مهتمون يعيدون الحياة لحِرفة انقرضت..صناعة الناعور.. تنتظر دورها على لائحة التراث العالمي

إعداد /عديلة شاهين

الناعور، تاريخ يروي عظمة حضارة تليدة علّمت الناس الزراعة وسط هدير ماء كانت تدفعه عجلة الناعور قبل ما يزيد عن أربعة آلاف عام من ظهور التكنولوجيا الحديثة.

وتشير العديد من المراجع التاريخية الى أن آلة الناعور التي كانت تتواجد على شواطئ نهر الفرات، قد لجأ إليها العراقيون القدماء كوسيلة لنقل المياه بعد انخفاض مستوى مياه النهر عن الأراضي الزراعية لتنقل المياه من النهر بواسطة صناديق الى حوضٍ علوي، منه تجري المياه إلى قنوات تسقي البساتين، ويكثر وجود النواعير في حديثة و هيت و عانة و القائم بمحافظة الانبار غربي العراق.

و اندثرت حرفة صناعة الناعور منذ سبعينات القرن الماضي بسبب ظهور الآلات الحديثة كالديزل و الماكنة الكهربائية.

السيد غسان عيادة، إبن قضاء حديثة، يتحدث للمدى قائلاً: كان الناعور من الآلات المتطورة في العهد الآشوري بعد آلة الشادوف، و تطورت الفكرة الى أن أصبحت مرتبطة بموضوع العجلة في بابل، وكانت أول استخدامات الناعور كعجلة للسقي بسبب حاجة المنطقة الغربية الممتدة من دير الزور في سوريا الى منطقة هيت مروراً بحديثة لارتفاع الأرض عن المياه في تلك المناطق. و تم اختراع الناعور لنقل المياه الى الأراضي المرتفعة، مضيفاً: يصل ارتفاع الناعور من ٧ الى ١٢ متراً و من الممكن أن يصل أحياناً الى ٢٧ متراً، و يتكون الناعور من الشيفت أو المحور الذي يتحمل الثقل و يكون على شكل إسطوانة طولها ٣ أمتار و عند النحت يتم تصميم شكل مربع وسط الناعور يشبه الكماشة للحفاظ عليه من التوقف، و يكون من الأطراف على شكل طوق خشبي يشبه العجلة لسهولة الدوران، و أن المادة الأولية الأساسية المستخدمة في صناعة الناعور هي خشب شجرة التوت الذي يتميز بمقاومته للماء ويحتفظ بقوته لسنوات طويلة و من الممكن دمج أشجار أخرى في صناعة الناعور كأشجار الرمان و الصفصاف ولكنها أقل كفاءة من شجرة التوت.

وغسان عيادة هو صاحب فكرة ومشروع إعادة إحياء حرفة صناعة الناعور، حيث وصل المشروع إلى منظمة اليونسكو الدولية التي تنوي إضافته على لائحة التراث العالمي غير المادي على غرار أهوار العراق.

وبدأت الفكرة عند صناعة ناعور في قضاء حديثة عام ٢٠١٤، عندما ساعد أهالي القضاء صاحب المشروع بالتبرع بالأعواد وبمساعدة من البيت الثقافي العراقي، و في عام ٢٠١٦ قدمت وزارة الثقافة المساعدة للسيد عيادة و أعدت تقريراً عن آلة الناعور بدعم من الحكومة المحلية.

أما في العام ٢٠١٧ بدأ مشروع إضافة حرفة صناعة النواعير على لائحة التراث العالمي في اليونسكو بعد زيارة الخبيرة المتخصصة في صون التراث الثقافي غير المادي و مسؤولة إعداد الملفات باللغة الانكليزية لدى وزارة الثقافة و السياحة و الآثار السيدة إيمان عبد الوهاب العكيلي حيث ألقت الكثير من المحاضرات لتعلم كيفية كتابة لائحة الحصر للعنصر و الكتابة الصحيحة لملف حرفة صناعة النواعير لتقديمه الى اليونسكو، ولتوضيح فكرة صناعة النواعير و توثيقها لإضافتها على لائحة التراث العالمي تبرعت مؤسسة ميزوبوتاميا للتنمية الثقافية؛ تبرعت بإقامة معرض عام ٢٠١٨ في مقر وزارة الثقافة يتضمن ٦٠ صورة توضح مراحل إنشاء الناعور، و في عام ٢٠١٩ تبرع صندوق تمكين بثلاثة نواعير لمدينة حديثة.

