حوارات في الترجمة: السلطة و الترجمة – حوار مع لورنس فينوتي

حوارات في الترجمة: السلطة و الترجمة – حوار مع لورنس فينوتي
ترجمة أ.د. كاظم خلف العلي
استاذ اللسانيات و الترجمة
كلية الآداب – جامعة البصرة
[email protected]
حصل اللقاء الآتي مع لورنس فينوتي في مؤتمر دولي عقد للفترة 24 – 26 مايس 2012 بجامعة تالن بأستونيا . و كانت ثيمة المؤتمر بعنوان “ترجمة السلطة و تمكين الترجمة: مسارات في تاريخ الترجمة Translating Power, Empowering Translation: Itineraries in Translation History “. و المحاوران هما كاتالينا غيلين المحاضرة بقسم اللغة الإنكليزية في معهد اللغات الجرمانية و الرومانسية و السلوفاكية و آدابها بجامعة تارتو و دانييل مونتسيلي رئيس قسم اللغات الرومانسية و ثقافاتها و الأستاذ المشارك في الدراسات الإيطالية و السيميائيات الثقافية بجامعة تالن.
و الباحث الأمريكي لورنس فينوتي المولود في 1953 غني عن التعريف بما حققه من انجازات على صعيد الترجمة العملية (عن الإيطالية و الفرنسية و الكاتلانية) و على صعيد التنظير لدراسات الترجمة و هو أستاذ بجامعة تمبل بالولايات المتحدة. و تجد ثنائيته في التوطين و التغريب و مفهومه عن مرئية و لا مرئية المترجم تطبيقات كثيرة في مؤسسات العالم البحثية المختلفة و له صوت واضح في التوجه الثقافي من الترجمة و مهاجمته لمؤسسات النشر الغربية التي تسعى إلى محو البصمات الثقافية المحلية للنصوص بداعي الجزالة و المقروئية . و مما كتبه و حرره عن الترجمة يمكن أن نشير إلى المجموعة ألآتية من الكتب (كاظم العلي):
Our Halcyon Dayes: English Prerevolutionary Texts and Postmodern Culture (1989)
Rethinking Translation: Discourse, Subjectivity, Ideology (1992) (anthology of essays, editor)
The Translator’s Invisibility: A History of Translation (1995)
The Scandals of Translation: Towards an Ethics of Difference (1998)
Routledge Encyclopedia of Translation Studies, ed. Mona Baker (1998) (contributor)
Oxford Guide to Literature in English Translation, ed. Peter France (2000) (contributor)
The Translation Studies Reader (2000, editor)
Translation Changes Everything: Theory and Practice (2013)
Teaching Translation: Programs, Courses, Pedagogies (2017) (anthology of essays, editor)

المحاوران: لم ينبغي علينا اعتبار السلطة في الوقت الذي نناقش فيه الترجمة؟
فينوتي: لأن الترجمة ليست ببساطة أبدا عن تكوين علاقة بين ترجمة ما و النص الأصلي الذي تترجمه، و ليست حتى عن علاقة بين الترجمة و اللغة المترجمة و الثقافة، بالرغم من أن كلتي العلاقتين جوهريتان لفهم ماهية ترجمة ما، و ما هي المعاني و القيم و الوظائف التي ربما تدعمها. الترجمة أكثر من هذه العلاقات : إنها ممارسة لغوية و ثقافية مموضعة في مجاميع متعددة من الهرميات بين اللغات و الثقافات و المؤسسات و ضمنها. و هذه الهرميات هي ترتيبات بحسب القيمة و السلطة أو الهيبة، و لذلك فإن الترجمة ، و حتى اختيار نص للترجمة مضمن في التقسيم و عدم المساواة، بصرف النظر عن حقيقة أن القصد من وراء الترجمة هو تجاوز الاختلافات اللغوية و الثقافية. و على أية حال، فالهرميات متغيرة تاريخيا، و تستطيع الترجمة أيضا أن تغير الطريقة التي تتكشف بها الهرميات. أما عن كيفية تأثيرها على اختيار النصوص الأصلية للترجمة و تطوير استراتيجيات خطابية لترجمتها فقد برز ذلك، منذ الثمانينيات، على أنها من أكثر مناطق البحث إنتاجية لدراسات الترجمة.
