رحيل مُثقّف .. ربما آخر مثقف في العراق

رحيل مُثقّف .. ربما آخر مثقف في العراق:

إنا لله و إنا إليه راجعون
برحيلك أيّها السّيد المُكافح المثقف خسرنا آخر من كان يحمل في قلبه هموم الفقراء رغم غناك في كل شيئ!!

لقد إنتقل إلى رحمة الله هذا اليوم ألأستاذ ألعزيز ألسّيد ألحاج جلال الدّين الموسوي أخ الشهيدين المحامي جميل على أكبر الموسوي و سيد محسن على أكبر الموسوي فحزنت عليه أكثر من أيّ قريب و صديق و أخ, ليقيني بأن العراق بات يخلوا من الطيّبيين ..
هذا إن لم يكن قد خلي تماماً بسبب الحكومات و التربية و التعليم و الدّين الفاسد المنتشر بين الناس!

فياأيّها الناس .. إستعبروا و إستفيقوا .. ولا تظلموا .. و لا تأكلوا الحرام الذي بات حلالاً مباحاً بألف فتوى و تحليل كيفما كان .. ولا تتنابزوا .. و لا يغتب بعضكم بعضاً .. ولا يظلم أحدكم أحداً .. و لا تحسدوا أحداً على نعمة أو جاهٍ أو مالٍ .. ولا تستغلوا طيبة أحد .. تعاملوا بقلوبكم لا بعقولكم مع الناس خصوصاً المقربيين و تمنّوا لهم الخير و أكثروا من الصلاة على محمد و آل محمد خصوصاً حين تشهدون الخير و النعمة على أحدكم لكي تنعكس عليكم بآلخير و البركات .. بعكس أصحاب القلوب و العقول الضيقة .. ألذين يحسدون و يحقدون .. و الحسود الحقود لا يسود .. فهذه هي الحياة زائلة لا محال .. و لا يبقى مع الأنسان إلا العمل الصالح الطيب و وجه ربك ذو الجلال و الأكرام!

رحمة الله عليه و تغمد الله سيدنا جلال الدّين الموسوي بواسع رحمته .. لقد كان مثالاً للتواضع و الألفة .. لا يُفرّق بين كرامة صغير و كبير .. كان باسم الوجه .. منشرح الصّدر .. أنيساً و مُحبّاً للأهل و للضّيوف .. لا يهمه إن كان يملك مليون دينار أو مليون فلس .. الحياة كما فهمها كانت هدية من الله تعالى يجب آلتلذذ بها و فيها ولا نفكر كثيراً بآلغد .. فآلغد غيب بيد الله .. و لا تدري نفس بأيّ أرض تموت!؟

إن هذا الفهم و التفكير الذي يبدو ساذجاً قد تسبب في سعادته بآلقدر الذي أعرفه و إطلعت عليه بنفسي .. ففي لقائي الاخير معه في بغداد .. سألته في أوّل اللقاء: أنت أستاذ حيث كان معلماً ناجحاً أنهى الجامعة المستنصرية و خرّج الأجيال منذ أواسط الخمسينات حتى نهاية القرن الماضي و لنصف قرن و كان سيّداً حسيّنياً نسبه يرجع للأمام موسى بن جعفر و كان حاجاً لبيت الله, ووووو

سألته أول سؤآل بعد فراق طويل في ذلك اللقاء الذي لم أكن أعلم بأنه الأخير, قلتُ له:

أنت .. (أستاذ) و (سيّد) و (حاج) .. و أعمارنا متقاربة بفاصل عشر سنوات تقريباً فبأي صفة أخاطبك ليرضيك !؟

قال لي بلا تردد و بعفوية على الفور: (سيّد)!
يعني أنه رحمه الله قد فضّل نسبه لأهل البيت(ع) على كلّ الالقاب و الشهادات الأخرى و ذلك التأريخ الجهادي الطويل الذي قارع فيه الحكام و الطغاة منذ الحكم الملكي و لآخر يوم من حياته و هو يُكافح كل الحكومات و قد سُجن و سُحل بسيارات الشرطة الملكية و الجمهورية و الوطنية و آلأسلامية و البعثية وغيرها من الألقاب العراقية المزيفة!! لا لأجل المال و المناصب .. بل لأجل الفقراء و العدالة التي باتت حلماً تمرّ علينا في المنام بسبب المسخ الذي أصاب الناس, فرحمة الله عليه و أسأله تعالى أن يسكنه فسيح جناته و الصبر و السلوان لخالتي أم سلام زوجته و لأبنائه و بناته و ذويه .. أنه واسع المغفرة, و هنيئا له .. لقد إرتاح من همّها و غمّها. و حكمة كونية لمن يريد الفوز بخير الدارين:
.[[عيشوا عيشة إن غبتم حنّوا إليكم و إن مُتّم بكوا عليكم

العارف الحكيم عزيز الخزرجي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here