ويوضح السيد غسان عيادة لـ(المدى) إهمية إدراج ملف النواعير على لائحة التراث العالمي في النقاط التالية:

١- توفير غطاء وحماية دولية لهذا التراث ومنع أي تلاعب مستقبلي من قبل الحكومات المحلية والمركزية أو استغلاله.

٢- توفير فرص التعاون التراثي من ناحية صيانة الآثار والتراث الموجودة والتنقيب والبحث عن تراث إنساني أو الآثار التي لم تكتشف لحد الآن.

٣- حصول العنصر المسجل على مجموعة من المساعدات والمنح والمشاريع التي تمنحها المنظمات والمؤسسات العالمية للمواقع التراثية مما يوفر دعم دولي اقتصادي.

٤- تخصيص مبالغ من الميزانية الحكومية للعنصر بما يتناسب مع إبقائه على اللائحة مما ينعكس إيجاباً على المردود الاقتصادي للمحافظة ويرتقي بالخدمات من ناحية الطرق والمواصلات وباقي خدمات النظافة والماء وغيرها.

٥- وضع العنصر على لائحة التراث يُدخله في قائمة المواقع السياحية وبالتالي يكون نقطة جذب للسياح والباحثين والمنقبين العرب والأجانب وهذا له أثر كبير من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية.

٦- إن دخول العنصر للائحة سيخضعه للتفتيش والرقابة الدورية وفق جدول متابعة ومراقبة وتقييم وبالتالي سيجبر الحكومة على الاهتمام والالتزام بغية ابقائه على اللائحة.

٧- المردود الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعلمي والإعلامي نتيجة الإدراج.

وأشارت المعلومات التي حصلت عليها (المدى) من دائرة العلاقات الثقافية العامة في وزارة الثقافة و السياحة و الآثار الى أن أولى مراحل إعداد ملف النواعير قد بدأت بعد أن قامت الحكومة المحلية في قضاء حديثة بتوجيه دعوة الى دائرة العلاقات الثقافية العامة باعتبارها الجهة العراقية المسؤولة عن صون التراث.

وفي حديثها لـ(المدى) أوضحت الخبيرة المتخصصة في صون التراث الثقافي غير المادي و مسؤولة إعداد الملفات باللغة الإنكليزية لدى دائرة العلاقات الثقافية العامة في وزارة الثقافة و السياحة و الآثار السيدة ايمان عبد الوهاب العكيلي قائلة: يعد ملف إعداد الفنون الحرفية التقليدية لصناعة الناعور بهدف إدراجه على لائحة التراث العالمي لليونسكو عملاً مشتركاً بين البيت الثقافي في مدينة حديثة و البيت الثقافي في مدينة هيت التابعان لدائرة العلاقات الثقافية العامة، و بادر السيد مدير عام دائرة العلاقات الثقافية العامة في عام ٢٠١٧ بتشكيل لجنة برئاستي بأعتباري مديرة المنظمات الثقافية الدولية في الدائرة و خبيرة متخصصة في اعداد الملفات.

وأضافت: قمنا بزيارة قضاء حديثة و كانت هذه أولى المراحل بالتعاون مع مدير البيت الثقافي في حديثة و الحكومة المحلية برئاسة قائممقام حديثة السيد مبروك حميد الذي قدم كافة التسهيلات لعمل جولات في الأماكن التي تضم آلة الناعور و تم اللقاء بين الوفد الثقافي و بين النجارين و الحرفيين و مالكي الأراضي الزراعية و المتطوعين و أصحاب البساتين و استمرت الجولة لمدة ثلاثة أيام و تم تشكيل لجنة أخرى برئاسة قائممقام القضاء السيد مبروك حميد و بعضوية السيد بهاء ياسين مدير البيت الثقافي في قضاء حديثة و عضويتي و عضوية المتخصصين و أعضاء من منظمات المجتمع المدني و الفنانين و الأدباء و الكتاب.