و بوضوح، فإن نوع البحث الذي أشير إليه ذو وجهة اجتماعية و تاريخية، و يفضي إلى دراسة أنساق ترجمية واسعة و على وجه الخصوص التشكيلات الاجتماعية و الأزمات التاريخية علاوة على نقد النزعات الآيديولوجية للترجمات. لكن هذا التوجه يجب أن لا يستبعد أو يقلل من ممارسة السلطة الذي يظهر في المستوى النصي الأكثر أساسية أيضا ، السلطة المعنية في اختيار نصوص أصلية و في اختيار الكلمات و العبارات لترجمتها. الترجمة فعل تفسيري لعنف متمركز على العرق حيث يعاد كتابة نص أصلي – و هو يعني القول، أن مكوناته اللغوية تفكك و يعاد ترتيبها و في النهاية يعاد موضعتها – طبقا إلى أشياء واضحة و مفهومة و اهتمامات هي من حيث الجوهر ملك للثقافة المستقبلة. إن منتجي ترجمة ما، بما فيهم المترجم علاوة على طيف من العاملين الآخرين (المحررون و الناشرون و أقسام الترقية و التسويق و هكذا) يمارسون السلطة على النص الأصلي و الثقافة الأصلية حيث يتم تمثيلهم بتلك الترجمة الخاصة.
المحاوران: هل هناك نظرية للقوة مثمرة على وجه التحديد يمكن تفضيلها في دراسات الترجمة (تحليل الخطاب و الدراسات ما بعد استعمارية؟).
فينوتي: يملك طالب الترجمة اليوم الكثير من الخطابات النظرية و النقدية يختار منها ما يشاء لكي يطور مشروعا بحثيا. غير أن المناورات الأكثر أهمية هي التعامل مع اختيارات المترجم اللغوية كتحركات تفسيرية معمولة بالاستجابة إلى موقف ثقافي محدد في لحظة تاريخية محددة و تتوسط فيها على الدوام المؤسسات التي تنتج الترجمة فيها و توزع . و خلال العقد الماضي، كانت أكثر الخطابات تأثيرا اجتماعية ، و هي تمثل عمل منظرين مثل بيير بورديو Pierre Bourdieu و نيكولاوس لوهمان Niklaus Luhmann. غير أن هناك أيضا موارد مفاهيمية أخرى استكشفت كثيرا ضمن دراسات الترجمة، و بشكل بارز التراث الماركسي و التفكير ما بعد بنيوي، مثل عمل الفلاسفة من أمثال لويس ألتوسير Louis Althusser و جاك دريدا Jacques Derrida و ميشيل فوكو Michel Foucault و تأثيره على تنوع واسع من الدراسات الأدبية و الثقافية.
المحاوران: هل هناك أية عيوب في تحول السلطة في دراسات الترجمة (أم أن هناك فوائد فقط؟)
فينوتي: تحمل الطرائق الاجتماعية عيوبا بالتأكيد لدراسات الترجمة . و ربما يكون أعظم خطر هو أن النص كوحدة تحليل يمكن أن يختفي أسفل التطورات الثقافية و الاجتماعية الكبيرة المستوى. و من الأساسي أن لا نفقد البصر عن الترجمة على أنها فعل تفسيري يؤدى باللغة. و نستطيع أن نبقى منتبهين لهذه الحقيقة الأساسية بتعزيز الطرائق الاجتماعية بخطابات كالهرمنيوطيقا hermenutics و السيميائيات semiotics و نظرية أفعال الكلام speech acts theory علاوة على تنوعات من اللسانيات. إن وصل التطورات الواسعة بالصفات النصية مهم لزيادة حنكة و وعي المترجمين و قراء المترجمين الذاتي. و لا نزال لا نملك فكرة كافية عن كيفية تشكيل الترجمة فعلا تفسيريا أو كيفية قراءة الترجمات كترجمات، كنصوص قائمة بذاتها، مستقلة نسبيا عن النصوص الأصلية التي تترجمها.
