له الرئيس بوش الاسبق هذه الأمنية ووقع في المصيدة ، وحزب العمال الكردستاني يفعل الشيء نفسه باستخدام المناطق الآمنة والمحمية أمريكيا وإسرائيلينا في شمال العراق لشن هجماته ضد تركيا وقواتها ، الأمر الذي سيدفعها إلى اجتياح هذه المنطقة ومواجهة أمريكا القوة الأعظم في التاريخ ، على أمل أن ينسف العلاقة الإستراتيجية الأمريكية ـ التركية الصلبة أو يضعفها في أسوأ الأحوال , ويبدو انه بات علي وشك تحقيق هذا الهدف ، ولكن العواقب قد تكون عكسية ، ووخيمة على الأكراد في العراق على وجه الخصوص , فالأتراك في المؤسستين العسكرية والسياسية ، إسلاميين وعلمانيين ، يختلفون على أشياء كثيرة ، ولكنهم يتفقون على شيء واحد وهو رفض النموذج الكردي في شمال العراق ،
لان هذا النموذج يشكل خطرا بنيويا عليهم ، ويؤسس للدولة الكردية ألكبرى التي تشمل أراضي في سورية وإيران وتركيا نفسها , ولم يكن مفاجئا أن تجد التهديدات التركية باجتياح كردستان العراق دعما علنيا ( سورية ) أو مستترا ( إيران ) من دول الجوار ، وهذا الدعم قد يكون موجودا أيضا في أوساط العراقيين العرب سنة وشيعة الذين أزعجتهم الدكتاتورية الكردية ، وإجراءات الانفصال المتواترة والعلاقة الخاصة والمتنامية بين الأكراد والإدارة الأمريكية السابقة في عهد بوش الابن والأب واوباما الأولى والثانية ، وهي علاقة وصلت إلى درجة التدليل في معظم الأحيان , الأكراد تنقصهم القيادة الحكيمة التي تقودهم إلى بر الأمان ، ونحو الحلم التاريخي في أقامة دولتهم المستقلة ، سواء كانوا في العراق أو سورية أو إيران ، والدليل الأبرز على غباء هذه القيادة هو النتائج الكارثة لسياساتها الحالية ، التي جعلت الأكراد بلا أي أصدقاء حقيقيين في المناطق التي يقيمون فيها أو المحيطة بهم , فلم يهرع احد لنجدتهم أو الوقوف إلى جانبهم في محنتهم الحالية أمام التهديدات التركية بما في ذلك الأوروبيون والأمريكان , فالعدو هنا ليس صدام حسين الذي يريد تطوير أسلحة دمار شامل تعزز قوة العراق وبما يؤدي إلى تهديد الهيمنة الأمريكية على المنطقة ، وإنما تركيا الدولة العظمي التي تملك ثاني أضخم جيش في حلف الناتو ، ويعتبر اقتصادها رقم ( 19 ) في العالم , ولا بد من الاعتراف بان الأكراد في جميع الدول التي يقيمون فيها يواجهون ظروفا صعبة ، ولا يتمتعون بالحد الأدنى من حقوقهم القومية والثقافية والسياسية ، وتاريخهم حافل بالمجازر الدموية وخذلان الأصدقاء والحلفاء ، ولكن هناك من يقول أيضا أنهم لا يحفظون الجميل ، فقد أعطاهم العرب في العراق ما لم يعطه لهم الأتراك والإيرانيون ، من حكم ذاتي واعتراف بهويتهم القومية ، حتى في عهد صدام حسين ، أو بالأحرى أيامه الأخيرة ، ومع ذلك أداروا ظهرهم بالكامل للعرب ، وصنفوهم في خانة الأعداء ، وجعلوا اللغة العربية اللغة الثالثة بل والرابعة بعد الانكليزية والفرنسية والألمانية ، وأصبح العربي العراقي ، سنيا أو شيعيا ، يحتاج إلى فيزا لدخول كردستان العراق ، وإذا دخل لا يسمح له بالإقامة ألا بكفالة كفيل كردي , ويظل لزاما علينا القول أن الاجتياح التركي إذا حدث لن يكون مضمون النتائج لان التورط العسكري قد يؤدي إلى حالة من الفوضى وزيادة العمليات العسكرية الكردية ، بالإضافة إلى احتمال خسارة الحليف الاستراتيجي الأمريكي إلى الأبد , الاجتياح التركي بات وشيكا ، ولن توقفه ونتائجه إلا معجزة ، ولكننا لسنا في زمن المعجزات على أي حال , والشيء الوحيد الذي يمكن الجزم به في حالة حدوثه أن جميع المعادلات الحالية في المنطقة ستنقلب رأسا على عقب ، وان ما تبقي من استقرار فيها مهدد بالانهيار, الخاسر الأكبر سيكون حتما هو الولايات المتحدة ، فيكفي أنها باتت مكروهة من الغالبية الساحقة من الأتراك ، بعد أن خسرت الغالبية الساحقة من العرب والمسلمين ، الأمر الذي سيضيف عبئا جديدا على محاولاتها لكسب قلوب وعقول المسلمين , أما الدولة الكردية شبه المستقلة في شمال العراق فقد تكون في مرحلة النزع الأخير, وقد يصبح حالها مثل حال بقية العراق أي فوضى دموية
(( لله …… الآمر )

 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here