و أشارت السيدة إيمان العكيلي الى قضاء هيت باعتباره ما زال محافظاً أيضاً على تقاليد الحرفة، ففي عام ٢٠١٩ تم توجيه دعوة من الحكومة المحلية في قضاء هيت الى دائرة العلاقات الثقافية العامة و بادر المدير العام السيد فلاح حسن شاكر بتشكيل لجنة أخرى برئاسة السيدة إيمان العكيلي لزيارة قضاء هيت و تمت المباشرة بإقامة الورش التدريبية الخاصة بأعداد لائحة الحصر الوطني الخاصة بحرفة صناعة النواعير، ثم بدأت مراحل إعداد الملف و شكلت لجنة محلية برئاسة رئيس المجلس البلدي في حينها السيد محمد مهند و عضوية مدير البيت الثقافي في هيت السيد هيثم جمعة الكيلاني و عضوية السيدة إيمان العكيلي و عضوية و مشاركة الأساتذة الاكاديميين في جامعة الأنبار و منظمات المجتمع المدني و الحرفيين و النجارين و الفنانين و الأدباء.

وتكررت الجولات لجمع البيانات والمعلومات والصور الفوتوغرافية والحصول على موافقات المجتمع المدني والمتخصصين (بحسب الشروط التي وضعتها اليونسكو لإعداد الملف والوثائق لإرفاقها مع ملف الترشيح). وتم التواصل مع قضاء حديثة وقضاء هيت للاطلاع ومتابعة إعداد الملف من قبل دائرة العلاقات الثقافية العامة المتخصصة أمام اليونسكو لصون التراث غير المادي.

ووفقاً لتقارير دائرة العلاقات الثقافية العامة، فقد تم إعداد الملف و إكمال كافة مراحله و تمت ترجمته مع كافة الوثائق المرفقة من قبل السيدة إيمان العكيلي، و من ضمن الوثائق المرفقة ١٠ صور توثق مراحل إنشاء الناعور و فيلم وثائقي مدته ٧ دقائق و ٤ ثوان مترجم ايضا بالإنكليزية.

تم إرسال الملف الى منظمة اليونسكو بتاريخ ١٦/٣/٢٠٢٠ وسيتم التصويت عليه في تشرين الثاني من عام ٢٠٢١ بحسب التوقيتات الزمنية التي وضعتها منظمة اليونسكو.

وتشكلت مؤخراً اللجنة العليا للترويج يترأسها قائمقام قضاء حديثة السيد مبروك حميد و بمشاركة السيد غسان عيادة و السيدة إيمان عبد الوهاب العكيلي و السيد بهاء ياسين مدير البيت الثقافي في قضاء حديثة و المنسق الإعلامي للمشروع السيد إسماعيل الفرحان الذي أوضح في حديثه للمدى مراحل الترويج للمشروع قائلاً:

إن مجال عملي في هذا الملف هو كمنسق إعلامي بين دائرة العلاقات الثقافية العامة إحدى دوائر وزارة الثقافة والسياحة والآثار والمجتمعات والحكومات المحلية وديوان المحافظة منذ نهاية عام ٢٠١٧، وعمل أول ورشة لحصر هذا العنصر على قائمة تسمى ( قائمة الحصر الوطني) التي تدون فيها العناصر التراثية المادية وغير المادية، لاسيما إذا علمنا أن العراق قد وقع على اتفاقية صون التراث عام ٢٠٠٣، مما يتيح له جرد كل العناصر التراثية التي تتواجد على مساحته الجغرافية لتكون تراثاً عالمياً”.

و تابع : استمر عملنا لمدة ثلاث سنوات وكان على عدة مراحل بدأت (بحصر العنصر) وهي حرفة صناعة الناعور وضمها الى قائمة الحصر الوطنية بتسلسل (١٣) وهذا التسلسل وصل الى المنظمة الدولية اليونسكو ،وأكدت على إعداد الملف وفق المعايير التي وضعتها المنظمة مما حدا بكل الأطراف من مجتمع محلي وحكومات محلية في مناطق أعالي الفرات الى أن تتعاون مع خبيرة الملف إيمان عبد الوهاب عبد الرحمن التي أقامت ورشتين في مدينة حديثة عام ٢٠١٧ والأخرى عام ٢٠١٩ في مدينة هيت ضمت كفاءات ونخب ثقافية وأكاديمية لكتابة هذا الملف الذي يمثل تراث تلك المدن وهو الناعور وحرفته التي باتت شبه مندثرة لولا الأستاذ غسان عيادة المنشد صاحب فكرة إحياء هذا التراث منذ عام ٢٠١٤.