المحاوران: بالأخذ بالاعتبار ماضينا السوفييتي، من الشائع جدا في أستونيا الشك بأن المقتربات السياسية الاجتماعية للأدب تخاطر باختزال اجتماعي يفقد الأدب خصوصيته. هل لديك أية تعليقات؟
فينوتي: هذه المشكلة ليست خاصة بالثقافات ذات الماضي السوفيتي. و لقد أزعجت الدراسات الأدبية و الثقافية في العالم منذ ثمانينيات القرن العشرين ، و عندما تم تسييس هذه الميادين من خلال نشر و تركيب الخطابات النظرية و السياسية المتعددة، و أساسا الماركسية Marxism و التحليل النفسي psychoanalysis و النسوية feminism و تطوراتها في خطابات أخرى مثل النظرية ما بعد استعمارية postcolonial theory و دراسات النشاط الجنسي sexuality studies. و لكي نكون متيقنين، فإن الأشكال و الممارسات الثقافية تتحدد آيديولوجيا ، و هي مرتبطة باهتمامات و مصالح التجمعات الاجتماعية، و لكن من الممكن مع ذلك التمييز بين الثقافة و السياسة ، لإدراك أن الخصائص الشكلية و الممارسات النصية لها خصوصيتها الخاصة، و أن الترجمات على هذا الأساس تشكل بموادها و وسائلها الخاصة في نشرها و تحويلها. و هو، على سبيل المثال، السبب وراء إثبات المفهوم الألتوسيري للآيديولوجيا كتشكيل موضوعي على أنه نصر ساحق: إن مواقع الموضوع التي تكونها اللغة و الخطاب، من خلال الصفات النصية مثل وجهة النظر و التشخيص، يمكن أن تفهم على أنها مواقع في آيديولوجيات معينة في وقت واحد. و من هنا فإن الاختيارات اللغوية في ترجمة ما يمكن أن تؤثر على النزعات الآيديولوجية للبنى النصية. و القضية الحيوية هي التوسيط بين النص و سياقه الاجتماعي: كيف نؤدي نقدا آيديولوجيا لترجمة ما من دون تقليلها إلى سياسة محضة، آخذين بالاعتبار تأثيراتها المتعددة – النصية و الجمالية و الإدراكية و العاطفية – التي تؤثر على الدوام على وظائفها الاجتماعية. علاوة على ذلك، فإن السياسة تستطيع ان تأخذ تنوعا من الأشكال. فيمكن لترجمة ما أن تؤكد أو تتحدى المعرفة المؤسساتية بالحفاظ على أو مساءلة اتجاه البحث الأكاديمي، و يجب أن تدرك هذه أيضا على أنها أفعال سياسية.
المحاوران: أنت رئيس تحرير المجلد الأخير من “تاريخ أوكسفورد في الترجمة الأدبية باللغة الإنكليزية”. و كان حجم المادة التي عليك التعامل معها ضخما. كيف أخترت الجوانب التي تدرسها بصورة وثيقة؟ ما هي النقاط التي تعتقد أنها ذات اهمية خاصة في نظرية الترجمة؟
فينوتي: لأن مجلدي في تاريخ أوكسفورد يناقش القرن العشرين، و هي فترة خضعت الترجمة فيها ( و في كل لغة، و ليس الإنكليزية فقط) لزيادة أسية من حيث الكمية و المفاضلة، فإن المصطلح “أدبي” هو نوعا ما استعمال مغلوط: المتن هو ما أود تسميته بالترجمة “الإنسانية”. و يدرس مجلدي الترجمة باللغة الإنكليزية في القرن العشرين في سلم الفنون و العلوم الانسانية. و من هنا، فإنه ليست هناك أجزاء مخصصة للأجناس الأدبية التقليدية كالشعر و القص النثري و الدراما فقط ، لكن هناك أيضا أجزاء تتفحص أدب الأطفال و كتب الرحلات و الأفلام و الأوبرا و سير الحياة و التاريخ و الفلسفة و النظرية و النصوص الدينية و علم السكان. و تعطي أجزاء أخرى وصفا لما يعنيه أن يكون المرء مترجما في القرن العشرين، و الظروف القانونية و الاقتصادية التي يعمل المترجمون في ظلها، و تدريبهم و تحولهم للحرفية، علاوة على الجوانب التجارية لنشر الترجمات، و جميعها خضعت إلى تغيرات معتبرة خلال الفترة.
و لقول القليل ، فقد كان الحجم الخالص للمشروع رهيبا، لكن التحدي الأعظم تم تقديمه في حالة التفكير البدائية عن تاريخ الترجمة. لقد أهمل تاريخ الترجمة في دراسات الترجمة التي عانت لفترة طويلة من الراهنية presentism ، و تمثل تركيزا مغالى فيه على الاتجاهات الراهنة، و تمثل في بعض الحالات مفهوما للترجمة من دون زمن و من دون تموضع محلي، حتى أن مجرد فكرة ما يشكله البحث التاريخي لا تزال قيد الأنشاء. و تتشارك المقالات في مجلدي بمقترب أساسي معين: أنها تفترض أن الترجمة تفسير منتج للتأثيرات الثقافية و الاجتماعية ، و هي تهدف لإعطاء معنى عن سبب اختيار النصوص للترجمة و ما هي الاستراتيجيات التي تم تطويرها لتفسيرها مع وضع هذين العاملين الرئيسين في سياقات ثقافية و اجتماعية تتغير عبر مدار القرن. إن التغطية انتقائية بصورة محتومة: فالاتجاهات الواسعة ترسم، و تعمل الإشارة إلى مدى واسع من الترجمات، و الحالات الممثلة أو المؤثرة تناقش. و يعطى الاهتمام إلى تأثير الأحداث التاريخية لكن أيضا إلى الجماهير و لاتجاهات النشر المتغيرة. و تثبت النتائج بعض البحث السابق، لكن هناك أيضا مفاجآت. أعتقد أنها كشوفات عن ممارسات الترجمة و أنساقها.
