محمد الاشقر المناضل الوطنى الشجاع

محمد الاشقر المناضل الوطنى الشجاع

محمد سيف الدولة

[email protected]

توفى الى رحمة الله الاخ والصديق العزيز المهندس محمد الاشقر، الذى قضى السنوات الاربعين الاخيرة من حياته فى القلب من المعارضة السياسية المصرية، مشاركا فى كل معاركها متقدما صفوف فاعلياتها ومظاهراتها، متفاعلا مع كافة اطوارها ومراحلها واشكالها.

وكان واحدا من القابضين على الثوابت الوطنية كالجمر، يضع قضايا التحرر والاستقلال على رأس اولوياته، يؤمن بوحدة الأمة العربية، يدعم فلسطين بلا حدود، يعادى الولايات المتحدة الى آخر مدى، يناهض الصهيونية و(اسرائيل)، ويناضل من اجل اسقاط اتفاقيات كامب ديفيد، ويتعايش بشكل يومى مع الناس ويتبنى مطالبها البسيطة ويناضل معها من اجل تحقيقها.

دخل معترك العمل السياسى من الارضية الوطنية لتجربة عبد الناصر وخاض عديد من التجارب التنظيمية والحزبية والجبهوية، ولكنه حرص دائما على ضبط وتوجيه ومراجعة انتماءه لها او استمراره معها، على ميزان المبادئ والثوابت الفكرية وليس العكس. وهو ما ضمن له ان يكون فى “معظم” الاحيان وفى أشدها التباسا وضبابية فى صفوف الجانب الصحيح من الحركة الوطنية.

***

ولقد تميز الاشقر عليه رحمة الله بعديد من الميزات الاساسية:

الميزة الاولى والتى كانت مفتاحا لفهم شخصيته ولفهم كل ما سنذكره من ميزات تالية هى انه كان انسانا حركيا ونشيطا للغاية، الى الدرجة التى قد تدفع من يعايشه الى الاقتناع ان النشاط هو الصفة الاهم فى أى انسان. ولقد كان نشيطا على كافة المستويات المهنية والشخصية والسياسية، خلية نحل، غزير الانتاج، لديه دأب وقدرة على انجاز المهام وقضاء المصالح وانهاء الاعمال والانتقال الى غيرها، يقوم بعشرات المشاوير فى اليوم الواحد، لا يكل ولا يمل، ولذلك كان لخبر وفاته وقع صادم على كل من يعرفوه، فكيف لهذه الكتلة من الحركة والنشاط والحيوية ان تخبو.

***

الميزة الثانية وهى قدرته الواسعة والنادرة على التواصل الجماهيرى وفتح مواقع جديدة: حيث أدت طبيعته النشيطة الى تميزه سياسيا بميزة يفتقدها غالبية السياسيين وهى الرغبة والقدرة على التواصل الدائم مع الناس وفتح مواقع جماهيرية جديدة وابداع افكار عملية غير معتادة تجذب الشباب للعمل السياسى؛ فلقد كان فى الثمانينات على سبيل المثال وقبل عصر الكومبيوتر والمحمول والانترنت، يلف بسيارته كل قرى مصر، حاملا جهاز الفيديو وشرائط مجازر صابرا وشاتيلا او جنازة عبد الناصر وغيرها من الاحداث الكبرى، ويلتقى بشباب القرية فى مندرة اى منزل فيها، ليصدمهم بما فى الفيديوهات من احداث وحقائق لم يشاهدوها او لم يتعرفوا عليها من قبل، ثم يبدأ النقاش لتنتهى الزيارة بانخراط شباب مصرى جديد فى مجال العمل الوطنى.

كان كمن يقوم، بلغة اليوم، بعمل عملية مسح (Scan) لقرى مصر باحثا عن أفضل من فيها من شباب.