و أشار الفرحان الى أهمية الملف التاريخية قائلاً: الملف فيه وصف مختصر للمهارات والفنون الحرفية التقليدية لصناعة الناعور.. وتاريخية هذا العنصر التي تعود الى الألف الثاني قبل الميلاد، حيث يبلغ عمر الحرفة اليوم أكثر من ٤ آلاف عام.. وهو يُصنع بنفس الطريقة التي أوجدها المهندس الأكدي في تلك العهود منذ آلاف السنين.

وأضاف: هذا الدولاب هو أروع ما أنتجه العقل البشري من هندسة إرواء أو ري لمناطق أعلى من مستوى النهر، و يضم الملف أيضاً مراحل تصنيع الناعور واسماء وتفاصيل أجزائه ، بدقة متناهية على لسان وشهادات الحرفيين أو “الاسطوات” لنجارة الناعور، وطريقة تصنيعه، وطريقة عمله وكيف إنه يستخدم لسقي البساتين والأراضي، وكيف تطور عمله ليكون آلة لطحن الحبوب وليكون هذا الناعور مشروع حياة الى أهالي مناطق أعالي الفرات ، كذلك يضم الملف المئات من موافقات التسجيل لهذا العنصر وشهادات موقعة من المواطنين وشرائح متنوعة من أبناء تلك المجتمعات التي يتواجد فيها هذا العنصر تؤكد للمنظمة الدولية رغبة هذه المجتمعات لتسجيل الناعور أو حرفته على التراث العالمي .

أما عن العقبات التي واجهت إعداد الملف يقول الفرحان لـ(المدى): لكل عمل عقبات ومعوقات ينبغي تذليلها كي نصل الى نتيجة طيبة ومرضية وعملية، عملية تسجيل حرفة صناعة الناعور لم تكن سهلة، فهي تحتاج الى إعادة تأهيل النواعير لأنها من أهم متطلبات التسجيل في المنظمة الدولية اليونسكو وهذا الأمر كان فيه صعوبة للحرفيين ومن يريد أن يعيد تراث مناطق أعالي الفرات، ولنا نحن كمنسقين لهذا الملف كي يصل الى التراث العالمي ويسجل، ولكن الهمة كانت عالية من قبل جميع الأطراف أفراداً أو مجتمعات وحكومات محلية، لأن هذا العنصر يمثلهم كتراث أصيل، واستطعنا أن نتجاوز كل المعوقات وأن نصل بالملف الى قائمة التصويت في المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو، أما ما نحتاجه اليوم، هو الترويج لهذا العنصر لأن الترويج يعتبر من المهام التي تقنع الدول التي ستصوت ومن المتطلبات المهمة التي تقوي هذا الملف .

ووفقاً للبيانات التي حصلت عليها (المدى) حول الجهات الداعمة للمشروع في قضائي هيت و حديثة فكان لمنظمة تمكين دور في دعم المشروع و هي من إحدى منظمات المجتمع المدني التي ساهمت في إنشاء العديد من النواعير في قضاء حديثة، كما قامت وزارة الموارد المائية بإنشاء ٤ نواعير في قضاء هيت و من ضمن الجهات الداعمة منظمات المجتمع المدني و منها منظمة ميزوبوتاميا للتنمية الثقافية التي أقامت معرضاً في مقر وزارة الثقافة و السياحة و الآثار يتضمن لوحات فنية حول مراحل إنشاء الناعور.

ينتظر قضاء حديثة غرب الأنبار التصويت في المنظمة الدولية للتربية والعلوم (اليونسكو) لأدراج الناعور على لائحة التراث العالمي بعد أن تم تقديم الملف من قبل دائرة العلاقات الثقافية العامة و استلامه من قبل قسم التراث الثقافي الحي في سكرتارية التراث الثقافي غير المادي لدى منظمة اليونسكو.

و يحتوي الملف على مليون و سبعمائة و عشرين كلمة تمت كتابتها من قبل مدير مكتب الهلال الأحمر في قضاء حديثة د. وثاب خالد و صاحب فكرة إحياء الحِرفة السيد غسان عيادة و مدير البيت الثقافي في قضاء حديثة السيد بهاء ياسين و المرحوم عادل الدرة ليلتحق ملف النواعير بملف الأهوار جنوبي العراق كأحد مقومات الهوية الثقافية و التراثية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here