المحاوران: إن تاريخ أوكسفورد هو تاريخ الترجمة الأدبية. و بالنظر إلى الاتجاهات الحديثة في الإنسانيات و التي قبلت أشياء جديدة كمحور لبحوثها و تصورها كمفاهيم في السياق الأوسع للدراسات الثقافية، لم تعتقد أنه ينبغي علينا أن ندرس الأدب على الأطلاق؟
فينوتي: نعرف القليل نسبيا عن الترجمة الانسانية ككل، بالرغم من أن ليس هنالك منهج في الانسانيات غير معتمد على الترجمة للبحث و التدريس. لطالما حظيت النصوص الأدبية و الدينية بأكبر قدر من الاهتمام ، للتأكيد، غير أن الترجمات في الأنثروبولوجيا و التاريخ و الفلسفة و علم الاجتماع تستطيع أن تكافئ التمحيص الوثيق كنصوص و أشياء ثقافية و ظواهر تاريخية. و ليس هذا من أجل استبعاد أهمية دراسة تأثير التكنولوجيا على الترجمة: فلقد حولت الشبكة ممارسات الترجمة علاوة على دور المترجم ، و ماذا عن ظهور وسائل إعلام جديدة مثل غوغل للترجمة و الأشكال التعاونية للترجمة المنطوية في التحشيد الجماعي, لكن سيبدو من التهور خصم الترجمة الأدبية على أنها غير منتجة للاستبصارات الجديدة. و لا تستمر ترجمة القص النثري و المواد السمعية البصرية بكامل قوتها حول العالم بل أن عدم تسويقيتها المجردة لجنس ما يستدعي أن يبتكر المترجمون تجاربا تستطيع أن تكشف الكثير عن طبيعة الترجمة عموما (علاوة على طبيعة الشعر).
المحاوران: لقد ناقشنا من أجل إضفاء الطابع الثانوي على الترجمات التي يمكن أن تشكل على problematize فرضية الثقافات الرئيسة. ماذا يمكن أن يكون دور الترجمة في الثقافات الثانوية التي يكون همها الأساس هو البقاء على قيد الحياة؟
فينوتي: لا ثقافة، رئيسية كانت أم ثانوية، محورية أم هامشية، تستطيع احتمال أن تبقى راضية بالوضع الراهن من دون مساءلته بصورة مستمرة و تقديم ابتكارات ثقافية، و خصوصا باستيراد الأعمال الثقافية الأجنبية. إن تهميش الترجمة يمكن أن يكون مفيدا في أشكلة (من صنع المشاكل – المترجم) القيم المهيمنة في أي ثقافة، لكن أيضا في تحفيز تطورات مبتكرة. و لكي نناقش بأن المكانة الثانوية لثقافة ما تتطلب ممارسات ترجمية متجانسة للبقاء فذلك يخاطر بالجمود الثقافي و المحافظية ، و بمفاهيم النقاء الثقافي و الآيديولوجيات القومية التي تهدف إلى إبعاد أو قمع الاختلافات اللغوية و الثقافية. و مع ذلك فإن هذه الاختلافات هي التي مكنت الثقافات من أن تتطور بطرق فريدة، بما فيها الثقافات الثانوية. فكر بكيفية تعديل الكتاب الرومان القدامى للأدب الإغريقي في الجمهورية أو كيف ترجم الرومانسيون الألمان النصوص الرفيعة ، الغربية و الشرقية، لبناء لغة و أدب ألمانيين أو كيف جال الكتاب الصينيون في عهود كنغ و مي الرابع ببصرهم خارجا ليناقشوا القضايا الثقافية السياسية في الصين. و تدرك الثقافات الثانوية اليوم أن بقاء لغاتها و تقاليدها الثقافية يعتمد على مشاركتها الفاعلة الخاصة، و غالبا ما تكون بشكل تمويل تعليم اللغة و الترجمة.