واذا قام أى منا بجولة اليوم وغدا على كلمات النعى والرثاء التى امتلأت بها مواقع التواصل الاجتماعى بعد دقائق من سماع خبر وفاته، فسيجدها حافلة بقصص يحكيها شهود عيان من رفاقه فى مرحلة من مراحل حياته السياسية، عن حركته ونضاله وسفرياته ومشاركاته فى الوقفات والتظاهرات والفاعليات، حكايات ترويها شخصيات تنتمى الى تيارات وحركات واحزاب متنوعة عن مشاركاته ومساهماته فى مئات الانشطة والفاعليات على امتداد 40 عاما واكثر؛ من اول النضال ضد نظامى السادات ومبارك مرورا بحركات ولجان دعم الانتفاضات الفلسطينية 1987 و200 او رفض الحصار والعدوان الامريكى على العراق 1991-2003 اوعن دوره المركزى فى حركة كفاية وفى ميدان التحرير و فى ثورة يناير فى شهورها الذهبية …الخ. لقد كان وجود او انخراط او انضمام المهندس الاشقر فى اى حركة وطنية او سياسية يمثل اضافة هامة ينتج عنها نتائج حية وملموسة.

***

الميزة الثالثة وربما تكون الأهم على الاطلاق هى أنه كان ولَّادا: فلقد كان واحدا من القلائل داخل تياره وربما داخل تيارات أخرى الذى يركز همه ونشاطه الاساسى على اعداد وتربية كوادر جديدة وتوعية الشباب فكريا وسياسيا، من خلال عقد الندوات وحلقات النقاش واستضافة المحاضرين من كافة التخصصات، ودعم طلبة الجامعات بالبيانات والمنشورات واليفط واعلام فلسطين، واعداد وطباعة وتوزيع النشرات السياسية وامدادهم بالكتب والمراجع الفكرية..الخ، بحيث انه يندر ان تجد شابا قوميا او ناصريا فى مصر لم يكن لمحمد الاشقر ومكتبه دورا مهما فى تشكيل وعيه الفكرى والسياسى.

***

الميزة الرابعة أنه كان شديد التواضع؛ يؤمن ويمارس الفريضة الغائبة فى غالبية الحركات السياسية، وهى فريضة تقسيم العمل، فكان المهندس الاشقر يدرك ما وهبه الله من مهارات وميزات يتميز بها عن الاخرين فيبادر الى انجازها، ولكنه كان يدرك فى ذات الوقت ما لدى الاخرين من خصائص وامكانيات يتميزون بها هم أيضا على غيرهم، فيبادر بدعمهم ومساعدتهم على القيام بأدوارهم، بل يرشحهم لها ولا ينازعهم عليها كما يحدث من كثيرين غيره نراهم بيننا كل يوم.

لقد كان الاشقر منتميا الى التيار القومى الذى اشرف بالانتماء اليه، وهو تيار رغم عديد من مميزاته، الا انه به جرثومة تمكنت من اختراقه منذ سنوات طويلة، وهى جرثومة النزعات الفردية والذاتية واطماع الزعامة التى اصابت كثير من عناصره وقياداته، وكان لها الدور الاكبر فى تعثر كل محاولات توحيد التيار فى كيان تنظيمى واحد، ليس فقط فى مصر وانما فى عديد من الاقطار العربية.

ولذلك كان وجود شخصية مثل المهندس الاشقر تتوفر فيها مقومات الريادة والقيادة ولكنها لا تطلبها بل تتراجع وتعتذر عنها، دورا كبيرا فى تمتعه بمكانة خاصة لدى الجميع، مكانة الحكم ورمانة الميزان.

***

بالاضافة الى كل ذلك كان الاشقر رجلا بالغ الشجاعة، يتخذ ما يؤمن به من مواقف بدون ان يتوقف كثيرا امام العواقب، فكان مكتبه الذى يحتل مكانا استراتيجيا فى ميدان الجيزة ويراه آلاف المارة كل يوم، مشهورا بنشر يافطات سياسية على شبابيكه وحوائطه الخارجية تحمل شعارات او رسائل وطنية مثل علم فلسطين أو صورة لجمال عبد الناصر أو يافطة ضد التطبيع …الخ، وهو ما سبب له مشاكل وملاحقات وتوقيفات امنية فى عديد من المرات، ورغم ذلك لم يتوقف أبدا.

وربما تكون الصورة الأشهر للمهندس محمد الأشقر والأوسع انتشارا على كل مواقع التواصل الاجتماعى المصرية والعربية، هى صورته وهو يقف فى قلب المظاهرات حاملا علما كبيرا لفلسطين مكتوب عليه بخط واضح الجملة التالية ((اصحاب الجلالة والفخامة والسمو .. اتفو))

رحم الله الاخ والمناضل الوطنى والقومى الشريف محمد الاشقر

*****

14 اكتوبر 2020

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here