المحاوران: هل تترجم شيئا ما حاليا؟
فينوتي: أتمنى لو كنت. لدي قائمة بالأعمال بالإيطالية و الكتالانية أرغب كثيرا بترجمتها. لكني أكرس حاليا طاقاتي لتقدمة البحث الترجمي. فبالإضافة إلى تاريخ أوكسفورد، تتضمن هذه المشاريع طبعة ثالثة منقحة جوهريا من كتابي “جامع قراءات دراسات الترجمة The Translation Studies Reader ” الذي يضم قطعا جديدة عن الأدب “العالمي” و الترجمة في مدن مقسمة لغويا و في حالة حرب و الترجمة على الشبكة من بين موضوعات أخرى. و أقوم أيضا بجمع مجموعة من المقالات كتبتها خلال العقد الماضي تحت عنوان “الترجمة تغير كل شيء: النظرية و الممارسة Translation Changes Everything: Theory and Practice”. و تقتفي القطع التي في هذا الكتاب أثر التغيرات في تفكيري عن الترجمة، و لا سيما الانتقال من التوجه ما بعد استعماري إلى تأسيس مفاهيمي للنموذج الهيرمنيوطيقي بينما أتدخل بالمناقشات و الاتجاهات التي ميزت دراسات الترجمة منذ العام 2000.
المحاوران: كان اختيارك لما تترجمه واعيا جدا على الدوام. لقد قلت أن ترجماتك هي نوع من النقد للثقافة الهدف و أنك تختار المؤلفين للترجمة من الذين لا يعززون الفكرة النمطية للأدب الأصلي بل العكس – الذين يؤكدون الاختلافات الاجتماعية الثقافية. هل هناك مؤلف أو موضوع أو مقترب معين تعتبره جديرا بالترجمة حاليا؟
فينوتي: بعد دراسة الكتالانية لأكثر من عقد و السفر بشيء من الانتظام إلى برشلونة ازددت اهتماما بترجمة الأدب الكاتالاني. و لا تكمن الجاذبية هنا في القلة النسبية للأدب الروائي و الشعر الكاتالاني بالإنكليزية فحسب ، مما يجعل من ترجمته فعل إصلاح قويم ، لكن أيضا المكانة الثانوية لهذا الأدب، و خصوصا كتراث ظل منفتحا على التأثيرات الأجنبية بتعديلها و ترجمتها. و بالإضافة إلى توسعة مجمل الآثار الأجنبية في اللغة الإنكليزية فإن ترجمة الأدب الكاتالاني يمكن أن تعلمنا الكثير حول كيفية استقبال الثقافات الثانوية للأجنبي لكي تطور أشكالها و ممارساتها الخاصة. و أنا منجذب على وجه الخصوص إلى قصائد النثر التي كتبها كاتب القرن العشرين الكاتالاني الرئيس جي في فويكس J. V Foix الذي لا يزال فعليا غير معروف بالإنكليزية. و يمكن لهذه النصوص أن تغير مفاهيمنا عن التجريب الحداثي، و خصوصا السريالية، في الوقت الذي تدعو فيه المترجم لأن يجرب مع أنساق التواصل و الأساليب في الإنكليزية، مؤتيا بمعنى الأجنبية إلى اللهجة القياسية الحالية و إلى الأشكال الأدبية المهيمنة.
المحاوران: الترجمة بالنسبة لك شكل متفرد من أشكال الكتابة. و للمترجمين الحق في التفسير مثلما يملك نقاد تلك الترجمة الحق بتفسيرهم. كم هو مهم برأيك التموضع الذاتي للمترجم في المقدمة أو النصوص المصاحبة و الموازية paratexts الأخرى؟ هل أن التوضيح المباشر لاستراتيجية الترجمة يجعل الترجمة أكثر شرعية؟
فينوتي: النصوص المصاحبة و الموازية مثل المقالات الافتتاحية و تعليقات الحواشي يمكن أن تكون مفيدة بصورة كبيرة في المساعدة باستعادة جزء في الأقل من السياقات المتنوعة التي تفقد في الترجمة، السياقات اللغوية و الأدبية و الثقافية التي نشأ بها النص الأصلي و التي تستبدل بنظيراتها في الظرف المستقبل. لكن النصوص المصاحبة و الموازية يمكن أن تقيد أيضا جماهير ترجمة ما من خلال أكدمة (academicizing – جعله أكاديميا – المترجم) النص، و من المحتمل أن يثبطها الناشرون التجاريون بقولهم أن ذلك يكبح المبيعات. إن الترجمات الشعرية، بسبب أن الشعر يمكن أن يكون ممارسة خاصة و صعبة نسبيا بل و حتى ممارسة كتابية خفية، لا تزال تقدم امكانية إضافة الحواشي ، بصرف النظر عن الناشر، بالرغم من أن الملاحظات هي قرائية مسبقا، و ليست بحثية و أدنوية .
إن نوع النصوص التي ينبغي أن يكتبها المترجمون لكن التي يميلون لتجنبها هي لسوء الحظ التعليق على الترجمات التي أنتجوها أنفسهم أو أنتجها مترجمون آخرون. هذا التعليق يمكن أن يظهر في اللقاءات أو المراجعات أو المقالات. و لكن أيا كان النوع ، فإن هناك حاجة ملحة له إذا ما أريد للترجمة أن تتجاوز سوء الفهم و الإهمال غير الواعيين الكبيرين و اللذين يستمران بتحيتها حول العالم. من هم أفضل تموضعا من المترجمين في تفسير و جلب الانتباه لما يقومون به في عملهم؟
و أنا أفضل كثيرا الاستراتيجيات التي تؤكد على مكانة الترجمات كترجمات، لكن أيا من هذه التحركات يجب أن تعمل بطريقة ليست عشوائية، طريقة تؤسس ضروراتها على أساس النص و الثقافة الأصليين علاوة على اللغة المترجمة و الثقافة. إن اختيار نص ينحرف عن أنساق الترجمة الراسخة أو اختيار ترجمته بمغادرة الاستعمال القياسي الحالي، حيث تشكل المغادرات تفسيرات للنص الأصلي لا يمكن تبريرها ببساطة ، بل أنها تحيد عن التفسيرات المنافسة التي اكتسبت سلطة في المؤسسات الثقافية – و هذه وسائل مؤثرة يمكن بواسطتها جعل القراء واعين بالخلق من الدرجة الثانية الذي يحصل في الترجمة. لكن من غير الراجح أن يقيم القراء مثل هذه الاستراتيجيات من دون تعلم ملاحظتها أولا و من ثم فهم قوتها التفسيرية و أثرها الثقافي و المؤسساتي. و غالبا كثيرا ما يكون القراء، سواء كانوا محترفين أم عاديين، مستعدين لرفض التأثيرات النصية التي تزيد الجهد الإدراكي المطلوب لمعالجة ترجمة ما و من هنا التدخل بالميل الواسع النطاق لقراءة الترجمة كما لو كانت هي النص الأصلي بدلا من تفسير مشوق. و المشكلة هي أن الترجمة ذاتها ليست كافية لأن تغير و تطور طرقا لقراءة الترجمات. و على المترجمين، مرة ثانية، أن يتحملوا مهمة تثقيف القراء.
و هذا هو السبب وراء تفضيلي لتخيل المترجمين ليس كلغويين مجردين بل كمفكرين كتابيين منهمكين بعمق بالميادين التي يترجمون منها و الذين ينبغي أن يكونوا قادرين على الحديث عن عملهم برصانة إلى كل من الباحثين – المدرسين و الطلبة الذين لابد أن يستعملونه علاوة على القراء العامين الذين يمثلون شريحة معتبرة من جمهور الترجمات، و خصوصا ترجمات النصوص الأدبية. و يعني النظر للمترجمين بدور أقل، و لنقل، كمحترفي لغة قلة تقييم المهارات و المعرفة التي يتطلبها عملهم و يعني فصله عن الاعتبارات الاخلاقية و السياسية التي لها علاقة بأي ممارسة ثقافية. إن مفهوم المترجم كمحترف لغوي تقلل الترجمة إلى دعم آخر للوضع الراهن في الموقف المستقبل حيث أنه نظرا لأن الترجمة تتمحور على الاختلافات اللسانية و الثقافية فإنه ينبغي عليها أن تستجوب ذلك الموقف باستمرار كاشفة معايبه و استبعاداته و مقترحة مسارات جديدة للاستقصاء و التطور. إن مهمة المترجم هي أن لا يفصح عن يوتوبيا تواصلية تتجاوز بابل، بل أن يطلق قوة الاختلاف التي تحدث التغيير هنا و الآن.
مصدر الحوار:
http://cw.routledge.com/textbooks/translationstudies/data/Tallinn_Conference_Interview.pdf

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here